أصداء تسريبات تكنولوجيا التجسس الفرنسية.. دعوات لمقاضاة باريس لدورها في اعتقال ناشطين بمصر

Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi and French President Emmanuel Macron attend a joint news conference at the Elysee palace, in Paris France December 7, 2020. Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi is paying a state visit to France for talks on fighting terrorism, the conflict in Libya and other regional issues. Michel Euler/Pool via REUTERS
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) في لقاء سابق مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي (رويترز)

القاهرة – في الشهر الماضي تابع مصريون الجدل الذي أثارته تسريبات عن تفاصيل المساعدات التكنولوجية الفرنسية للسلطات المصرية، فرأى بعضهم أنها "كلمة السر" في اعتقال كثير من الناشطين والحقوقيين والمعارضين أيا كان موقعهم منذ عام 2014 حتى اليوم، في حين دعا آخرون إلى مقاضاة الحكومة الفرنسية لتورطها في انتهاكات لحقوق الإنسان.

وفي حلقات متسلسلة، كشف موقع "سيرفيلانس ديسكلوز" (Surveillance Disclose) المتخصص في الكشف عن فضائح الجيوش الفرنسية، عن كثير من الأسرار الاستخباراتية والأمنية بين مصر وفرنسا، التي ساعدت القاهرة في تنفيذ عمليات عسكرية أودت بحياة كثيرين، وأخرى أمنية أدت إلى اعتقال وتعذيب وحبس آلاف المصريين سواء من المعارضين أو الباحثين الحقوقيين أو الصحفيين أو الناشطين العماليين.

كانت البداية بالكشف عن مهمة "سيرلي" الاستخبارية الفرنسية التي بدأت في فبراير/شباط 2016، واستخدمتها السلطات المصرية في شن ضربات جوية ضد مهرّبين ومدنيين وليس لمكافحة "جهاديين" كما تنص المهمة، وأدى ذلك إلى وفاة أعداد كبيرة من الناس، من دون أي تحرك فرنسي ضد هذه العمليات رغم إبلاغ المسؤولين بها.

وحسب التسريبات الفرنسية، فإن نظاما سيبرانيا ضخما للمراقبة أقامته 3 شركات فرنسية بموافقة من السلطات الفرنسية ودعم من دولة الإمارات حينئذ، ساعد النظام المصري على "أعمال القمع غير المسبوقة للمجتمع، حيث يعتقل النظام ما يقرب من 65 ألف شخص، وتسبب في إخفاء 3 آلاف آخرين بعد اعتقالهم".

شاهد عيان ودعوة للمقاضاة

أحد الشهود على تضرّر مواطنين من أجهزة التتبع والتنصت أكد في تصريحات للجزيرة نت أن تلك الأجهزة والبرامج أدّت دورا خطيرا في القبض على كثيرين، فقد كانت الأحراز عبارة عن مكالمات مسجلة، أو رسائل على موقع فيسبوك، بغير علم أصحابها، وهي جريرة يتحمل مسؤوليتها النظام الفرنسي الذي سمح للشركات الفرنسية ببيع مثل تلك الأجهزة من دون اشتراط معايير حقوق الإنسان، حسب وصفه.

ولفت الناشط السياسي والحقوقي عاطف عبد الرحمن إلى أنه كان شاهدا على أضرار برامج التجسس في العديد من تقارير الأمن الوطني في قضايا سياسيين، فقد ذُكر في أحد التحقيقات أن التعقب تم عن طريق صفحة فيسبوك وفي آخر بتتبع رقم الهاتف، موضحا أن تلك الأدوات كانت موجودة منذ سنوات قبل حصول مصر على برامج حديثة للتجسس، إلا أن البرامج الجديدة أكثر تطورا ودقة.

وحمّل عاطف -وهو محام يقيم خارج مصر- الحكومات الفرنسية المتعاقبة مسؤولية القبض على آلاف المواطنين وتعذيبهم، لأن الشركات الفرنسية باعت برامج وأجهزة تجسس إلى مصر، مع علمها أنها سوف تستخدم بصورة غير مشروعة للتضييق على المجتمع المدني واصطياد المعارضين وغير المرغوب فيهم أو في نشاطهم من أي نوع كان، داعيا إلى مقاضاة تلك الشركات والحكومة الفرنسية.

مقاضاة المسؤولين ووقف التعاون

بدوره، دعا الإعلامي والناشط الحقوقي هيثم أبو خليل إلى مقاضاة الشركات والحكومة الفرنسية لقيامها ببيع تكنولوجيا حديثة للمراقبة إلى السلطات المصرية، "رغم وجود توصيات حقوقية غربية بعدم بيع أي أدوات للحكومة المصرية يمكن استخدامها في قمع المجتمع المدني، لكن مع الأسف ضُرب بتلك التوصيات عرض الحائط"، حسب وصفه.

وأشار مدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان، في تصريحات للجزيرة نت، إلى أن كثيرا من الشخصيات المعارضة المعروفة اعتُقلت بما يسمى "بصمة الصوت"، بل ذهبت فرنسا إلى أبعد من ذلك بتكريم المسؤولين المصريين من أجل مصالحها الشخصية، مضيفا أن "هذا امتداد لسياسة باريس ذات الوجهين التي لها تاريخ طويل ومروّع في ارتكاب المجازر بحق الأفارقة والعرب حتى اليوم"، على حد تعبيره.

المفارقة في الأمر، حسب أبو خليل، أنه رغم علم الحكومة الفرنسية بما وصفها بـ"النتائج الكارثية للتعاون سواء الاستخباراتي والأمني مع النظام المصري منذ عام 2014 الذي أسفر عن مقتل واعتقال وتعذيب آلاف المصريين"، فإن الدعم الفرنسي لم يتوقف، وهذا يعني أن باريس غير عابئة بأرواح من ماتوا بسببهم ولا بحياتهم أو من هم على قيد الحياة في غياهب السجون، وهذا جرم أكبر.

ودعا إلى أن تسير الأمور في خطين متوزاين: الأول مقاضاة المتورطين، والثاني ضرورة توقف فرنسا فورا عن تقديم الدعم الأمني واللوجستي للنظام المصري.

فخاخ إلكترونية للمعارضة

من جهته، وصف المحلل السياسي محمد السيد رمضان دور فرنسا في دعم مصر استخباراتيا وأمنيا "بالتواطؤ في حبس وتعذيب وقتل آلاف المدنيين الأبرياء، وهي التي طالما صدعتنا بالحديث عن حقوق الإنسان والحق في الحياة وحرية التعبير، وباتت شريكا أساسيا سواء من خلال بيع أجهزة تنصّت وتجسس على المصريين أو توفير معلومات استخباراتية لشن ضربات جوية ضد مهرّبين وليس مسلحين، ورغم علم القائمين على العملية بإساءة استخدام المعلومات فإن الرؤساء المتعاقبين فضّلوا تجاهل الأمر".

وأكد رمضان -رئيس تحرير موقع "الأحرار نيوز" والمقيم في فرنسا- أن أجهزة التنصت ساعدت السلطات المصرية وسهّلت عملها ومكّنتها من انتهاك حقوق المواطنين، فقد حصلت على أجهزة عالية الدقة في تتبع مكالمات ورسائل المعارضين واختراق الرسائل الإلكترونية، باعتها شركات فرنسية ودفعت ثمنها دولة الإمارات بموافقة السلطات الفرنسية التي كانت تأمل أن تنجح في عقد أول صفقة لطائرات رافال مع المصريين، وهو ما تحقق لها لاحقا.

وأشار إلى أن الشركات الثلاث -بما فيها إحدى الشركات التابعة لشركة داسو عملاقة الصناعات الحربية- شكلت فريقا متكاملا لصنع منظومة تجسس وتتبع ضخمة، ساعدت الأجهزة الأمنية في مصر على ملاحقة آلاف المدنيين والإيقاع بهم، وكانت أشبه بالمصايد الإلكترونية، أو الفخاخ "السحابية" التي قوّضت كل الأنشطة السياسية منذ عام 2014 على نحو متسارع وحاد وقاس.

فرنسا شريكة في أعمال القمع

وفي تعليقه على دور بلاده في هاتين العمليتين العسكرية والأمنية، قال الباحث الفرنسي فرانسوا بورغا للجزيرة نت "مع الأسف، فرنسا شريكة في أعمال القمع التي تحدث في مصر منذ سنوات حتى الآن من دون أي خجل، وما كُشف لن يفضي إلى أي عدالة".

وانتقد بورغا -وهو باحث بالهيئة القومية الفرنسية للبحث العلمي في مدينة آكس أون بروفانس- سياسة بلاده التي تتجاهل أحد أهم مبادئ الحرية وحرية التعبير في فرنسا، وباتت خياراتها أكثر يمينية، وأساءت كثيرا إلى صورة البلاد بدعمها الأنظمة الدكتاتورية في منطقة الشرق الأوسط.

وأكد أن أكثر ما يعني الحكومة الفرنسية هو وجود مشتر لطائراتها العسكرية رافال، وأسلحتها، كما أن خطاب تجريم الإسلام السياسي في تلك البلدان يتفق مع الخطاب السياسي داخل فرنسا ويساعدها في انتخاباتها الداخلية.

وأعرب عن أسفه من أن سياسات فرنسا الخارجية تجاه العالم الثالث لا تحرّك ساكنا في أروقة السياسة والإعلام الفرنسي إلا بمقدار ضئيل، لأن التوجه العام هو نحو مقاومة ومهاجمة كل ما هو إسلامي بدعوى مواجهة التيارات السياسية الإسلامية المتطرفة، التي تعاديها دول المنطقة نفسها.

تحقيقات وإدانة

وبالعودة إلى التسريبات التي نشرها الموقع الفرنسي، فإن الشركات الثلاث هي "نيكسا تكنولوجيز" (NexaTechnologies)، و"إيكروم سنريز" (Ercom-Suneris) التابعة لشركة تاليس (Thales)، والثالثة شركة "داسو سيستيم" (Dassault Systèmes) الفرع التكنولوجي لشركة صناعة الأسلحة الفرنسية للوزن الثقيل والمصنع لطائرة رافال.

وكانت آخر قطعة من بناء التجسس الهائل هذا عبارة عن محرك بحث فائق القوة يُسمى "إيكساليد" (Exalead) صنعته شركة "داسو سيستيم"، ومكّن من ربط قواعد البيانات المختلفة معا نيابة عن جهاز المخابرات العسكرية الغامض (MID) للنظام المصري.

وأوضحت إدارة "نيكسا تكنولوجيز" أن نظام العدالة الفرنسي فتح منذ عام 2017 تحقيقا قضائيا ضد نيكسا وإدارتها بسبب "التواطؤ في أعمال التعذيب والإخفاء القسري" في مصر وليبيا.

وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وُجّه الاتهام إليها بالتواطؤ في التعذيب والإخفاء القسري في مصر بين عامي 2014 و2021.

وفي 17 يونيو/حزيران، وُجّه الاتهام إلى ستيفان ساليس وأوليفييه بوهبوت رئيسا شركة "نيكسا تكنولوجيز"، أما شركتا داسو وإيكروم فقد اختارتا حتى اليوم إستراتيجية الصمت.

المصدر : الجزيرة