وزير الأمن البوسني للجزيرة نت: لا وقود للحرب والدعم الروسي للصرب سيلحق الضرر بهم

يرى وزير الأمن البوسني أن الذهاب باتجاه اتفاق سلام على غرار "اتفاق دايتون 1995" في البوسنة ليس عمليا، وأن السيناريو الواقعي هو تطوير النظام السياسي في البوسنة والهرسك، والعمل على الاندماج في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي

وزير الأمن البوسني في حوار للجزيرة نت
وزير الأمن البوسني سيلمو تسيكوتيتش (يمين) في حوار مع مراسل الجزيرة نت (الجزيرة)

سراييفو- أثارت تصريحات العضو الصربي في مجلس رئاسة دولة البوسنة والهرسك ميلوراد دوديك قلقا وتساؤلات حول الوضع الأمني بدولة البوسنة والهرسك والمخاوف من العودة إلى أجواء الحرب.

وأعلن دوديك عن رغبة صرب البوسنة بعدم المشاركة في المؤسسات الحكومية، وأنهم بصدد تشكيل مؤسسات مستقلة موازية، على أن يشمل الانفصال المؤسسات الصحية والمالية والجيش.

وعلى الرغم من أن الكثيرين فهموا تصريحاته في إطار المناكفة السياسية على مشارف الانتخابات العامة في البلاد أو كرد فعل غاضب من الصرب بسبب القانون الذي أصدره المندوب السامي في البوسنة بشأن "تجريم عدم الاعتراف بالإبادة الجماعية التي حدثت في سربرنيتسا" فإن آخرين أبدوا خشيتهم من تفجر الأوضاع في البوسنة واشتعال أزمة لا يمكن تداركها.

الجزيرة نت حاورت وزير الأمن في دولة البوسنة والهرسك سيلمو تسيكوتيتش لمعرفة حقيقة ما يجري، وما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع.

وزير الأمن البوسني في حوار للجزيرة نت
وزير الأمن البوسني (يمين) قال للجزيرة نت إن الأوضاع الأمنية في البوسنة أفضل من جاراتها (الجزيرة)
  • بصفتكم المسؤول الأول عن أمن دولة البوسنة والهرسك هل تشعرون أن الدولة آمنة؟

البوسنة آمنة تماما، والوضع الأمني هنا لا يختلف بأي حال عن الوضع في الدول المجاورة لنا، بل يمكنني القول إن معدلات انتشار الجريمة والأمن العام في البوسنة والهرسك أفضل من معظم دول المنطقة.

بالطبع يتأثر أمن البوسنة بأمن جيراننا، وكذلك استتباب الأمن في البوسنة شرط أساسي لأمن الدول المجاورة بل لمنطقة غرب البلقان كلها، ولا يمكن أن تنعم هذه المنطقة بالأمن إذا لم تكن البوسنة آمنة تماما.

  • البعض يعتقد أن جيران البوسنة لا يساهمون كثيرا في دعم الأمن فيها، ما تعليقكم؟

عندما نرجع إلى التاريخ سنرى أن البوسنة كانت دائما تقع على خطوط التماس بين الإمبراطوريات العظيمة وبين الحضارات المختلفة، مما يزيد أهميتها ويجعل البعض يسعى للسيطرة عليها.

ورغم أنها قد تبدو هدفا سهلا لاحتلالها وغزوها أو تقسيمها فإن البوسنة والهرسك نجت من كل هذه المحاولات وحافظت على استقلالها وما زالت مستمرة وستستمر بفضل الله ثم بفضل تكاتف البوسنيين على اختلاف معتقداتهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية في الدفاع عن وطنهم عند الحاجة.

  • لكن عندما تلتقون بوزراء الأمن في صربيا أو كرواتيا أو غيرهما ماذا يقولون؟ ألا يدركون حقيقة أن أمن دولهم من أمن دولة البوسنة والهرسك؟

الجميع يفهمون هذا جيدا ويعلنون ذلك، لكن الكلمات لا تعبر دائما عن المواقف الحقيقية، لقد علمتنا التجارب أن العبرة بما تفعله تلك الدول وليس بتصريحات مسؤوليها.

قاعدة أن السلام يأتي من الجيران والحرب تأتي من الجيران هي الأكثر حضورا في البوسنة، وتؤكد التجارب التاريخية أن الحروب يتم تصديرها دائما إلينا، ولم يحدث أبدا أن قامت البوسنة بشن حرب أو هاجمت جيرانها.

سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي مع ميلوراد دوديك العضو الصربي في مجلس رئاسة البوسنة والهرسك
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (يسار) وميلوراد دوديك (مواقع التواصل)
  • كيف أثرت التصريحات الأخيرة لميلوراد دوديك على الوضع الأمني في البلاد؟ ولماذا جاءت في هذا التوقيت بالذات؟

لقد اعتدنا على ذلك من السيد دوديك، وتصريحاته الأخيرة امتداد لسلسة سابقة، ويبدو أن السيد دوديك يتبع إستراتيجية مفادها أن تعالج المشاكل التي تواجهك بخلق مشاكل جديدة، يعني إذا واجهتك مشاكل اقتصادية أو اجتماعية فبدلا من أن توجه جهدك لحلها -ولصرف النظر عنها- فإنك تحاول خلق مشاكل أكبر وأخطر، كما أن هذا يضمن الحصول على أصوات الناخبين وضمان استمرار التفوق في الانتخابات.

بالطبع، مثل هذا النهج يتطلب منه المزيد من المطالب الراديكالية، لكني أعتقد أننا وصلنا الآن إلى نقطة تحول، لأن سقف مطالبه قد بلغ مداه، ووصل إلى وضع قد يهدد الحوار الحضاري الديمقراطي بين الأطراف.

  • بصفتكم شخصية ذات خلفية عسكرية حيث كنت وزيرا للدفاع وقاتلت في جيش البوسنة خلال الحرب كيف تقيّمون الوضع الحالي؟ وما خطورة أن ينفذ "دوديك" تهديداته بعمل جيش مستقل؟

إذا قرر دوديك وأولئك الذين يتبعون هذه السياسة أن كل شيء قمنا به خلال ربع قرن من خلال عملية شاقة واستشارات وحلول وتوافق في الآراء أن يأتي ويقول: لم يعد هذا يعجبني، وأريد أن أضع الحل بمعرفتي، ثم يتصرف بشكل أحادي لفرض أمر واقع ضد مصالح الدولة وشعوبها ومواطنيها فسيؤدي إلى إشعال الوضع بشكل لا يمكن السيطرة عليه سلميا وسيدفع الجميع إلى دائرة العنف.

هذه المحاولة تعني إثارة الصراع، مما سينتج عواقب مدمرة للغاية، وسيجعل الوضع خارج نطاق التحكم.

أما كيف سيتطور النزاع وإلى أي مدى يمكن أن يصل فهذا يعتمد على عوامل كثيرة، منها: رد فعل الفاعلين الآخرين في الدولة، كما سيعتمد على دور وسلوك المجتمع الدولي الذي لا يزال يتحمل مستوى عاليا من المسؤولية هنا.

هذا بالتأكيد، ليس وضعا مفيدا لأحد على الإطلاق، لذا آمل أن يقف الأمر عند حد المناكفات اللفظية وألا يتجاوزه.

بالطبع، لست خائفا من أي شيء، لأننا في البوسنة تغلبنا على تحديات أصعب من هذه بكثير، لكنني أرغب في التعامل بطريقة حضارية لتقريب وجهات النظر المختلفة وبحث جميع القضايا المطروحة.

وأذكّر بالقاعدة المهمة التي مفادها أن من يصنع الأزمة لا يعني أنه سيتمكن من إدارتها أو أنه سيخرج من الأزمة بالطريقة التي تناسبه.

  • يقول البعض إن الأجواء الحالية تتشابه مع أجواء 1992 قبل اندلاع الحرب، هل تتفقون مع ذلك؟

نعم، هناك بعض التشابه وبعض الاختلافات، أعتقد أنه حاليا لا يوجد وقود للحرب، ولا يوجد ما يكفي من الاتهامات السياسية والعاطفية والأخلاقية من جانب أولئك الذين يؤيدون الحرب، وهم الذين يرغبون في إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء والعودة إلى أوضاع تناسبهم أكثر من الحالية، يريدون وقف تقدم البوسنة والهرسك واندماجها في الناتو والاتحاد الأوروبي.

لكني أقول لجميع معاوني إننا إذا أردنا أن نعيش في سلام يجب أن نكون مستعدين للحرب في جميع الأوقات، لأن الضمانة الرئيسية للسلام في البوسنة هي قوة وتماسك واستعداد جميع أولئك الذين يرون في البوسنة والهرسك وطنا لهم ومستعدون للحفاظ عليه والدفاع عنه.

  • شاركت في توقيع اتفاقية دايتون للسلام عام 1995، هل يكمن الحل في "دايتون 2" كما يرى البعض؟

بالنظر إلى قائمة الأولويات العالمية سنجد أنه من الصعب تخيل وضع يجد فيه هؤلاء المشاركون المهمون في العلاقات السياسية والأمنية العالمية أنفسهم مرة أخرى يناقشون قضية البوسنة والهرسك في الوقت الحالي.

لذا، لا أرى أن "دايتون 2" أمر عملي، وأعتقد أن السيناريو الواقعي هو تطوير النظام السياسي في البوسنة والهرسك والعمل على الاندماج في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي.

وقمنا بالفعل بإصلاحات كبيرة وحققنا جميع الشروط النظرية والعملية المطلوبة لهذا الغرض، وهذا هو السبيل الوحيد للاستقرار والأمن والازدهار في البوسنة والهرسك.

وزير الأمن البوسني في حوار للجزيرة نت
وزير الأمن البوسني (يمين): أولويات القوى العظمى ومنها أميركا تغيرت (الجزيرة)
  • بحكم خبرتكم في السياسة الخارجية الأميركية وقد شغلتم منصب الملحق العسكري بالسفارة البوسنية في واشنطن، لماذا كان رد الفعل الأميركي أضعف من المتوقع؟

المجتمع الدولي -وعلى رأسه الاتحاد الأوروبي وأميركا- لا يزال يتحمل مسؤوليات كبيرة عن استقرار البوسنة، لكن القاعدة التي تحكم العلاقات الدولية منذ العصور القديمة هي أن "الكبار يتصرفون بقدر قوة فعلهم، والصغار يتحملون بقدر قوة تحملهم. بالطبع، لا ينبغي لأحد أن يقلل من شأن ما تم بالفعل.

ربما في الماضي كانت هناك درجة أعلى من توافق الآراء من المجتمع الدولي بشأن قضايا البوسنة والهرسك وكان رد الفعل أسرع.

ومع ذلك، أعتقد أن المجتمع الدولي أدرك جدية الوضع في البوسنة والهرسك، ويؤكد ذلك الحضور الكبير لممثلي الجهات الدولية الفاعلة هنا.

وبالنسبة للموقف الأميركي نعي أن أولويات القوى العظمى قد تغيرت وانتهى قرن "المحيط الأطلسي"، ونعيش الآن قرن "المحيط الهادي"، ومع ذلك، فإن كثيرين من الدبلوماسيين الأميركيين المؤهلين وذوي الخبرة يشاركون ويتعاملون مع قضايا البلقان والبوسنة والهرسك، وأعتقد أنهم يحاولون تأسيس نهج بنّاء وقابل للتنفيذ.

إن ما يميز الوجود الأميركي في البوسنة والهرسك هو مقاربة بناءة لما فيه خير جميع مواطنيها وجميع شعوبها، وهو ما لا ينطبق على بعض القوى العظمى الأخرى الحاضرة في المشهد البوسني.

  • هل تقصد الروس؟

نعم، بالطبع روسيا التي تدعم جهة واحدة، والآن لديك تصريح مباشر للغاية من السفير الروسي في البوسنة الذي يدعم السياسة الانفصالية لجمهورية صربسكا، والتي أعتقد أنها كارثية للغاية بالنسبة للمصالح الصربية ولجمهورية صربسكا.

  • هل تقصد تصريح السفير بأن انضمام البوسنة لحلف الناتو يضر بها؟ وأن دوديك لا يرتكب أي خطأ عندما يفكر في تكوين جيش مستقل؟

نعم، وأنا أعتقد أن هذا النوع من الدعم السياسي غير المبدئي وغير الصحيح من روسيا للصرب سوف يلحق الضرر الأكبر بالصرب أنفسهم.

من السهل الزج بهم في صراع مع الآخرين، لكن الحكمة السياسية والإنجاز الحقيقي هما أن تنتج حلولا مقبولة للجميع، وأكرر مرة أخرى: إن الذي يبدأ الصراع لا يعني أنه سيتمكن من إدارته، ولا يعني أنه يمكنه أن ينهيه متى يريد وبالطريقة التي يريد.

يصارع المهاجرون العالقون قساوة البرد في الحدود بين بولندا وبيلاروسيا - الجزيرة نت
مهاجرون عالقون يصارعون قسوة البرد في الحدود بين بولندا وبيلاروسيا (الجزيرة)
  • كيف تنظرون في البوسنة لأزمة اللاجئين على الحدود البولندية البيلاروسية؟ وهل من تأثيرات لها على البوسنة قريبا؟ وهل تتفقون مع الاتهامات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه يقف وراءها؟

أولا: يتعين علينا أن نتفق على أن الهجرة غير النظامية هي أحد التحديات الأمنية العالمية المهيمنة، والآن يؤكد الوضع على الحدود البولندية البيلاروسية ذلك بطريقة مباشرة جدا، وراء الأزمة الحالية تقف روسيا من جانب، والاتحاد الأوروبي من جانب آخر.

نحن هنا نتحدث عن تحولات ديمغرافية عالمية لها طابع سياسي واقتصادي وثقافي وحضاري وأمني وإنساني، هذه التحولات تنتج الهجرة غير النظامية، وتحمل معها جميع أشكال التحديات الأمنية الأخرى تقريبا، وهذه قضية معقدة للغاية.

وكما أنهم بحاجة إلى أوروبا يعرف هؤلاء المهاجرون أن أوروبا بحاجة إليهم، لذا فهم مستعدون للتضحية ويدركون جيدا المخاطر المحيطة بهم، ويفقد الكثيرون حياتهم في البحر الأبيض المتوسط ​​أو في منحدرات ووديان البلقان، لكنهم لا يتراجعون، إنهم لا يسافرون من أجل المتعة، بل للحاجة الماسة للبقاء.

لذا، أنا لا أتفق مع الذين يحاولون النظر إلى الأمر على أنه مشكلة فنية، وأن الحل هو إعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية.

ربما البعض له ماضٍ ونوايا وسلوك مشكوك فيها لكن معظمهم يبحثون عن ظروف معيشية أفضل.

قبل عام، عندما عينت في منصبي كان يُنظر إلى المهاجرين غير النظاميين هنا في البوسنة والهرسك كمشكلة أمنية رئيسية، لكننا بذلنا الكثير من الجهود وغيّرنا الوضع بشكل كبير، والآن لدينا عدد أقل بكثير وأصبح الوضع تحت السيطرة.

  • وأنتم لم تقوموا بترحيلهم لبلدانهم الأصلية؟

لا، لم نرحلهم، تعاملنا معهم بشكل إنساني، لكننا في نفس الوقت قمنا بإجراءات جعلت مسار البوسنة والهرسك أكثر صعوبة بالنسبة للمهاجرين، لذلك قرروا البحث عن مسارات أخرى.

قمنا بتنسيق عمل الأجهزة الأمنية المختلفة، وعززنا السيطرة على حدودنا الشرقية مع صربيا، وضيقنا الخناق على الجماعات الإجرامية التي تتاجر بالمهاجرين واعتقلنا العديد منهم، فأعادوا توجيه طرقهم في اتجاهات أخرى.

  • أخيرا، ما هي رسالتكم للمستثمرين الذين يشعرون بالقلق على مستقبل استثماراتهم في البوسنة والهرسك؟

أعلم أن البعض قد يشعر بالقلق، ولديهم الحق، فالمستثمر يبحث دائما عن بيئة آمنة لاستثماراته ولا يهتم كثيرا بالتصريحات، لكن تقديري هو أن الوضع في البوسنة والهرسك يمضي إلى مزيد من الاستقرار والتقدم وليس إلى مزيد من النزاعات، وهو أمر يجب أن يشجعهم على مواصلة استثماراتهم.

المصدر : الجزيرة