قمة بايدن وبوتين.. تصريحات رسمية بالرغبة في التعاون وسقف توقعات منخفض

كومبو يضم الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين
الرئيس الأميركي جو بايدن (يسار) ونظيره الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)

يعد لقاء قمة الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين الحدث الأكبر على جدول أعمال أول زيارة خارجية لبايدن، فهي تتزامن مع تدني علاقات البلدين لأدنى مستوياتها منذ عقود، إلا أن الزعيمين أكدا الرغبة في التعاون.

ولن يكون لقاء جنيف الأول بينهما، فقد التقيا للمرة الأولى عام 2011 عندما شغل بوتين منصب رئيس الوزراء وكان بايدن نائبا للرئيس، وطبقا لحديث سابق لبايدن فقد قال لبوتين في لقاء خاص بمكتبه بالكرملين "لا أعتقد أن لديك روحا".

واشتبك الرجلان مرة أخرى بعد عام 2014، عندما كلف الرئيس السابق باراك أوباما نائبه بايدن بدعم أوكرانيا في أعقاب ثورتها، والضغط على روسيا لتقليص تدخلها العسكري في شرق أوكرانيا.

ثم تدخل بوتين في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعامي 2016 و2020 بهدف إنجاح المرشح الجمهوري دونالد ترامب، طبقا لما تؤكده تقديرات أجهزة الاستخبارات الأميركية.

وبعد وصول بايدن للحكم، ذكر في حوار تلفزيوني في مارس/آذار الماضي أنه يعتقد أن بوتين "قاتل"، ثم أضاف خلال إفادة صحفية أمس الأول، أنه "كان يتكلم بصدق عندما وصفه بذلك".

وكان رد فعل بوتين غامضا، فقال في حديث مع شبكة "إيه بي سي" (ABC)، إنه لم "يفاجأ، فمصطلح القاتل مثل مصطلح مفتول العضلات شائع في هوليود، ومثل هذا الخطاب جزء من الثقافة السياسية الأميركية حيث يعتبر طبيعيا هناك، ولا يعتبر طبيعيا هنا".

ولا تقتصر العلاقات على المعرفة الشخصية بينهما، ففريق بوتين للسياسة الخارجية والشؤون الأميركية لم يتغير خلال العقد الأخير، في حين أن فريق بايدن خدم في السابق مع إدارة أوباما، وتعاملوا كثيرا مع نظرائهم الروس.

بوتين يستقبل بايدن في 2011 (الفرنسية)

سقف توقعات منخفض

لا يمكن لواشنطن تجاهل علاقتها بروسيا أو التقليل من أهميتها، على الرغم من إدراك صانعي الرأي الأميركي أن روسيا تعمل بلا كلل لتقليص النفوذ الأميركي في أنحاء العالم.

وأوضحت المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض جين ساكي، لدى الإعلان عن القمة، أن هدف بايدن ليس إحداث تحول درامي في العلاقات مع روسيا، بل "استعادة القدرة على التنبؤ والاستقرار للعلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا".

وكان بايدن قد أكد في عدة مناسبات أنه يريد إقامة "علاقة أكثر استقرارا ويمكن التنبؤ بها مع روسيا"، لكنه قال أيضا إنه سيثير العديد من القضايا المثيرة للجدل، بما في ذلك التوغلات الروسية في أوكرانيا، والتدخل في الانتخابات الأميركية، وتسميم وسجن المعارض الروسي أليكسي نافالني، والاختراقات السيبرانية المتكررة لمنشآت ومصالح أميركية.

ويؤمن الكثير من المعلقين الأميركيين أن بلادهم ليس لديها خيار آخر سوى الدخول في علاقات بناءة مع روسيا. وقد طرحت موسكو أفكارا تتعلق بنزع الأسلحة النووية، ومواجهة جائحة "كوفيد-19″، وتغير المناخ كمجالات ممكنة للدولتين التعاون فيها.

ومن شأن رفض التعاون في هذه القضايا أن يقوض فكرة السياسة الخارجية الأميركية المبنية على المبادئ والمسؤولية العالمية.

من جانبها، قالت مديرة مركز الدراسات الأوروبية في جامعة جورجتاون، أنجيلا ستينت، للإذاعة العامة الأميركية "إنه اجتماع مهم جدا، نعلم أنه عند نهاية فترة حكم ترامب كانت العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا أسوأ مما كانت عليه قبل تولي ترامب منصبه على الرغم من كل محاولاته لتحسينها. وكنا حقا في وضع وصلنا فيه إلى الحضيض في العلاقات بين موسكو وواشنطن".

وفي إشارة إلى أهمية عقد القمة على المستوى الشخصي، قالت ستينت إنه من الأسهل كثيرا إدارة التوترات عندما طور الرؤساء علاقات عمل، مثل الرئيسين السابقين رونالد ريغان وجورج بوش الأب مع الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف.

وأضافت ستينت "لذلك من المهم العودة للنمط التقليدي في لقاء القادة الروس، لأنني أعتقد أن المسؤولين الأميركيين يجدون دائما أنه من الصعب جدا إنجاز أي شيء مع روسيا إلا إذا كانت هناك إشارات من الرئيس نفسه".

White House Press Secretary Jen Psaki speaks in the James S Brady Press Briefing Room at the White House, after the inauguration of Joe Biden as the 46th President of the United States
ساكي: هدف بايدن ليس إحداث تحول درامي في العلاقات بل استعادة القدرة على التنبؤ والاستقرار (رويترز)

خطوط حمراء متبادلة

ويشكك مايكل ماكفول، سفير أميركا لدى روسيا خلال إدارة أوباما، في حجم توقعات فريق بايدن من اللقاء وتوقع ضبط العلاقات بين واشنطن وموسكو، وقال "أنا معجب بهذا الطموح، لكني أعتقد أنه غير واقعي تماما، لأنني لا أعتقد أن بوتين نفسه مهتم بعلاقة مستقرة يمكن التنبؤ بها. لذلك أعتقد أن عليهم أن يواجهوا احتمال أن تكون علاقات واشنطن وموسكو مختلفة عما يتطلعون إليه".

ويشير ماكفول إلى أن المشاكل التي أدت إلى التوتر الأخير ما زالت موجودة، وليس من المؤكد أن القمة ستحلها، مشيرا إلى أن تاريخ علاقات الدولتين لا ينبئ بحدوث انفراج، وأن الجانبين سوف يحولان القمة إلى اختبار لحدود قوة الطرف الآخر.

بدوره، اعتبر براين أوتول، الخبير بالمجلس الأطلسي والمسؤول السابق بوزارة الخزانة، أن الأهداف الرئيسية لإدارة بايدن تجاه روسيا هي "محاولة احتواء وصد هجوم بوتين الأوسع على الديمقراطية، وعلى النموذج الغربي في الحكم، وعلى قواعد النظام الدولي الراسخ".

ويتفق أستاذ التاريخ في الجامعة الكاثوليكية بواشنطن مايكل كيماج مع صعوبة حدوث تغيير سريع في أسس علاقات الدولتين مع عقد القمة الأولى لبايدن وبوتين.

وأشار كيماج، في مقال بدورية فورين أفيرز، إلى أن زيادة انتشار روسيا عسكريا في عدة مناطق، ولا سيما سوريا والبحر المتوسط، يقرب الجيشين الأميركي والروسي من بعضهما في ظل وجود تناقضات واسعة وأهداف مغايرة، متنبئا باستمرار هذه التناقضات لعقود، وأن قمة واحدة لن تغير الأوضاع على الأرض.

المصدر : الجزيرة