غياب للدعاة والجماعات وحضور للأزهر.. هكذا تفاعلت مصر إسلاميا مع فلسطين

الفلسطينيون هبّوا بعد اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على القدس والمسجد الأقصى (الفرنسية)

مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات في القدس المحتلة، وما تبعها من اشتعال المواجهات في قطاع غزة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، توالت ردود الفعل والدعم عربيا وإسلاميا، وشهدت مصر تفاعلا رسميا عبر البيانات، وشعبيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

كما برزت تعليقات النُخب الإسلامية الفاعلة والمؤسسات الدينية الرسمية المختلفة، حيث كشفت هذه الأحداث عن جملة من المتغيرات المهمة في طبيعة توجهات هذه النُخب والمؤسسات، كانت في مجملها محصلة طبيعية لـ8 أعوام من الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين في صيف 2013، وإبعاد التيار الإسلامي عن المجال العام، مع بقاء الدعوة السلفية وذراعها السياسية -حزب النور- ممثلا أوحد في الموالاة، لكنه ممثل ضعيف يبدو مغلوبا على أمره في معظم الأحيان.

وانعكس غياب التيار الإسلامي على تفاعل الشارع المصري مع أحداث القدس وغزة، حيث اقتصر التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، وغابت الفعاليات والمظاهرات التي اشتهرت بها مصر سابقا في معظم الأحداث المرتبطة بالقضية الفلسطينية.

توافق سلفي وإخواني

ورغم تباين المواقف بين الدعوة السلفية وذراعها السياسية حزب النور، وبين جماعة الإخوان المسلمين طوال السنوات الفائتة تجاه الأحداث، فإن بياناتهما الصادرة على هامش أحداث الشيخ جراح في القدس تطابقت لحد كبير، وغلبت عليها سمة الرسمية، فبدت بروتوكولية بقدر ما.

الأمر الذي يراه الباحث المصري في العلوم السياسية محمد الزواوي، في حديثه للجزيرة نت، قد يساهم في بناء رؤاهم العامة فيما يتعلق بانتقاداتهم للحكومات العربية والنظام الإقليمي برمته.

وبشأن غياب الحضور الفاعل بالتعليق أو ما شابه من قبل التيارات الإسلامية في بدايات أحداث القدس، أرجع الباحث الجزائري يحيى بوزيدي -في حديثه للجزيرة نت- سبب ذلك إلى المشاكل التي تعيشها والضغوط التي تمر بها والحسابات السياسية التي ترافقها، سواء تجاه قواعدها أو الحكومات أو الدول المستضيفة لها.

ومع ذروة الأحداث، أصدر كلٌ من الدعوة السلفية وذراعها السياسية حزب النور بيانين فصل بينهما يوم واحد، تراوح بين اللغتين الدعوية والسياسية. ففي حين رأت الدعوة أن الأحداث أظهرت بوضوح تام "حقيقة عداء اليهود للمؤمنين"، اعتبر حزب النور في بيانه أن ما يقوم به "الكيان الصهيوني هو انتهاك لكل الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية".

وتقاطع الحديث عن القوانين الدولية مع ما حمله بيان جماعة الإخوان المسلمين، بإمضاء المتحدث الإعلامي باسم الجماعة طلعت فهمي. إذ برزت مطالبته الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية بسرعة تفعيل قرارها الصادر في 5 فبراير/شباط 2021، بفرض ولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية.

وفي بيان لاحق، قال المتحدث فهمي إن "هذه الغطرسة التي كسرها صمود المرابطين لن يردعها إلا موقف عربي إسلامي صارم ومن كل القوى المناصرة للسلام والعدل، وكذلك بموقف حازم من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وحكومات الدول العربية والإسلامية، يصحبه وقف محاولات التطبيع الجارية وطرد سفراء وممثلي الكيان الصهيوني من العواصم العربية وسحب السفراء".

وفي فهم موقف حزب النور، أشار بوزيدي إلى أنه جاء في محاولة منه لمسايرة المواقف الرسمية، والأمر نفسه لدى جماعة الإخوان التي يصعب عليها محاكاة الموقف الحكومي التركي الذي يجمع بين سعيه لتحسين علاقاته مع دولة الاحتلال، كما حصل قبل أسابيع، وفي الوقت نفسه لا يتوانى عن نعتها بالدولة الإرهابية، بحسب وصفه.

المزاوجة بين السياسي والدعوي

في المقابل، بدت مؤسسة الأزهر ممثلة في شيخها أحمد الطيب أكثر تفاعلية مع أحداث الشيخ جراح. ويعلق الزواوي على ذلك بقوله إنه بالرغم من تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية في المجال العام في السنوات الأخيرة، فإن الاهتمام بالقدس عاد ليتصدر المشهد مرة ثانية من خلال الأزهر.

وأضاف الزواوي للجزيرة نت أن المؤسسة سعت لأن تلعب دورا سياسيا بارزا بخلاف دورها الديني، إذ إن قضايا القدس كانت دائما ما ينظر إليها على أنها تؤدي إلى اضطرابات وتظاهرات في الداخل المصري، وكان الأزهر ينأى بنفسه عن إصدار تصريحات، ربما بإيعاز من السلطة لعدم تأجيج الأوضاع الداخلية.

وتجلى ذلك في إصدار مؤسسة الأزهر بيانين: أولهما باسم المشيخة والآخر من خلال مرصد الأزهر لمكافحة التطرف التابع للمؤسسة أيضا. ولم يكتف شيخ الأزهر بهذين البيانانين، بل نشر تغريدات عدة -بعضها باللغة الإنجليزية- تندد باقتحام ساحات المسجد الأقصى وانتهاك حرمته، منتقدا صمت العالم الدولي تجاه ما سماه بالإرهاب الصهيوني، مؤكدا على أن فلسطين عصيّة على الطغاة مهما طال الزمن.

على النحو ذاته، أدان شوقي علام مفتى الجمهورية -في بيان له- الاعتداء على المصلين الفلسطينيين وإخراجهم من المسجد الأقصى، داعيا المنظمات الدولية للتدخل السريع والعاجل لوقف ممارسات وانتهاكات قوات الاحتلال الإسرائيلي.

ويرى الزواوي أن حضور الشيخ الطيب في المشهد بهذا القدر من التفاعلية، وعودة تصريحات الأزهر السياسية تجاه القضية الفلسطينية، يأتي انعكاسا لاختلافات الرؤى الإقليمية بشأن التطبيع مع الكيان الصهيوني، واعتراضا على محاولات بعض القوى العربية أخذ دور مصر باعتبارها القائمة على الملف الفلسطيني والتعامل مع سلطة الكيان الصهيوني.

غائبون عن الأحداث

وفي غمرة سير أحداث الشيخ جراح وانعكاساتها الإقليمية والدولية، وبالرغم من الحضور المؤسسي الديني ممثلا في الأزهر الشريف ودار الإفتاء، فإن غياب وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة عن التعليق أو إبداء الرأي كان مثار تعجب حتى اللحظة، خاصة بعد اقتصاره على تهنئة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعيد الفطر المبارك، وذلك وفق ما ورد في موقع الوزارة الإلكتروني.

وشارك المجلس الأعلى للطرق الصوفية الأوقافَ في الغياب أيضا، رغم ما يشغله رئيسه عبد الهادي القصبي من منصب سياسي وحزبي، حيث يرأس ائتلاف دعم مصر ويعد "زعيم الأغلبية" في مجلس النواب.

وإلى جوار ذلك، انضم إلى قائمة الغائبين عن التفاعل مع سير الأحداث المقدسية عدد من أهم الرموز الدعوية الأكثر حضورا إعلاميا في السنوات الأخيرة، أبرزهم الشيخ علي جمعة مفتي مصر الأسبق، والدعاة عمرو خالد وخالد الجندي، فضلا عن غياب رموز سلفية تراجع دورها منذ الانقلاب العسكري، مثل محمد حسان ومحمد حسين يعقوب.

ويرى الأكاديمي اللبناني محمد المصري أن غياب هذه الشخصيات الدينية أصبح موضع تساؤل من قبل شرائح كبيرة في المجتمعات الإسلامية، ولا سيّما أن هؤلاء يتميّزون بحضورٍ قوي ولافت في أي أمر يهمّ أنظمة الحكم أو يصبّ في مصلحتهم.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف المصري "في حين باتت القناعة متجذّرة بأنهم يتعمّدون الغياب عن أي حدث لا يهتم الحكام بإبرازه أو التفاعل معه، مما يطرح إشكاليّات حول علاقتهم بالسلطة".

المصدر : الجزيرة