بايدن والسيسي.. هل تذيب المصالح المشتركة وأزمات المنطقة فتور العلاقات؟

كومبو عبدالفتاح السيسي جو بايدن
الرئيس المصري السيسي (يمين) ونظيره الأميركي بايدن (وكالات)

منذ وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض مطلع العام الجاري، وعلاقته مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، تتسم بالهدوء البارد الذي يصل حد الفتور، غير أن العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة الفلسطيني دفع مالك زمام البيت الأبيض إلى التواصل مع السيسي مرتين في غضون 4 أيام.

وفي ضوء المتغيرات الجديدة، وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مصر، الأربعاء، في مهمة دبلوماسية، استهدفت تعزيز وقف إطلاق النار الذي أنهى عدوانا إسرائيليا على قطاع غزة استمر 11 يومًا، بعد أن لعبت مصر دورا محوريا في التهدئة بين تل أبيب وفصائل المقاومة الفلسطينية.

وجاءت زيارة بلينكن ضمن جولته التي شملت القدس ورام الله وعمّان، وفي إطار التواصل والمشاورات المستمرة بين الإدارة الأميركية والقاهرة، والتي شهدت زخما كبيرا خلال الأيام الماضية، بعد أن كانت هناك مؤشرات بأن يتسم أداء بايدن تجاه نظام السيسي بالتشدد، خاصة مع تصريحاته السابقة المنتقدة للسيسي، وأشهرها القول إنه "لا توجد شيكات على بياض لدكتاتور ترامب المفضل".

واتفق محللان سياسيان، في تصريحات للجزيرة نت، ودبلوماسي مصري بارز، على أن المصالح المشتركة والإستراتيجية بين البلدين، خاصة المرتبطة بالدعم العسكري وأمن إسرائيل وبالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تمثل دافعا رئيسيا نحو مسار يزيد من فرص التقارب وإذابة فتور بايدن نحو السيسي.

فتور وتحول مفاجئ

فرض وصول بايدن إلى الرئاسة الأميركية، على حساب ترامب الحليف الأبرز للسيسي، سيناريوهات مقلقة على النظام المصري، في ضوء تلميحات بايدن المتكررة نحو إحداث تغيير جذري في علاقات بلاده مع النظام المصري.

وكان على رأس هذه المخاوف ملف الحريات وقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، إذ إن تصريحات بايدن السابقة كشفت عن توجه مغاير لسياسة ترامب، خصوصا ما يرتبط باحتضان الأخير لأنظمة دكتاتورية في الشرق الأوسط.

لكن حتى الآن، لا توجد مؤشرات قوية وعملية نحو تغير أميركي في هذا المسار، واقتصر رد الفعل على تصريحات ربطت بين المصالح الأمنية المشتركة باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان وأهمية وجود مجتمع مدني قوي.

وفي تحول مفاجئ بعد تأخر دام 4 أشهر، استقبل السيسي في أقل من أسبوع، اتصالين من بايدن، الأول ارتبط بالتصعيد في فلسطين، بينما الاتصال الثاني توسع ليشمل التباحث حول علاقات التعاون الثنائي، والمخاوف المصرية من سد النهضة.

وأكد بايدن على اهتمام بلاده بالحلول الدبلوماسية التي تلبي الاحتياجات المشروعة لمصر والسودان وإثيوبيا من مياه النيل، إضافة إلى تناول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية وعلى رأسها ليبيا والعراق.

كما لم يغب الملف الحقوقي عن ذلك الاتصال، لكن هذه المرة هدأت لهجة بايدن الذي شدد على "أهمية الحوار البناء حول حقوق الإنسان في مصر" وربطها بيان للبيت الأبيض بـ "التأكيد على التزامهما بشراكة قوية ومثمرة".

معطيات الأرض

وفق تصريحات نقلتها صحيفة الأهرام، عن وزير الخارجية السابق محمد العرابي، فإن التحول في العلاقات جاء بناء على معطيات على الأرض وليست مجرد بيانات من الجانب المصري.

وأوضح العرابي أن قضايا سد النهضة وغزة وليبيا والعراق، التي ناقشتها مكالمة بايدن والسيسي، جميعها ملفات تتعلق باستقرار المنطقة وخفض التوتر الناشئ عن استمرار هذه المشكلات، معتبرا مصر هي المفتاح لخفض التوتر في المنطقة.

وحول مستقبل العلاقات الثنائية، توقع الوزير السابق أن تشهد تصاعدا وتطورا دائمين، على مختلف المستويات، مشيرا إلى أن ذلك سيدعم الدور المصري في الفترة القادمة بشكل كبير في التعامل مع القضايا المختلفة، وسيجعل صوت القاهرة مسموعا، بل ويسعى إليه الجميع.

وفيما يخص الملف الحقوقي، رأى الدبلوماسي السابق أنه من القضايا الجدلية بين البلدين، متوقعا أن يظل من الملفات الجانبية الموجودة في سياق العلاقات، بغض النظر عن تطور العلاقة الإستراتيجية.

ملفات ومصالح مشتركة

واتفق أستاذ علم الاجتماع السياسي سعد الدين إبراهيم مع الطرح السابق، قائلا إن المصالح المشتركة وأزمات المنطقة تذيب فتور بايدن تجاه السيسي، موضحا أن الدول تتحرك على حسب المصالح.

وأشار إبراهيم إلى أن بايدن من الواضح أنه اكتشف، بعد فترة من البرود، أن لديه مصالح مشتركة مع مصر، منها تهدئة الأمور في الشرق الأوسط، ومحاولة تأكيد استقرار مبني على التفاهم وعلى التعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

لكنه استبعد وجود دور إسرائيلي في تحول بايدن نحو النظام المصري، قائلا إن إسرائيل لم تلق في المواجهة الأخيرة تأييدا أعمى من الولايات المتحدة والغرب، كما كانت تستعرض بالقوة وتحظي بتأييد مطلق في السابق.

وعزا ذلك إلى وجود جماعات كثيرة بدأت تحتج على التصرفات والعدوان الإسرائيلي، قائلا إنه تغير جديد يأتي في سياق مزاحمة جماعات الضغط العربية في واشنطن لنظيرتها الصهيونية التي كانت تؤثر على قرارات البيت الأبيض.

وفيما يخص الملفات الإستراتيجية والمصالح المشتركة التي تدفع نحو عودة دفء العلاقات، أوضح إبراهيم أن هناك مصالح أميركية في المنطقة أولها المرور الآمن في المياه والأجواء المصرية، وثانيا استمرار معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وثالثا دعم الحرب الأميركية ضد "الإرهاب" وأخيرا وقوف مصر إلى جانب الولايات المتحدة في مواجهة الملف النووي الإيراني.

وقال أيضا إن هذه الأمور تتصور فيها الولايات المتحدة أن تحصل على دعم مصري، مشيرا إلى أن على بلاده الحصول على منافع متبادلة من الإدارة الأميركية لدعم هذه الملفات.

أما عن كيفية استفادة مصر من الاتصال الأخير بين بايدن والسيسي، أكد إبراهيم أن مصر استفادت بالفعل، حيث جاءت المناسبة الأخيرة لتدفع السيسي إلى عدم إغفال طرح وإثارة القضايا التي تهم مصر إلى جانب الملف الفلسطيني، مشيرا إلى أن الرئيس الأميركي أبدى استعدادا مبدئيا للتعاطف مع هذه القضايا، وعلى رأسها سد النهضة.

توظيف العلاقة

أما الكاتب الصحفي يحيى غانم فقد استهل حديثه بالإشارة إلى أن العلاقات بين الدول لا تتأثر بفتور إدارة أو رئيس أو قيادة تجاه أخرى في دولة ما، لكنه انتقد الأنظمة المتعاقبة في بلاده، في سماحها للعلاقات مع واشنطن أن تنحصر في العلاقات العسكرية والأمنية، معتبرا ذلك وضع غير طبيعي بين الدول.

وأوضح غانم أن العلاقات المصرية الأميركية شاركت كل الحكومات والرؤساء في مصر في تحويلها إلى علاقات ما بين وزارتي الدفاع في البلدين، معتبرا ذلك يأتي في سياق أن الرؤساء في مصر لا يأتون إلا من المؤسسة العسكرية.

وفيما يتعلق باتصال بايدن بالسيسي بعد أشهر من الفتور، لا يعتقد غانم أن ينقلب إلى علاقة ود وحب مثلما كان قائما ما بين السيسي وترامب الذي كان استثناء بين الرؤساء الأميركيين، مستدركا بالقول إن العلاقات ستشهد مزيدا من التعاون كالعادة في المجال العسكري والأمني.

أما عن الدور الإسرائيلي في الاتصالات الأخيرة، فيرى الكاتب المصري أن العلاقات غير الطبيعية الموجودة بين القاهرة وواشنطن، التي تقوم على التعاون بين الأجهزة الأمنية والعسكرية وحسب، هي ذاتها التي تقوم بين مصر وإسرائيل.

وزاد بالقول إن إسرائيل لا ترى في مصر إلا ضامنا وضابطا لأمن الحدود، مع الحفاظ على طبيعة الحكم في مصر بشكله الشمولي القائم منذ خمسينيات القرن الماضي، لأن هذا النوع في العلاقات أسهل في التوجيه والسيطرة والتأثير.

وبالتالي واستمرارا لهذا النهج، كانت الأزمة التي نشبت ما بين إسرائيل وحماس، وكالعادة، القيادة المصرية هي الأقدر في التعامل مع أكثر من أي طرف إقليمي آخر حاول أن يلعب دورًا بديلا عن دور مصر وتحديدا الإمارات، وفق غانم.

وانتقد غانم انحسار المخاوف المصرية من إدارة بايدن، في الملف الحقوقي، مؤكدا أنه من المفترض ألا تكون هناك تجاوزات في حقوق الإنسان، ويتم تعريض مصر كاملة للابتزاز بناء على هذا الملف.

وشدد أن هناك العديد من الملفات وأوجه التعاون التي يجب أن تكون قائمة بما يعظم من المصالح المصرية، لكن القادة المصريين ارتضوا أن تنحصر العلاقات واهتمام المصالح الأميركية بمصر في ملفي الأمن والعلاقات العسكرية.

وفيما يخص سد النهضة، استبعد غانم أن تقف الولايات المتحدة إلى جانب مصر، بعد تهدئة الأجواء، مشيرا إلى أن النهج في بناء السدود كان خطة أميركية قائمة منذ خمسينيات القرن الماضي، وأسهم في ترجمة هذه الأهداف بعض المسؤولين في إدارة الرئيس السابق حسني مبارك، والنظام الحالي عبر اتفاق المبادئ (عام 2015 بالخرطوم).

وشدد على أن الولايات المتحدة لن تعمل على إزالة السد، لأن مشكلة السد ليست في عدد الفتحات أو سنوات الملء، لكنها تتمثل في مواصفاته الجائرة وكونه محبسًا عملاقًا أقيم على النيل للتحكم في حياة المصريين، مستنكرا في الوقت ذاته التقاعس المصري في التدخل عسكريا بإزالة هذا الخطر الوجودي على المجرى الرئيسي للنيل.

المصدر : الجزيرة