تأييد محافظين واحتجاجات حقوقية ونسوية.. انسحاب أردوغان من اتفاقية المرأة يقسم المجتمع التركي

قسّم انسحاب تركيا من اتفاقية أوروبية لمنع العنف ضد المرأة المجتمع التركي ما بين مؤيدين لإهانتها القيم العائلية والدعوة لدعم مجتمع المثليين وبين معارضين نظموا مظاهرات نددت بالانسحاب معتبرين أنه ينتهك الدستور

مظاهرة احتجاجية في إسطنبول على انسحاب تركيا من اتفاقية إسطنبول لحماية النساء من العنف (رويترز)

أثار قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الانسحاب من اتفاقية دولية لحماية النساء من العنف جدلا واسعا في الأوساط التركية والأوروبية بين تأييد المحافظين ومعارضة جمعيات حقوقية ونسوية ومسؤولين غربيين.

وأوضح المرسوم الرئاسي الذي نُشر في الجريدة الرسمية التركية السبت 20 مارس/آذار، أن تركيا قررت من جانبها الانسحاب من اتفاقية المجلس الأوروبي المعنية بوقف العنف ضد المرأة والعنف الأسري ومكافحتهما والتي وُقّعت في 11 مايو/أيار 2011، وتم التصديق عليها في 10 فبراير/شباط 2012 بقرار من مجلس الوزراء.

جاءت هذه الخطوة منذ أن تصاعد النقاش حول المعاهدة في أغسطس/آب الماضي، بعدما أطلق محافظون حملة ضد الاتفاقية، وتعرضت لجملة من الانتقادات "لإهانتها القيم العائلية والدعوة لدعم مجتمع المثليين".

State Medal of Commendation Ceremony
أردوغان أعلن انسحاب بلاده من اتفاقية إسطنبول بعد حملة انتقادات ضدها (الأناضول)

ويبدو أن حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي شكّل لجنة لإعادة دراستها أوصى بالخروج من الاتفاقية.

والاسم الرسمي لـ"اتفاقية إسطنبول" هو "اتفاقية المجلس الأوروبي المعنية بوقف العنف ضد المرأة والعنف الأسري ومكافحتهما". والمادة 80 من الاتفاقية تسمح لأي من الأطراف الانسحاب من خلال إبلاغ المجلس الأوروبي.

بدورها، نقلت صحيفة تركيا أن أردوغان أشار خلال اجتماع اللجنة المركزية لحزب العدالة والتنمية قبل إعلان الانسحاب بـ3 أيام إلى أن بلغاريا وكرواتيا والمجر انسحبت جميعها من الاتفاقية بسبب مخاوف تتعلق بحقوق المثليين، قائلاً إنه يفضل أيضًا انسحاب تركيا.

وكانت أعلى محكمة في بولندا قررت فحص هذه الاتفاقية بعد أن دعا عضو في الحكومة البولندية إلى الانسحاب منها باعتبارها ليبرالية أكثر من اللازم.

احتجاج ومعارضة

وبعد ساعات على إعلان أردوغان سحب بلاده من اتفاقية إسطنبول انهالت انتقادات المدافعين عن الاتفاقية ونظمت تظاهرات نسائية نددت بالانسحاب، حيث هتف آلاف النساء والرجال الذين تجمعوا في منطقة كاديكوي في إسطنبول بشعارات من بينها "الغِ قرارك، طبّق الاتفاق".

ونددت المعارضة التركية بالقرار، وأفادت صحيفة بيرغون بأن حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي سيقدم طلبًا إلى المحكمة العليا بشأن خروج البلاد من المعاهدة الأوروبية التي تحمي المرأة، مشيرًا إلى انتهاكه للمادة 90 من الدستور، التي تنص على أن حقوق الإنسان في تركيا محمية بموجب مجموعة متنوعة من معاهدات القانون الدولي، والتي لها الأسبقية على التشريعات المحلية.

ودعا زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو مجلسه التنفيذي المركزي إلى اجتماع استثنائي يوم السبت لمناقشة خروج تركيا من الاتفاقية.

وقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، أحد أبرز خصوم أردوغان، إن "الإعلان عن الانسحاب من اتفاق إسطنبول بينما نبلّغ كل يوم باعتداء جديد يرتكب ضد نساء، أمر مرير".

واستنكرت الولايات المتحدة وزعماء أوروبيون ما وصفوه بقرار تركيا المحير والمثير للقلق بالانسحاب من اتفاقية دولية تهدف لحماية النساء من العنف، وحثوا الرئيس أردوغان على إعادة النظر فيه.

International Women's Day Celebrated in Istanbul
تظاهرة في إسطنبول باليوم العالمي للمرأة في 8 مارس/آذار الماضي (غيتي)

مبررات القرار

وفي مواجهة الانتقادات، حاولت الحكومة طمأنة الرأي العام، فقال وزير الداخلية سليمان صويلو إن "مؤسساتنا وقوات حفظ النظام ستواصل مكافحة العنف المنزلي والعنف ضد النساء".

من جهتها، قالت وزيرة الأسرة والعمل والخدمات الاجتماعية زهراء زمرد سلجوق إن الدستور التركي والقوانين المحلية "تضمن حقوق المرأة"، وفق ما نقلت عنها وكالة أنباء الأناضول الرسمية.

وبررت فاطمة بيتول سايان كايا، نائبة رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم الانسحاب بأنه لا توجد حاجة لاتفاقية إسطنبول لضمان حقوق المرأة، مشيرة إلى أن حزبها يتصرف بمبدأ عدم التسامح مع العنف.

وذكر موقع (T24) الإخباري أن رئيس مديرية الشؤون الدينية التركية نوري أونسال، نصح النساء بقراءة القرآن لمكافحة العنف ضد المرأة، وقال إن بعض مواد اتفاقية إسطنبول روجت لمجتمع الشذوذ، وهو أمر يخالف الإسلام.

هدف اجتماعي سياسي ديني

وفي السياق، ذكر الباحث في الشأن التركي معين نعيم أن العنف ضد المرأة تضاعف 4 مرات بعد توقيع اتفاقية إسطنبول مما يدلل على أن المشكلة ليس في وجود الاتفاقية بل في القوانين المنفذة، علما بأن القانون التركي يحتوي على الكثير من المواد التي تحمي المرأة وترفض العنف ضدها.

وقال الباحث نعيم للجزيرة نت إن الانسحاب من اتفاقية إسطنبول أغضب التيار العلماني الليبرالي لكنه سيقرب التيار المتدين والمحافظ وسيسهل مهمة أردوغان في تجميع كل التيارات السياسية المحافظة حوله ويقوي التيار المتدين داخل حزبه.

وكشف نعيم عن إعداد الحكومة التركية لـ"معاهدة أنقرة" كبديل لمعاهدة إسطنبول، ومن المتوقع أن تشمل كل مكتسبات حماية حقوق المرأة، وسيحتوي تعريف الجنس على الرجل والمرأة وفقط، وستعطي إشارات واضحة للعادات والتقاليد والأخلاق المجتمعية المتماشية مع القانون.

الوزيرة فاطمة بتول كايا لا يمكن ان تكافأ اسرائيل بمنحها الاعتراف بالقدس عاصمة لها- تركيا
الوزيرة فاطمة بيتول (وسط): لا حاجة لاتفاقية إسطنبول وحزبنا يتصرف بمبدأ عدم التسامح مع العنف (الجزيرة)

إحصاءات

وأحصت مجموعة "وي ويل ستوب فيميسايد" الحقوقية مقتل 300 امرأة بما في ذلك حالات الانتحار خلال عام 2020.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن 38% من النساء في تركيا يتعرضن للعنف من شركاء حياتهن مقارنة بنحو 25% في أوروبا.

وتعتبر جرائم العنف ضد النساء في البلاد من القضايا الحساسة، إذ قال موقع منظمة "جرائم ضد المرأة" إن 1964 امرأة قتلت في تركيا منذ عام 2010.

المصدر : الجزيرة