فصل قادة في أقدم الأحزاب المصرية.. تطهير للوفد أم حريق جديد؟

مقر حزب الوفد يشهد توترا بسبب تعيين عسكري في هيئته العليا. (الصورة من الصفحة الرسمية لحزب الوفد على الفيسبوك).
المقر الرئيسي لحزب الوفد المصري في القاهرة (مواقع التواصل الاجتماعي)

أحدث قرار رئيس حزب الوفد المصري بهاء أبو شقة فصل 10 من قادة الحزب، على رأسهم رئيس الهيئة البرلمانية للحزب محمد عبد العليم داود، جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي.

واعتبر مغردون الأمر "تطهيرا لحزب الوفد العريق من فلول الإخوان المسلمون"، في حين اعتبره آخرون رضوخا للسلطة لفصل غير المرضي عنهم سياسيا، خاصة وأن أحد المفصولين -وهو محمد عبد العليم- أُجبر على التراجع عن وصفه حزب "مستقبل وطن"، صاحب الأغلبية البرلمانية، بأنه حزب الكراتين، وحذف الكلمة من مضبطة البرلمان.

وليست تلك هي المرة الأولى التي يثير فيها داود غضب السلطة وأتباعها عليه، إذ سبق أن قال عام 2016 إنه لولا ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 لكان الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي يؤدي اليمين أمام جمال مبارك نجل الرئيس الراحل حسني مبارك محافظا لإحدى المحافظات.

ورأى مراقبون لشؤون الأحزاب في مصر أن دوافع الفصل تتخطى كونها مسألة داخلية تخص الحزب وخلافات أعضائه، إلى وجود ضغوط من السلطة على الحزب لعقاب داود ومناصريه بالحزب، إذ يمثل حرمانه من عضوية الحزب فرصة للإطاحة به من عضوية البرلمان لفقدانه صفته التي ترشح بموجبها للبرلمان، حيث ترشح على قائمة حزب الوفد، وبعد الفصل سيصبح مستقلا.

وبعد ظهوره الأول في البرلمان وانتقاده حزب مستقبل وطن، رأى مراقبون في داود خليفة للنائب السابق أحمد الطنطاوي الذي كان أبرز الأصوات المعارضة في البرلمان السابق وأعلاها انتقادا للسلطة، قبل أن يفقد مقعده في الانتخابات الأخيرة التي أكد فيها أنه كان الأحق بالمقعد وأن كثيرا من أصواته لم يتم احتسابها.

وفى تصريحات صحفية، قال رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب المستشار إبراهيم الهنيدي إن القرار فيمن يتم فصلهم من أحزابهم إذا كانوا أعضاء بالبرلمان بمجلسيه النواب والشيوخ، هو إسقاط العضوية.

التصدي للمؤامرة

من جانبه أكد رئيس حزب الوفد المستشار بهاء الدين أبو شقة وجود مؤامرة وصفها بالكبرى ضد الحزب للقضاء عليه، وتسخير الوفد لأجندات ضد مبادئه ومساره بالإطاحة بقياداته الحالية وتهميش رئيس الحزب وتعيين آخرين للسيطرة على مفاصل الحزب، وقال في مؤتمر صحفي إن الساعين لتخريب الحزب عملاء للخارج ومتخابرون مع فضائيات خارجية.

وفي سابقة جديدة للحزب، جرى تداول أنباء داخلية عن أنه سيجري تقديم بلاغ للنائب العام ضد أحد قادته الشباب، وهو رئيس لجنة شباب القاهرة محمد مجدي فرحات، بتهمة العمل مع جهات معادية للوطن، رغم أنه كان أحد الداعمين لبهاء أبو شقة خلال ترشحه لرئاسة الوفد.

رضوخ للضغوط

ورد القيادي المفصول محمد عبد العليم داود بالقول إن أبو شقة رضخ للضغوط، مغتصبا قرار الهيئة العليا بانتخاب داود بالتزكية رئيسا للهيئة البرلمانية بحزب الوفد، وفصل قادة أوفياء أصلاء.

وذكر داود على صفحته الشخصية بفيسبوك أنه جرت محاصرة مقر الحزب مساء الاثنين الماضي بمليشيات وحرس خاص لتنفيذ الفصل، لافتا إلى أن أبو شقة تم تعيينه بمجلس الشورى ووضعت ابنته في قوائم ائتلاف حزب مستقبل وطن من أجل اتخاذ قرارات ضد قادة الوفد الذين رفضوا انتهاكات الدستور وأبدوا تمسكهم بداود رئيسا للهيئة البرلمانية لحزب الوفد.

وقال البرلماني الوفدي إن المؤامرة الحقيقية هي تفريغ الوفد من قادته من رموز المعارضة.

اللجوء للقضاء

بدوره أعلن النائب الوفدي عن الحزب بمجلس الشيوخ ياسر الهضيبي -من القادة المفصولين- اعتزامه مقاضاة رئيس حزب الوفد، وقال في منشور بصفحته الرسمية على فيسبوك إن ذلك يأتي ردا على "قرار أبو شقة" فصل 9 من أعضاء الهيئة العليا المنتخبين من الجمعية العمومية لحزب الوفد فصلا نهائيا من الحزب وكافة تشكيلاته.

ومن المثير أن عددا من المفصولين اليوم كانوا موافقين بالأمس القريب على فصل برلمانيين أعضاء بالحزب، مما دفع البرلماني وعضو الوفد السابق محمد فؤاد للتعليق على منشور الهضيبي عبر صفحته الرسمية على فيسبوك قائلا "ما أشبه اليوم بالبارحة! ولما فصلتموني في 2018 يا دكتور ياسر أنت والمفصولين معك هل كان الفصل موافقا للائحة؟ لقد أُكلتم يوم أُكل الثور الأبيض".

الانقسام الثاني

ويعد هذا الانقسام هو الثاني للحزب في عهد أبو شقة، وكان الانقسام الأول حدث عندما أُسقط في انتخابات الهيئة العليا الأخيرة كل المحسوبين على جبهة رئيس الحزب السابق السيد البدوي، وهي الانتخابات التي طعن الكثير من المرشحين ببطلانها، مما دفع أبو شقة لفصلهم جميعا من الحزب.

جدير بالذكر أن 3 من المفصولين كانوا ضمن الخماسي الذي دعم أبو شقة بشدة للوصول لقيادة الحزب وساندوه حتى تخلص من خصومه في الهيئة العليا، ومنهم الهضيبي الذي انتخب عبر ما يعرف بـ"القائمة الوطنية" وبتزكية من أبو شقة نفسه، وبات الهضيبي -مثل داود- مهددا بإسقاط عضويته البرلمانية بعدما زالت صفته الحزبية.

وسخر مغردون من اتهامات المؤامرة، حيث سقط الوفد في انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب الأخيرتين، واحتل المرتبة الرابعة بعد 3 أحزاب وليدة أنشئت جميعها عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، كما أن الوفد في مجلس النواب الحالي لديه 23 نائبا فقط، في حين أنه في البرلمان الماضي كان له 45 نائبا، مما يعكس تراجع دوره وثقله في الحياة السياسية بمصر.

وكان أبو شقة وعد عقب انتخابات مجلس الشيوخ في أغسطس/آب 2020 بترك الحزب وإجراء انتخابات جديدة على رئاسة الوفد أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي بعد تحذيرات من تكرار أزمة 2006 الشهيرة وقت رئاسة نعمان جمعة الحزب والتي انتهت بما يعرف بحريق الوفد، حيث اشتعلت النيران في المقر الرئيسي وسط اتهامات متبادلة بين أطراف الصراع على قيادة الحزب وقتها.

إرضاء للسلطة أم تطهير لأحزاب شائخة؟

واعتبر مغردون أن قرار رئيس الحزب فصل القادة يهدف إلى إرضاء السلطة، التي سبق أن جاملته بعضوية مجلس الشيوخ، كما جاملت ابنته بعضوية البرلمان عبر قائمة في حب مصر.

واعتبر البعض أن الوفد لم يعد ذلك الحزب المعارض التاريخي الذي كان، بل صار تابعا للسلطة ويمثل دور المعارضة، وأن القرار الأخير بفصل داود تحديدا يأتي لأنه وصف حزب مستقبل وطن المقرب من السلطة وصاحب الأغلبية البرلمانية بأنه حزب الكراتين، في إشارة إلى استخدام المال السياسي والمواد الغذائية والرشاوى الانتخابية لشراء الأصوات.

وذهب مغردون إلى انتهاء الحياة الحزبية نفسها، حيث باتت الأحزاب إما ممثلة للسلطة بشكل فج وإما ممثلة لدور المعارضة الشكلية.

على الجانب الآخر، اعتبر مغردون أن "الحزب يتطهر من عناصر جماعة الإخوان المسلمون الذين اخترقوا الحزب وصاروا يمثلون طابورا خامسا ويسعون لزعزعة استقرار الدولة من خلال الحزب"، وسجل هؤلاء آراءهم تحت وسم "الوفد يتطهر من الإخوان المسلمين".

وحظيت النزاعات بين الوفديين بتغطيات إعلامية انحازت في معظمها لوجهة نظر القيادة الحالية للحزب، واعتبار أن الأمر لا يعدو كونه شأنا داخليا وصراعا حزبيا على المكاسب والمناصب.

 

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي