تمحور حول الهوية والجدوى.. نقل المومياوات يشعل الجدل المستمر بمصر

احتفالية نقل المومياوات الفرعوينة في مصر (غيتي إيميجز)

يبدو أن الانقسام السياسي في مصر لا يزال يلقي بظلاله على معظم القضايا التي تشغل الرأي العام، خاصة ما يتعلق بقرارات الحكومة ومشاريعها، والتي تشهد جدلا مستمرا بين المؤيدين والمعارضين.

آخر تجليات هذا الانقسام الجدل المشتعل حتى الآن حول حفل نقل مومياوات فرعونية من المتحف المصري وسط القاهرة إلى متحف الحضارة، والذي جرى مساء السبت الماضي لنقل 22 مومياء ملكية و17 تابوتاً ملكيا، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي وكبار المسؤولين، وحظي بتغطية إعلامية مكثفة.

وكالعادة ولعدة أيام بعد الحفل، اشتعل جدل مواقع التواصل الاجتماعي حول أهمية الحفل وفوائده الاقتصادية وتكاليفه الضخمة، في حين اختار آخرون إحياء الجدل حول هوية مصر بين الفرعونية والإسلامية.

 جدل الهوية

لم تكد مومياوات ملوك مصر وملكاتها تستقر في رقدتها الجديدة بمتحف الحضارة في حي الفسطاط جنوب القاهرة، منتقلة من المتحف المصري الواقع بميدان التحرير في قلب العاصمة، حتى انبعثت السجالات القديمة المتكررة حول هوية مصر: هل هي فرعونية أم عربية إسلامية؟

أبرز مظاهر هذا الجدل جاء بعد تغريدة للداعية الأزهري الشهير على مواقع التواصل عبد الله رشدي، حين قال إنه سعيد بالحضارة المصرية القديمة لكن ذلك لن يغير من هوية مصر العربية الإسلامية.

كما أشار حاتم الحويني نجل الداعية السلفي الشهير أبو إسحاق الحويني إلى ذم القرآن الكريم لفرعون، وهو أيضا من مشاهير الدعاة على مواقع التواصل.

وسرعان ما اندلعت ردود فعل منتقدة للهجوم على الحفل، حيث طالب مغردون رشدي بالصمت لعدم خدش حالة السعادة الغامرة بحدث نقل المومياوات.

أما المثير للجدل إسلام بحيري، فقد استغل الجدل كالعادة للهجوم على ما يصفه بإسلام الخلفاء والفقهاء، مشيرا إلى الإسلام في "طبعته الأولى" لم يكن يريد أكثر من الإيمان القلبي وليس طمس هوية وحضارة من يؤمن به، بحسب وصف بحيري الذي سبق أن تعرض للسجن بتهمة ازدراء الأديان.

وبدورها، ذهبت الكاتبة المثيرة للجدل أيضا فاطمة ناعوت للقول إن ما حدث خلال حفل موكب المومياوات الملكية، سواء من القيادة السياسية أو ردود فعل الشعب، يُعدُّ رسالة شديدة الوضوح تقول إن الدولة وجموع الشعب يعلنون عن هوية مصر الحقيقية التي لا نعرف غيرها. الهوية العِرقية التي تنتمي لأعرق حضارات الأرض، بحسب تعبيرها.

وامتد السجال إلى ما جرى عقب حفل المومياوات بوقف عرض مسلسل "الملك أحمس" بسبب ظهور بطله بلحية، حيث تعرض المسلسل إلى سخرية وانتقادات واسعة بسبب مظهر الممثلين وملابسهم.

واعتبر البعض أن لحية البطل عمرو يوسف وبعض الممثلين محاولة لطمس هوية مصر الفرعونية، في حين اعتبرها آخرون مجرد خطأ تاريخي وضعف بالإنتاج والعناية بالتفاصيل.

لكن الجدل حول المسلسل تجاوز العمل الفني إلى تجديد الصراع والجدل حول هوية مصر بين الفرعونية والإسلامية.

جدل التكلفة

ومن غير المعروف على وجه الدقة حجم تكاليف الحفل الضخم، وهو ما دفع البعض للتساؤل عن الجدوى المتوقعة من وراء الاحتفالية مقابل الكلفة التي بدت باذخة.

ومن تصريحات متناثرة لمسؤولين رسميين، يمكن توقع إنفاق مبالغ هائلة على الحدث الضخم، فرئيس شركة مصر للصوت والضوء محمد عبد العزيز، قال في تصريحات صحفية، إن تكلفة أعمال الإنارة فقط "خاصة ميدان التحرير والمسلة الفرعونية الموجودة وسط الميدان و21 عمارة حول الميدان، والمتحف المصري بالتحرير" بلغت 60 مليون جنيه (نحو أربعة ملايين دولار أميركي).

أما صحيفة "أخبار اليوم" الحكومية، فقد قدّرت -استنادا إلى مصادر خاصة- تكاليف أعمال تطوير ميدان التحرير التي استغرقت 10 أشهر، بما يقرب من 150 مليون جنيه (أقل من 10 ملايين دولار).

وتقول الحكومة إن هذه التكلفة تتعلق بتطوير ميدان التحرير بشكل دائم وليس فقط بيوم الاحتفال.

أما تكاليف مشاركات النجوم، فقد أكد محمد سعدي رئيس مجلس إدارة الشركة المنظمة لحفل نقل موكب المومياوات الملكية أن كل المشاركين بالعمل من النجوم والفنانين لم يطلبوا أي شيء، فـ "الجميع كان متطوعا" بحسب تصريحات صحفية له.

وقال رئيس الشركة المنظمة للحفل إن إخراجه بتلك الصورة لم يتكلف سوى 5% فقط من تكاليف إخراجه لو تولته شركة أجنبية.

جدوى كبيرة

أما عن الجدوى، فقد أكد وزير السياحة والآثار خالد العناني في مداخلة تلفزيونية أن "هذا الحدث الضخم والذي ظهر بهذا المظهر الرائع هو دعاية قوية لمصر في دعم السياحة".

وعلى نفس المعنى أكد الأثري الشهير زاهي حواس، لافتا إلى أن تكلفة موكب المومياوات والاحتفالية لا تعني شيئا مقابل ما سوف تجنيه مصر من وراء إقامته، والذي سيكون أكبر بكثير مما تم إنفاقه، بحسب تصريحات تلفزيونية.

ويرى مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، عبد المنعم السيد، أن حدث نقل المومياوات سيحفز وجهة السائحين نحو زيارة مصر خاصة بعد العودة التدريجية لقطاع السياحة بشكل منتظم والتي من المتوقع لها أن تكون في يوليو/تموز المقبل.

وتابع -فى تصريحات صحفية- بأن للحدث آثارا اقتصادية على مصر منها المساهمة فى زيادة عدد الليالي السياحية للسائحين داخل القاهرة لزيارة أكثر من مقصد سياحي داخل العاصمة، مؤكدا أن نقل المومياوات فرصة ذهبية للترويج للمقاصد الأثرية والسياحية والثقافية في القاهرة ومصر كلها.

وتوقع زيادة عوائد السياحة الثقافية بنسبة من 30% إلى 35%، مضيفا أن السياحة الثقافية على مستوى العالم في حدود 9% من إجمالي دخل السياحة العالمية، ومصر لها خصوصية وميزة نسبية في هذا القطاع لامتلاكها أكثر من ثلث آثار العالم، ولديها العديد من المتاحف والقصور "ولدينا متحف مفتوح في مدينة الأقصر".

توقيت خاطئ

في المقابل، قال البرلماني السابق طارق مرسي إن احتفالية نقل المومياوات وتوقيتها ليست الدلالة الأولى ولن تكون الأخيرة على غياب إرادة البحث عما تجنيه مصر، وما يحقق مصالحها، بحسب وصفه.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف مرسي أنه إذا كانت السياحة هي المستهدفة من وراء حدث بهذا الحجم، فليس هذا الوقت وقتها بالمرة، في حين يعاني العالم كله وباء يفرض حالة الانكماش والكمون بل والشلل الكامل وتوقف حركة السياحة والطيران، فضلا عن تردي الأوضاع الاقتصادية جراء كورونا.

وأعرب عن اعتقاده بأن الاحتفالية خطاب إشغالي للشعب، ونوع من رفع الروح المعنوية وتنفيس حالة الكدر والبؤس، خشية تحرك الناس أو انفجارهم.

بدوره، قال مصطفى خضري رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" إن تعليق الأمل على مثل هذا الحفل لتنشيط السياحة الداخلية هو الوهم بعينه، لافتا إلى أن الأمر لن يعدو "بروباغندا" مؤقتة تلهي المصريين عن أزماتهم لوقت قصير ثم تذوب.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال خضري إن السياسة الحكومية ينقصها الرشد، لتحقيق الاستفادة المثلى من الحدث داخليا وخارجيا، وهو ما كان يتطلب إرجاء تنفيذ الحفل إلى وقت تقل فيه حدة فيروس كورونا، وبالتالي تفتح المطارات وينتقل السياح ليكون بمقدورهم حضور الحدث بمصر، ومن ثم انتعاش السياحة.

ونفى أن يكون للحدث الاحتفالي مردود على تنشيط السياحة الداخلية، فالمصريون لم يعد لدى معظمهم ما ينفقونه على بند الفسح والزيارات للمتاحف والمناطق السياحية، حيث استنزفت السياسات الحكومية جيوب الكثيرين.

 

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي