تُهدد الانتقال السياسي.. اشتعال المواجهات القبلية في الولايات وتنامي الجرائم بالمدن السودانية

تتعاظم التحديات الأمنية وتتنوع ما بين أحداث أمنية بأطراف البلاد المترامية وجرائم في أواسط المدن وجيوش للحركات المسلحة دخلت الخرطوم سلما وتنتظر دمجها في الجيش الحكومي.

تجدد الاقتتال القبلي في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، مع بداية أبريل/نيسان الحالي شهر الثورة (الجزيرة)

ما إن سقط نظام الرئيس عمر البشير في 11 أبريل/نيسان 2019 حتى ارتخت القبضة الأمنية بالسودان، والتي كانت على ما يبدو سكبت براكين من النعرات القبلية والتفلتات الأمنية، وبعد عامين من الثورة يتبدى التحدي الأمني مهددا الحكومة الانتقالية.

ويوما إثر يوم تتعاظم التحديات الأمنية وتتنوع ما بين أحداث أمنية في أطراف البلاد المترامية وجرائم في أواسط المدن وجيوش للحركات المسلحة دخلت الخرطوم سلما وتنتظر دمجها في الجيش الحكومي.

وإزاء هذه الأوضاع الأمنية يتسم تحرك الحكومة الانتقالية بالبطء في إنفاذ الترتيبات الأمنية وفقا لاتفاق السلام بجوبا الموقع في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وفي تشكيل جهاز الأمن الداخلي، وذلك بحسب مسؤولين للجزيرة نت.

ولأول مرة تشهد ولايات في الإقليم الشرقي (البحر الأحمر وكسلا) مواجهات مسلحة ذات طابع قبلي بين النوبة والبني عامر من جهة، والهدندوة والبني عامر من جهة أخرى، وقد تكررت أكثر من مرة وكان آخرها في أغسطس/آب الماضي.

ولأكثر من مرة تزامنت أحداث الشرق بمواجهات مشابهة في دارفور، لكن يظل تكرار الاقتتال القبلية في الجنينة هو الأبرز لتكلفته العالية وتكراره 3 مرات منذ ديسمبر/كانون الأول 2019.

مواجهات وحشود إثر احتدام الخلافات بين قبيلتي الهدندوة والبني عامر في أغسطس/آب 2020
مواجهات وحشود إثر احتدام الخلافات بين قبيلتي الهدندوة والبني عامر في أغسطس/آب 2020 (الجزيرة)

أحداث مكررة

ومع بداية أبريل/نيسان الحالي، شهر الثورة، تجدد الاقتتال القبلي بين قبيلة المساليت والعرب في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، والذي بدأ بجريمة قتل السبت الماضي، لتشتعل بعدها المدينة.

وفيما يشبه حرب الشوارع شهدت الجنينة أيام الأحد والاثنين والثلاثاء مواجهات استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة داخل 10 أحياء، وتم حرق معسكر أبو ذر للنازحين، وهو ما أسفر عن مقتل أكثر من 50 شخصا وجرح أكثر من 100 آخرين.

ويرى الناطق الرسمي المكلف باسم المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين بدارفور، آدم رجال، أن أحداث الجنينة مدبرة من قبل أتباع النظام البائد وبعض القيادات السياسية والعسكرية في الحكومة الانتقالية على مستوى الحكومة الاتحادية.

ويؤكد آدم رجال للجزيرة نت أن المواجهات تكررت في ديسمبر/كانون الأول 2019 وفي يناير/كانون الثاني الفائت وخلال الشهر الحالي بنسق واحد، حيث استمرت المواجهات لأيام نتج عنها قتلى ومشردون بالآلاف.

ويتابع "دائما ما تستخدم أسلحة ثقيلة ضد النازحين والمدنيين العزل ويتم حرق المعسكرات بطريقة مرتبة ومنسقة".

مشاهد من دمار خلفته مواجهات بين البني عامر والنوبة في بورتسودن في أغسطس/آب الماضي (الجزيرة)

نظرية المؤامرة

لكن ضابط الشرطة المتقاعد عمر عثمان يستبعد نظرية المؤامرة ويقول للجزيرة نت "لا توجد مؤامرة بشكل ممنهج ومنظم على مستوى الأجهزة الأمنية، لكن من الممكن أن يكون هناك تراخٍ أو تعويق من بعض العناصر التي تدين بالولاء للنظام البائد، أما مؤامرة ممنهجة من مستويات قيادية أو أقل لا أعتقد أنها موجودة".

ويشير الضابط المتقاعد -الذي نشط ضمن آخرين في الترتيب لتكوين جهاز الأمن الداخلي- إلى أن الأجهزة الأمنية أصابها ما أصاب كل أجهزة الدولة خلال الـ 30 سنة الماضية، مضيفا للجزيرة نت أن الوثيقة الدستورية نصت على إصلاح أجهزة الدولة المدنية والعسكرية.

ويعاتب عثمان الحكومة الانتقالية لعدم إنجازها وعودها بإصلاح هذه الأجهزة بعد عامين من الثورة، معتبرا أن الحلول الأمنية مؤقتة وقصيرة النفس، مؤكدا أن السلطة يجب عليها ابتداع حلول جذرية بالتعاون مع زعماء القبائل ورموز المجتمع.

ويحذر من أنه مع سياسة إطفاء الحرائق ستظل هذه الحرائق تندلع بفعل تحريض النظام البائد أو غيره، كما لا بد من حلول اقتصادية واجتماعية تعالج البطالة. على حد قوله.

جهاز الأمن

يقول عمر عثمان إن ثمة ضلع غائب في العملية الأمنية؛ وهو جهاز الأمن الداخلي الذي أقرت الوثيقة الدستورية تشكيله بعد أن قصرت دور جهاز المخابرات العامة على جمع وتحليل المعلومات.

ويبين أن جهاز الأمن الداخلي سيغطي المساحة بين عمل الشرطة وجهاز المخابرات، وينصح بالمسارعة في تكوينه لملء هذا الفراغ.

وعزا عثمان تزايد معدلات جرائم العنف والسرقات في الخرطوم -والتي تنتهي بأذى جسيم أو قتل- إلى الامتداد الأفقي لولاية الخرطوم في رقعة جغرافية لا تتناسب مع عدد السكان ما يصعّب السيطرة على الجرائم.

والشهر الماضي قُتل طالب جامعي في مدينة أم درمان على يد لصوص يمتطون دراجة نارية استهدفوا سرقة هاتفه.

جيوش الحركات

وفي ظل اشتعال المواجهات القبلية في الولايات وتنامي الجرائم بالمدن، حلّت جيوش الحركات المسلحة بالخرطوم منذ بداية العام الحالي، وسط مطالب بإبعادها خارج العاصمة لحين دمجها في الجيش الحكومي.

ويقول المتحدث باسم حركة العدل والمساواة معتصم أحمد صالح إن اتفاق الترتيبات الأمنية هدف إلى معالجة أمر قوات حركات الكفاح المسلح وإصلاح الأجهزة الأمنية وتوفير الأمن والاستقرار في دارفور.

ويضيف للجزيرة نت أنه لتحقيق ذلك تم الاتفاق على مواقيت زمانية وآليات تنفيذية أهمها المجلس العسكري الأعلى المشترك واللجنة العسكرية المشتركة للترتيبات الأمنية واللجنة العسكرية المشتركة لوقف إطلاق النار، وعضويتها تشمل الحكومة والحركات وجنوب السودان "الوساطة" وتشاد والأمم المتحدة.

ويبدي صالح أسفه لعدم تشكيل هذه الآليات رغم أن الاتفاق نص على تشكيلها خلال أسبوع من التوقيع النهائي لاتفاق السلام باستثناء المجلس العسكري الأعلى المشترك الذي تم الإعلان عنه الأسبوع الماضي.

أسباب العنف

ويعبر المتحدث باسم منسقية معسكرات النازحين واللاجئين عن قطيعة لافتة بعدم ملامسة السكان في دارفور لنتائج السلام على الأرض، لأنه -بحسب قوله- سلام هش لم يحقق المطالب ولم يوقف الحرق والقتل والاغتصاب والتشريد.

ويتابع "هذا سلام حقائب ومناصب ليس له تأثير في مناطق النزاع. السلاح ما زال في يد المواطنين والقبائل".

لكن المتحدث باسم حركة العدل والمساواة يقول إن البطء في إنفاذ الترتيبات الأمنية ألقى بظلاله على المشهد الأمني في البلاد لا سيما دارفور، لأن أهم أركان اتفاق الترتيبات الأمنية تكوين القوة الخاصة لحفظ الأمن بدارفور التي ينبغي تشكيلها من قوات الحركات والقوات النظامية الأخرى بعدد متساوٍ.

ويؤكد "لا يوجد مخرج لهذه الأزمة سوى بالتنفيذ الحرفي لاتفاق الترتيبات الأمنية وعلى رأسه تشكيل القوة الخاصة لحفظ الأمن بدارفور واضطلاع الأجهزة الأمنية بدورها المنوط بها في حفظ الأمن وحماية المواطنين".

المصدر : الجزيرة