وسط تحذيرات من كارثة صحية.. هجوم واسع على سياسات فرنسا لمواجهة كورونا

الحكومة الفرنسية تواجه انتقادات واسعة واتهامات بسوء إدارة أزمة انتشار فيروس كورونا (وكالة الأنباء الأوروبية)

في خطوة وصفها مراقبون بأنها مواصلة لسياسة الهروب إلى الأمام، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأربعاء الماضي عن حزمة من الإجراءات الوقائية المشددة لاحتواء انتشار فيروس كورونا وتخفيف الضغط على المستشفيات وأقسام العناية الفائقة التي ارتفعت فيها الأرقام إلى أكثر من 5 ألاف مريض.

وتشمل الإجراءات -التي تدخل حيز التطبيق اعتبارا من اليوم السبت 3 أبريل/نيسان وتستمر لمدة شهر على الأقل- توسيع نطاق الحجر الصحي الشامل على كافة الأراضي الفرنسية، بعد أن كان مقتصرا على منطقة "إيل دو فرانس" (île-de-france) وبعض المدن القليلة الأخرى.

كما قرر ماكرون -في خطابه الذي بثه التلفزيون الرسمي- إغلاق المدارس 3 أسابيع، وقال إنه "أفضل حل لإبطاء انتشار الفيروس"، مضيفا أنه "إذا لم نتحرك الآن سنفقد السيطرة على الوضع".

تكثيف حملة التطعيم

وفضلا عن هذه الإجراءات يعوّل الرئيس الفرنسي على تكثيف حملة التطعيم التي خصصت لها الحكومة ميزانية 1.5 مليار يورو، والتي انطلقت رمزيا يوم 27 ديسمبر/كانون الأول 2020، وفعليا في 18 يناير/كانون الثاني 2021، لمواجهة الموجة الثالثة من الوباء.

وتشمل إستراتيجية الحكومة للتطعيم تلقيح جميع الفرنسيين الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما في 16 أبريل/نيسان الحالي، وكل الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاما في 15 مايو/أيار القادم.

وأما الذين تقل أعمارهم عن 50 عاما فأكد ماكرون أنه سيصبح بإمكانهم تلقي اللقاح اعتبارا من منتصف يونيو/حزيران القادم، على أن يتمكن جميع الفرنسيين -الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاما والذين يرغبون بتلقي اللقاح- من أن يفعلوا ذلك بحلول نهاية فصل الصيف.

وتعرضت إستراتيجية التطعيم للانتقاد الشديد منذ خطواتها الأولى ووُصفت بأنها "متعثرة وبطيئة"، مقارنة بجيران فرنسا الأوروبيين.

كما شبّهت وسائل الإعلام وأحزاب المعارضة الفرنسية -وحتى قطاع واسع من الأطباء والفاعلين في المجال الصحي- سياسة التطعيم الحكومية بالبومة التي لا تبدأ في الطيران إلا بعد أن يحل الظلام والخراب.

ولذلك وعد الرئيس الفرنسي -في تصريحات إعلامية سابقة- بتوفير ما يكفي من اللقاحات لتزويد المراكز الـ 1500 التي فتحت في فرنسا من أجل حملة التطعيم، كما وعد باللحاق "خلال بضعة أسابيع" بالبريطانيين الذي استعملوا نحو 30 مليون جرعة لقاح، مقابل حوالي 9 مليون جرعة في فرنسا.

وإن حملة التطعيم -التي تريد الحكومة تسريعها- يعيقها النقص المزمن في اللقاحات، ويرجع ذلك جزئيا إلى ثغرات في نظام الشراء المركزي الذي يديره الاتحاد الأوروبي، وفق ما يلاحظ المراقبون؛ وذلك رغم قرار السلطات الفرنسية دعم مراكز التلقيح الموجودة بفتح مراكز أخرى ضخمة على غرار ملاعب كرة القدم، وخاصة ملعب "ستاد دو فرانس" (stade de france)، وملعب نادي أولمبيك مرسيليا الشهير "الفيلودروم" (Vélodrome)، واللذين سيُمكنان السلطات من تلقيح 10 ألاف مواطن كل أسبوع في كل ملعب.

إستراتيجية فاشلة

وتحت قبة الجمعية الوطنية (البرلمان)، وصف عدد من النواب إستراتيجية الحكومة الفرنسية في التطعيم بالفشل، مؤكدين وجود فجوة رهيبة بين سياسة الدولة للتطعيم والتعامل مع الجائحة، وبين الوضع الصحي الحرج بعد تفشي الموجة الثالثة.

وانتقد النواب عدم تنفيذ الرئيس الفرنسي وعوده بإنهاء الأزمة، وهي وعود قدمها في 29 يناير/كانون الثاني الماضي حينما اختار عدم إقرار الحجر الشامل، وبعد ذلك بشهر طالب من الفرنسيين الانتظار من 4 إلى 6 أسابيع.

وتختلف مواقف المعارضة السياسية والفاعلين الاجتماعيين والخبراء والمختصين، بين النقد واقتراح بعض الحلول، وبين الاتهامات والرفض التام للمصادقة على الإجراءات الأخيرة المتخذة من الرئيس ماكرون وحكومته، والتي صدّق عليها البرلمان أول أمس الخميس.

ولكن ما يجمع بين كل هذه المواقف هو مصادقتها واتفاقها على "فشل" سياسة الحكومة وإستراتيجيتها في التطعيم وتوفير اللقاحات والتخفيف من حدة الموجة الثالثة للوباء.

تعميم التطعيم

ولعل موقف عمدة باريس "آن هيدالغو" وتصريحاتها الأخيرة تصب في مجرى نهر النقد المبطن ببعض الحلول، حيث اقترحت جعل التطعيم أكثر فعالية وفتحه لجميع الراغبين فيه بمختلف أعمارهم.

وقالت هيدالغو إنه "علينا بالطبع أن نأخذ في الاعتبار تطعيم أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 75 عاما والذين يجب أن يكونوا ذات أولوية، ولكن يجب أن ننفتح على كل الآخرين"، ودعت بشكل خاص إلى تطعيم كل من يعمل مع الأطفال، مضيفة أنها مستعدة لتنظيم هذه العملية.

من جانبها اعتبرت فاليري بيكريس -وهي الرئيسة السابقة لمنطقة "إيل دو فرانس" عن حزب الجمهورية- أن المعايير التي اعتمدتها الحكومة ليست صحيحة، قائلة "يجب أن يكون التطعيم أسرع بكثير".

وأضافت -في تصريحات إعلامية- أن منطقة "إيل دو فرانس" هي المنطقة الأكثر تضررا والأقل تطعيما، مضيفة أنه يجب توزيع اللقاحات وفقا لعدد الأشخاص المعرضين للخطر ومكان انتشار الفيروس بكثرة.

وأما أندريه تشاسيني النائب عن اليسار الديمقراطي والجمهوري، فقد هاجم سياسة ماكرون وحكومته وتعاملها "المخيب للآمال" مع جائحة كورونا على حد تعبيره، واستنكر ما سماه "الفشل الواضح لإستراتيجية اللقاح" الحكومية.

مزايدة سياسية

وفي مواجهة الانتقادات الكبيرة الموجهة للحكومة الفرنسية، وجه رئيس الحكومة جان كاستيكس هجوما مضادا شديد اللهجة، مؤكدا أن أغلب الذين ينتقدون حكومته -لعدم اتخاذها قرارا مبكرا بالحجر الشامل- هم أنفسهم الذي كانوا يطالبون الحكومة منذ فترة قصيرة بإعادة فتح الجامعات ومنتجعات التزلج والمتاحف والمؤسسات الثقافية.

وقال إن "هذه الأمة التي تكافح وتعاني لديها حس منطقي أكثر بكثير مما يريد البعض منا أن نصدقه"، مضيفا أن الشعب الفرنسي يدرك أن المزايدين وأولئك الذين يسعون إلى جني مزايا سياسية من الدراما الوطنية لا يفعلون في نهاية المطاف أي شيء لحل صعوباتها، على حد تعبيره.

وختم كاستيكس بتأكيده على أن حكومته كانت تسعى دائما للعمل واتخاذ القرارات، وذلك ليس في وقت مبكرا جدا ولا بعد فوات الأوان، وفق قوله.

ومن جهته أكد المتحدث باسم الحكومة الفرنسية غابرييل أتال -في تصريحات إعلامية- أن ما يقيّد التطعيم حاليا في فرنسا وحول العالم هو عدد الجرعات المتوفرة.

وأضاف لا يوجد بلد حتى الآن لديه القدرة على تطعيم جميع سكانه، مشددا على أهمية إعطاء الأولوية لتحصين الفئات السكانية الأكثر ضعفا.

وأشار إلى أن الحكومة تسعى لتطعيم 10 ملايين فرنسي بحلول منتصف أبريل/نيسان الحالي، وفيما بعد 20 مليون بحلول منتصف مايو/أيار و30 مليون بحلول منتصف يونيو/حزيران.

المصدر : الجزيرة