الشهادات المزورة في العراق باب لاعتلاء المناصب الحكومية العليا

تزداد الشكوك بشأن صحّة ومصداقية العديد من الشهادات والرسائل والأطروحات للدارسين في الخارج وتحديدا التي حصل عليها مسؤولون في الدولة العراقية، من أبرزهم رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان.

فائق زيدان أثناء حصوله على شهادة الدكتوراة - مواقع التواصل
القاضي زيدان (الثالث من اليمين) عند تكريمه بعد حصوله العام الماضي على شهادة الدكتوراه (مواقع التواصل)

فُتح باب آخر من أبواب الفساد بوجه العراق بعدما أُثيرت أخيرا فضيحة بيع 27 ألف شهادة عليا (ماجستير ودكتوراه) من قبل جامعات لبنانية إلى طلاب عراقيين، لتزداد الشكوك أكثر حول "صحّة ومصداقية" كثير من الشهادات والرسائل والأطروحات للدارسين في الخارج وتحديدا من المسؤولين بعد حصول بعضهم على شهادات عليا من الخارج، أبرزهم  رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان، والأمين العام لمجلس الوزراء حميد العزّي وغيرهم.

فضيحة بيع الشهادات العليا دفعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق إلى سحب الملحق الثقافي من السفارة العراقية في بيروت هاشم الشمري وإعادته إلى بغداد، وإصدارها قرارًا بتعليق دراسة الطلبة العراقيين في 3 جامعات لبنانية هي: الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم، والجامعة الإسلامية في لبنان، وجامعة الجنان، وذلك لعدم التزام هذه الجامعات بمعايير الرصانة العلمية.

د. حازم باقر - مواقع التواصل *فقط صورة داخلية*
باقر: هناك جامعات لبنانية سمحت لأساتذتها بالإشراف على أكثر من 7 طلبة في الدراسات العليا (مواقع التواصل)

مخالفات واستقطاب

ومن المخالفات التي كشفت عنها الوزارة لدى الجامعات اللبنانية -كما يقول مدير دائرة البعثات فيها حازم باقر- هو أنه لا يحق للأستاذ الجامعي الإشراف على أكثر من 5 طلبة في لبنان، وفي العراق يشترط ألا يتجاوز عدد الطلبة 7 لكل مشرف، إلا أن بعض الجامعات اللبنانية حاليا يبدو أنها سمحت بالإشراف للأساتذة على أكثر من ذلك، بسبب كثرة الطلبة.

وتتصدّر إيران قائمة الدول الأكثر استقبالا للطلبة العراقيين بنحو 20 ألف طالب، ويعزو باقر ذلك إلى العدد الكبير للجامعات المعترف بها في إيران الذي يبلغ 12 جامعة، ونحو 15 ألف طالب في تركيا، وأكثر من 7 آلاف في الأردن، و8 آلاف في مصر، فضلا عن عدد أقل في دول أخرى مثل روسيا والهند وغيرها من الجامعات الأخرى في العالم.

وتشير أحدث البيانات إلى أن عدد طلبة الدراسات العليا داخل العراق نحو ٢٨ ألف طالب.

حاولت الجزيرة نت التواصل هاتفيا مع المتحدث باسم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حيدر العبودي مرات عدة للاستفسار عن الإجراءات والآليات التي تعتمدها الوزارة لإثبات صحة الشهادات الجامعية للدارسين في الخارج وخاصة الشهادات التي حازها المسؤولون في المناصب العليا في الدولة، لكن من دون جدوى.

ويوجد في لبنان أكثر من 13 ألف طالب عراقي، من بينهم 1500 فقط مسجلون لدى الملحقية الثقافية في السفارة العراقية، وهذا العدد طبيعي قياسًا بـ12 جامعة في لبنان، أما الطلبة غير المسجلين فلن تُعادل شهاداتهم -حسب حديث مدير البعثات في حوار متلفز له- إلا إذا استوفوا شروط المعادلة، ومن بينها الحصول على عدم ممانعة إكمال الدراسة من دوائرهم إذا كانوا موظفين.

تكاليف الدراسة

وتبلغ تكاليف دراسة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في دول اتحاد الأوروبي التي تعدّ أكثر رصانة وقبولًا وبدأت استقطاب العقول الشبابية لبناء نفسها ما بين (3 آلاف و10 آلاف يورو)، كما يقول محمد الدباغ صاحب مكتب المنصور للقبولات الدراسية في بغداد للجزيرة نت.

وأمّا الدراسة في الدول العربية فتختلف أسعارها من جامعة إلى أخرى وحسب التخصص، فمثلا دراسة البكالوريوس في لبنان بين (4 آلاف و16 ألف دولار) للسنة الواحدة، والماجستير والدكتوراه من (1500- 4 آلاف دولار)، وفي مصر تراوح تكاليف دراسة البكالوريس والماجستير والدكتوراه بين (4 آلاف و7500 آلاف دولار).

د. طه حمد مقرر لجنة التعليم العالي والبحث العلمي (الجزيرة 1)
حمد رأى أن التوسع في الدراسة عن بعد خلال جائحة كورونا سهّل وقوع الخروقات (الجزيرة نت)

قانونية دراسة المسؤولين

ويرى مراقبون أن رغبة بعض المسؤولين العراقيين في الدراسة خارج البلد شاعت شكليا من أجل تسهيل تسنّمهم مناصب عليا في البلد، تزامنا مع انتشار جائحة كورونا، وإعلان العديد من الجامعات الأجنبية عن تسهيل شروط القبول والدراسة فيها من خلال الدراسة عن بُعد، فضلا عن التكاليف الرخيصة التي تقلّ عن أسعار الدراسة في جامعات خاصّة حتى داخل العراق.

وأسهمت التسهيلات المقدّمة للدراسة في الخارج لا سيما الدراسة عن بُعد في حدوث كثير من الخروقات، وفقا لمقرّر لجنة التعليم العالي والبحث العلمي السابقة في مجلس النواب العراقي الدكتور طه حمد، مستشهدا بمثال الدراسة من خلال الإنترنت التي توسعت بعد انتشار كورونا.

توجيه صادر من زارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية (الصحافة العراقية)

ويضيف في تعليق منه على حصول بعض المسؤولين في الدولة العراقية على شهادات عليا خارج البلد وممارسة مهامهم الحكومية في آن واحد، أنّه لا يجوز لأي شخص مهما كان الاستمرار في الوظيفة والدراسة في الجامعة أو عن بُعد.

ويُشير إلى أنه وفقا للضوابط يحتاج الطالب في الدراسات العليا إلى إجازة دراسية، ويجب أن يكون المسؤول مُجازًا رسميا من قبل الحكومة وتكون دراسته بعلمها، وما يقع خلافا لذلك وللأطر الرسمية يعدّ مرفوضا من الجهات الرسمية وتحديدا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

وعن الإجراءات المتبعة للتأكد من "صحّة ومصداقية" الشهادات التي يحصل عليها العراقيون من الخارج والرسائل والأطروحات التي تُناقش في الدراسات العليا، يؤكد حمد للجزيرة نت وجود مديرية عامة لمعادلة الشهادات مهامها الرئيسة التثبت من صحّة الشهادة والدراسة التي أُنجزت من قبل الطلبة.

الكاتب والأستاذ في جامعة السليمانية د. بهروز الجاف الجزيرة 1
الجاف: عندما يكون جلب الشهادات من الخارج جزءا من التجارة السائبة فيتوقع أردأ أصناف الشهادات وبأبخس الأثمان (الجزيرة)

شراء الشهادات

أمّا الأستاذ في جامعة السليمانية الدكتور بهروز الجاف فيرى في تعليق منه على ظاهرة الدراسة في الخارج أنه عندما يكون جلب الشهادات من الخارج جزءا من التجارة السائبة فيتوقع الحصول على أردأ أصناف الشهادات وبأبخس الأثمان.

ويضيف أنه عندما لا يكون الهدف من الشهادة العليا هو بناء شخصية علمية إبداعية وخلاقة تخدم البلد فذلك يؤسس لـ"تضخم شهادوي" تختلط فيه الرصانة بالفساد، وتفقد الشهادة قيمتها وسمعتها في المجتمع وسوق العمل.

وتنصّ المادة 77 من الدستور العراقي على أن يكون الوزير أو النائب حاصلا على الشهادة الجامعية، أو ما يعادلها.

ويقرّ الجاف -في ردّه على سؤال للجزيرة نت- أن الدراسة في الخارج فتحت الأبواب لكثير من المسؤولين العراقيين لشراء الشهادات لنيل مناصب عليا.

وأوضح أن هناك فقدانا للسيطرة على نظام الابتعاث والزمالات من خلال إصدار قوانين نافذة تحدد نوع ومنشأ وعدد الشهادات والاختصاصات العلمية المطلوبة والرصانة في معادلتها بالشهادات العراقية لأجل خطط التنمية، ومن ثم فسح المجال لسوق الشهادات السائبة في العالم، وخصوصا العالم النامي، لأغراض الحصول على وظيفة عليا من خلال مؤهل علمي مزيف ولو بشرائه من دون دراسة أو بحث.

ويؤكد أن ذلك لا ينتقص من قيمة الشهادة فحسب بل يسيء إلى الوظيفة الحكومية، وخصوصا العليا منها، من خلال إشغالها بمؤهلات زائفة مما يؤدي إلى تردي حالها وانهيارها وتفشي الفساد في مفاصلها، ومن ثم احتمال انهيار الإدارة، ومن ثم الدولة من ورائها.

من جانبه، يُحدّد محمد تحسين سمران -وهو طالب ماجستير في الأدب العربي بكلية الآداب في الجامعة العراقية ببغداد- أبرز أسباب توجه الطلبة العراقيين للدراسة في الخارج بقلّة عدد المقاعد الدراسية التي تحددها وزارة التعليم العراقي لكل جامعة، فضلا عن سياسة التعامل الخشنة والصعبة من بعض الأساتذة العراقيين مع الباحث.

ويتفق سمران -في حديثه للجزيرة نت- مع حمد في زاوية أن التدريس عن بُعد سبب خروقات علمية كبيرة، وسهّل على أكثر السياسيين والمسؤولين وغيرهم الحصول على تلك الشهادات العليا التي تكون بمنزلة بيع وشراء.

ويؤكد أن نيل شهادة عليا من الجامعات العربية وغيرها يكون سهل المنال، لما في ذلك من سهولة وبساطة في منح الطالب شهادة أكاديمية من غير رصانة علمية بمستوى التخصص العلمي.

المصدر : الجزيرة