فراعنة وفتح واحتلال.. كيف تغيّرت عواصم مصر قبل "الإدارية الجديدة"؟

تصميم تخيلي للنهر الأخضر في قلب العاصمة الإدارية الجديدة عرضته الحكومة على وسائل الإعلام
تصميم تخيلي للنهر الأخضر في قلب العاصمة الإدارية الجديدة عرضته الحكومة على وسائل الإعلام (مواقع التواصل)

على مرّ التاريخ، لم تتغير العاصمة المصرية إلا لظروف تخص في أغلبها تغير السلطة الحاكمة، سواء باستبدال الأسر الفرعونية أو دخول الفتح الاسلامي أو بقوة الاحتلال. وقد ظلت القاهرة هي العاصمة الأطول عمرا للبلاد لما يزيد على ألف عام، لكن يبدو أن نهاية السنة الجارية قد تشهد بداية النهاية لعاصمة المعز.

قبل نحو 6 سنوات، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عزمه إنشاء عاصمة جديدة للبلاد، تحت اسم "العاصمة الإدارية"، حينها اختلفت آراء المراقبين السياسيين والاقتصاديين حول جدوى استبدال القاهرة بمدينة جديدة، لكن أغلبية الأصوات المراقبة تشككت في إمكانية تنفيذ المشروع من الأساس، خاصة أن رؤساء سابقين شرعوا فيه وما لبثوا أن تراجعوا عنه.

مضى السيسي في مشروعه وسط تأييد ممن اعتادوا تأييد كل خطواته وانتقاد ممن يرون أن البلاد بحاجة لتنمية قطاعات أهم مثل الصحة والتعليم، وذلك بالنظر إلى تكلفة العاصمة الجديدة التي تصل لنحو 60 مليار دولار.

ويبدو أن الرجل وصل إلى نهايات الطريق الذي أراده، فأعلن الثلاثاء الماضي أن افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة سيتم أواخر العام الجاري، معتبرا ذلك الافتتاح بمثابة "إعلان جمهورية جديدة وميلاد دولة جديدة"، بحسب قوله.

وأضاف -خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة- أن مساعي مؤسسات الدولة لا تنحصر في إطار المباني فقط، مشيرا إلى جهود تُبذل من أجل إحداث تطوير كبير في البلاد.

وبالتزامن مع تصريحات السيسي، عقد رئيس حكومته مصطفى مدبولي اجتماعا مع عدد من المسؤولين المعنيين، لبحث الترتيبات الخاصة بفعاليات افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة.

ومن المقرر أن يبدأ التشغيل التجريبي للمباني الحكومية في العاصمة الجديدة بداية من أغسطس/آب المقبل، حيث سيتم نقل الموظفين إليها تباعا.

لكن معارضي السيسي قللوا من أهمية إعلانه عن العاصمة الجديدة، بل سخروا من اعتبار افتتاحها بمثابة إقامة جمهورية جديدة، مؤكدين أن الجمهوريات الجديدة لا يتم التعبير عنها بمبانٍ جديدة بل تبنى بالتنمية والعدل والمساواة والحريات، وأن أبرز معالم الجمهوريات الجديدة في الدول الحديثة ترتبط بإعلان دساتير جديدة، وبناء نظم اقتصادية واجتماعية تصب في مصلحة الشعوب.

وذكّر معارضون بوعود كثيرة ساقها السيسي للمصريين منذ جاء إلى السلطة قبل نحو 7 سنوات ولم يحققها، وقالوا إنه وعد بأن تصبح مصر "قد الدنيا" (بحجم الدنيا)، لكن النتيجة كانت زيادة حجم الديون بشكل هائل وارتفاع الأسعار، إضافة إلى التفريط في جزء من أرض مصر عبر التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، والتفريط في بعض حقوق مصر في حقول الغاز بالبحر المتوسط.

عواصم تاريخية

ونظرا لأن مصر من أقدم الحضارات على وجه الأرض، فقد تعددت عواصمها التي ارتبطت بتغييرات جذرية في نظام حكم البلاد، والتي جرى معظمها في عهد الأسر الفرعونية (30 أسرة) قبل آلاف السنين.

تختلف المراجع العلمية في التأريخ لعواصم مصر، لكنها في مجملها تُجمع على أن عددها لم يزد على 30 عاصمة، أكثر من نصفها تم تأسيسه في عهد الفراعنة، حيث كان التغيير يرتبط بتغير الأسرة الحاكمة أو رغبة قوة محتلة.

العاصمة الأولى لمصر هي "الطينة" (2950 ق.م-2895 ق.م)، وتعتبر أول عاصمة للوجهين البحري والقبلي، تلتها "منف" (2895 ق.م- 2360 ق.م)، وهي التي اختارها الملك مينا بعد توحيد القطرين الشمالي والجنوبي.

ومن أبرز العواصم الفرعونية كانت "طيبة" (2160 ق.م-1715 ق.م)، وتعتبر من أطول عواصم مصر عمرا، حيث ظلت 450 سنة، وكذلك "أواريس" التي اختارها الهكسوس عاصمة بعدما احتلوا مصر لمدة 80 عاما، و"صان الحجر" وهي عاصمة الأسرة 21 (1090 ق.م – 945 ق.م).

وبعد انتهاء حكم الأسرة 30 الفرعونية واحتلال الإسكندر المقدوني مصر، انتقل مقر الحكم سنة 332 ق.م من العاصمة "سبنيوتوس" في صعيد مصر إلى مدينة جديدة أسسها المحتل في الشمال، وهي الإسكندرية التي ظلت عاصمة لنحو 972 عاما تقريبا.

مظاهرة في منطقة مصر القديمة بالعاصمة القاهرة التي يزيد عمرها على ألف عام (الجزيرة)

 

عواصم إسلامية

ظلت الإسكندرية عاصمة لمصر حتى دخول الفتح الإسلامي. وتنفيذا لأمر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بألا تفصل بين مواقع إدارة الولاة وعاصمة الخلافة أي موانع مائية، بدأ الوالي عمرو بن العاص التخطيط لتأسيس عاصمة للبلاد تناسب أوامر الخليفة.

وعلى ذلك بنى ابن العاص مدينة الفسطاط (20 للهجرة/741 للميلاد) التي استمرت عاصمة لمصر حتى انتهاء الحكم الأموي للدولة الإسلامية.

ومع انتقال الحكم الإسلامي إلى بني العباس، اختار صالح بن علي -وهو أول والي عباسي لمصر- منطقة جبل يشكر سنة (132 للهجرة/750 للميلاد)، وهي قرب مدينة الفسطاط، لبناء مدينة جديدة عليها تكون مقرا لإدارة الحكم، وأطلق عليها اسم "العسكر".

ظلت العسكر عاصمة مصر لنحو 70 سنة، ثم عاد الحكم إلى الفسطاط مرة أخرى، حتى تولى أحمد بن طولون الحكم، حيث أسس عاصمة نظامه الجديد تحت اسم "القطائع" (265 للهجرة/869 للميلاد).

وعلى الرغم مما بذله ابن طولون في إنشاء القطائع بطراز معماري فريد منظم، فإنها لم تستمر عاصمة لمصر سوى 38 عاما، هي عمر الدولة الطولونية التي أسقطها العباسيون، لتعود الفسطاط مرة ثانية عاصمة للبلاد.

إحدى بنايات ميدان التحرير في القاهرة الخديوية (الجزيرة)

القاهرة

ليست القاهرة العاصمة الأطول عمرا في تاريخ مصر فقط، بل هي من العواصم الأطول عمرا على مستوى تاريخ الإنسانية.

فمع بداية حكم الدولة الفاطمية لمصر، أنشأ القائد جوهر الصقلي مدينة القاهرة عاصمة للبلاد ابتداء من عام 969 للميلاد.

في البدء لم يجعل الفاطميون القاهرة سكنا للشعب، بل صممت لإدارة الحكم، حيث بنيت منشآت إدارية، فضلا عن تخصيص مواقع للقادة والجند، إلى جانب إحاطتها بسور منيع تحسبا لأي هجمة من جانب العباسيين.

ومع سقوط الدولة الفاطمية بعد 200 عام من حكمها لمصر وسيطرة الأيوبيين (1174-1250 للميلاد)، سُمح للعامة بسكن القاهرة، مما سمح بالتمدد العمراني للمدينة.

ثم جاء العصر المملوكي الذي شهد طفرة عمرانية في القاهرة، خاصة خلال عهود الظاهر بيبرس والناصر محمد بن قلاوون والأشرف قايتباي.

ومع زوال حكم المماليك (1250-1517) أبقت الدولة العثمانية على القاهرة عاصمة لمصر، وفي عهد الدولة العلوية التي أسسها محمد علي (1805-1952) شرع الخديوي إسماعيل في إضفاء طابع غربي على القاهرة بتخطيط يشبه مدينة باريس، وهو ما يعرف الآن بالقاهرة الخديوية.

متحف العواصم

يبدو أن السيسي يتعامل مع العاصمة الإدارية الجديدة باعتبارها امتدادا للتاريخ، حيث أقدم على بناء متحف داخل العاصمة الجديدة متخصص في سرد تاريخ عواصم مصر القديمة.

يسرد المتحف، المزمع افتتاحه قريبا داخل مدينة الثقافة والفنون بالعاصمة الجديدة، تاريخ 9 عواصم مصرية بداية من منف ثم طيبة وتل العمارنة مرورا بالإسكندرية ووصولا إلى مدينة الفسطاط والقاهرة الفاطمية والقاهرة الخديوية ثم عاصمة السيسي الجديدة.

ووفق ما نقلته صحف محلية، فمن المقرر أن يعرض متحف العواصم مجموعة من المقتنيات المختلفة التي تمثل أنماط الحياة فى كل حقبة تاريخية خاصة بكل عاصمة على حدة، مثل أدوات الزينة وأدوات الحرب والقتال ونظام الحكم والمكاتبات المختلفة.

إلى جانب ذلك، سيكون هنا عرض توضيحي من خلال شاشات عرض بانورامية لشكل كل عاصمة من العواصم المصرية القديمة، وطبيعة العمارة السكينة والمباني الدينية فيها وأشهر معالمها.

المصدر : الجزيرة