غارديان: لم نستطع التعرف على مدينتنا.. القصف الإسرائيلي يغير ملامح غزة

Israeli attacks over Gaza
إحدى العمارات السكنية التي تعرضت للقصف الإسرائيلي خلال التصعيد الأخير على غزة (الأناضول)

بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار غير المشروط بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية حيز التنفيذ، يحدو العائلات المصدومة من هول ما جرى في قطاع غزة من دمار وفقدان للأحبة أمل ضئيل في استتباب الأمن، وعودة الأمور إلى سابق عهدها.

بهذه الكلمات افتتحت صحيفة "ذا غارديان" (The Guardian) البريطانية تقريرا لها، قالت فيه إن غزة المدينة الساحلية الصغيرة تشوهت بدرجة كبيرة جراء القصف الإسرائيلي الأخير، حتى إن خارطة شوارعها وطرقاتها ومعالمها، التي كانت مرتسمة في أذهان ساكنيها قبل أسبوعين فقط، لم تعد كما كانت.

وتتابع الصحيفة أن الطرق المختصرة، التي كان يسلكها سائقو السيارات لتجنب الاختناقات المرورية، ربما لم تعد صالحة، فالحُفر منتشرة في الشوارع، وركام المباني المتداعية يسد الطرقات، والبنايات العالية ما عاد لها وجود.

وتسبب القصف الجوي المتواصل على غزة طوال 11 يوما بخراب المدينة، واهتزت الأرض بعنف حتى بدا أن المباني اقتُلعت اقتلاعا، وكأنها لم تُضرب من علٍ.

وعلى أحد جوانب شارع الوحدة كان ينتصب مبنى يضم مستشفى الشفاء، وهو أكبر منشأة طبية في غزة. وفيها كان يرقد أمجد مرتجى (40 عاما) وقدماه مثخنتان بالجروح. كان مرتجى داخل شقته المستأجرة في الطابق الرابع بشارع الوحدة عندما ضرب صاروخ الشرفة.

أنين وصراخ

يقول مرتجى لغارديان، وهو يستعيد بذاكرته المشهد في ذلك اليوم، إن المبنى كان يهتز، وكان جل تفكيره منصبا على إنقاذ زوجته وابنه. فهرع إلى غرفتهما في الوقت المناسب ليحتضنهما قبل أن يصيب صاروخ ثان المبنى، الذي انهار بالكامل.

وتنقل الصحيفة عن مرتجى قوله إنه حينما كان عالقا تحت ركام المبنى كان يسمع أنين جيرانه وصراخهم.

من جانبها، روت سوزان زوجة مرتجى (36 عاما) أن المبنى عندما انهار كانت هي مضطربة، حتى إنها ظنت حينها أن خزانة ملابس سقطت عليهم؛ لكنها استطاعت أن تصل بيدها غير العالقة في الأنقاض إلى هاتفها الجوال.

وتضيف "تمكنت من تشغيل ضوء الهاتف، فأدركنا أن المبنى انهار".

"سقطنا معا"، يقول أمجد، وكانت زوجته سوزان وابنه (عامان) بالقرب منه. وظل أمجد وزوجته -التي أكد الأطباء لاحقا أنها تعرضت لكسر في الظهر- محاصرين تحت الأنقاض 4 ساعات قبل أن ينجح الجيران ورجال الإنقاذ في انتشالهم.

وزعمت إسرائيل أن هدفها من الهجمات على شارع الوحدة، يوم الأحد الماضي، كان تدمير شبكة الأنفاق الواسعة، التي تطلق عليها اسم "مترو حماس"، بينما ادعى جيشها أنه لم يقصد إسقاط المباني.

وبعد قرابة أسبوع من الغارات، ما تزال أكوام الأنقاض الخرسانية متناثرة على طول شارع الوحدة، على أن كل ما تبقى من البناية، التي كانت تقطن فيها عائلة مرتجى، سُلَّم داخلي بطول 3 طوابق، وهناك تنتصب لافتة كُتب عليها أسماء شهداء القصف وعبارة "مجزرة الوحدة".

شاهدة أخرى على ما حدث في المبنى المذكور، تدعى زكية أبو داير (44 عاما) قالت إنها كانت تسكن هي وزوجها وابنها في البناية المجاورة.

وأضافت أنها وعائلتها اضطروا عشية القصف إلى الانتقال إلى منزل أرضي لأحد أقاربهم في الشارع نفسه، ظنا منهم أنهم سيكونون في مأمن من أي هجوم.

لكن بعد يومين، وبينما كانت هي وأفراد الأسرة الآخرون يتناولون وجبة العشاء ضربت قذيفة المنزل، وقالت ورجلها ملفوفة في ضمادة "ليس هناك مكان آمن.. كل المكان غرق في سواد".

أما زوجها، الذي كان يبعد عنها بضعة أمتار، فقد استُشهد -ومعه طفل من أقربائه (11 عاما)- بعد أن أصابته شظية في رأسه. وعلى الجانب الآخر من الشارع يقف هيكل متصدع لمبنى آخر.

يقول مدير عام التعاون الدولي بوزارة الصحة في غزة، عبد اللطيف الحاج، إن المبنى كان عيادة قديمة للرعاية الصحية الأولية، وربما كانت هي الأقدم من نوعها في القطاع.

دمار ووباء

وللوهلة الأولى يبدو أن العيادة تعرضت للقصف بسبب ما يظهر من ثقوب وبثور على جدرانها وقطع من حطام بحجم ملعب كرة قدم تناثرت على الأرض. بيد أن الأمر ليس كذلك، فعندما ضرب صاروخ المبنى الواقع على الجانب الآخر من الشارع انهار الطابقان العلويان ليرتطما بعدها بالعيادة.

وقال الحاج إن المبنى كان المركز الرئيسي لفحص فيروس كورونا في غزة، وكان أفراد الطواقم الطبية يعملون عندما حدث الانفجار؛ مما أسفر عن إصابة العديد منهم بجروح.

وأردف قائلا إن غزة تعاني أصلا من انتشار خطير للجائحة، ويتوقع تفشي أوبئة أخرى.

ووفق إحصائيات الأمم المتحدة، فقد أسفر القصف على غزة عن تدمير 260 مبنى، والإضرار بنحو 53 مدرسة و6 مستشفيات و11 مركزا للرعاية الصحية الأولية، كما نزح قرابة 800 ألف شخص من منازلهم، فيما يعاني 10 أضعاف ذلك الرقم من نقص في مياه الشرب.

ويعيش سكان القطاع البالغ تعدادهم مليوني نسمة داخل ما يسمونه "أكبر سجن في العالم"، حيث أكثر من 50% منهم عاطلون عن العمل، بينما نظام الرعاية الصحية منهار، ويعاني السكان أحيانا من إمدادات مياه سامة وانقطاع متواصل للتيار الكهربائي.

المصدر : غارديان