انتخابات ليبية مرتقبة.. أين تقف مصر؟ وما مصالحها؟

السيسي (يمين) خلال استقبال رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي (مواقع التواصل)

القاهرة- "يا أحفاد عمر المختار، لقد حان الوقت لكي تستلهموا عزيمة أجدادكم الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل الحرية واستقلال القرار الوطني، وأن تلفظوا من بلادكم كل أجنبي ودخيل مهما تغنى بأن في وجوده خيرًا لكم؛ فالخير في أياديكم إن تجاوزتم خلافاتكم وعقدتم العزم على بناء بلادكم بإرادة ليبية حرة، وستجدون مصر سندًا لكم وقوة متى احتجتموها، دعما لأمنكم وخياراتكم وطموحاتكم".

بهذه الكلمات، رسم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي -خلال كلمته في مؤتمر باريس بشأن ليبيا- موقف بلاده من استئناف عملية السلام السياسي في ليبيا.

ومع اقتراب الانتخابات الليبية نهاية العام الجاري، تنظر القاهرة بحذر إلى مجموعة من الجهات الفاعلة محليا واللاعبين الإقليميين والدوليين في جوارها الغربي، الذي يمثل امتدادا لأمنها القومي والجيوإستراتيجي.

وفي هذا الإطار، ترصد الجزيرة نت مجموعة من التساؤلات المرتبطة بالموقف المصري من التطورات الليبية، وأين تقف القاهرة منها؟ وما مصالحها؟ ومع من؟ وهل ما زال خيارها المفضل والأهم يتمثل في اللواء المتقاعد خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح؟

كيف تحول التعاطي المصري مع الملف الليبي؟ ولماذا؟

من المعروف سلفا أن مصر كانت ولا تزال أبرز الداعمين لحفتر وصالح، وكانت ترى الأول المرشح المثالي لاستعادة الاستقرار وحماية مصالحها الإستراتيجية وتجنب التدخل المباشر والمكلف في ليبيا.

لكن فشل الحملة العسكرية لحفتر خلال العامين الماضيين دفع القاهرة لإعادة النظر في خططها، والرهان على تسويق المسار السياسي، والالتزام بإجراء الانتخابات في موعدها، وتأكيد ضرورة خروج القوات الأجنبية، كما بدت أكثر انفتاحا على حكومة طرابلس، وأعادت فتح سفارتها هناك، كما وقعت عددا من اتفاقيات التعاون وإعادة الإعمار.

وتشابكت هذه التحولات المصرية مع لاعبين إقليميين آخرين، فمن ناحية نأت مصر عن التحالف غير المحدود مع الإمارات في دعم خيار حفتر، ومن ناحية أخرى بدت أكثر انفتاحا على عودة العلاقات مع تركيا، وإن كان الملف الليبي يمثل حتى الآن أحد أبرز معضلات التقارب بين البلدين، إضافة إلى المساعي المصرية في الظهور بمزيد من الاعتدال لتجنب الدخول في أزمات محتملة مع الإدارة الأميركية.

أين تقف مصر من الانتخابات الليبية؟ وما مصالحها؟

الأكاديمي والمحلل السياسي المصري خيري عمر رأى أن كلمة السيسي في مؤتمر باريس تمثل إطارا عاما للحل المصري للأزمة الليبية، موضحا -في تصريحات للجزيرة نت- أن القاهرة تقف مع إجراء الانتخابات وتؤكد موعدها، وإذا أدت الظروف إلى تأجيلها فإنها مع الحل السياسي كمطلب أول وأساسي.

والتقط الباحث المصري المختص في الشأن الليبي علاء فاروق الخيط ذاته، مبينا أن القاهرة تقف الآن مع التسوية السياسية، ومع المجتمع الدولي في حراكه لإجراء الانتخابات في موعدها كما نصت خارطة الطريق، مشددا -في تصريحات للجزيرة- على أن مصر وإن كانت تتمنى فوز فصيل بعينه في الانتخابات فإنها لن تصطف معه، بإيعاز أو نصائح دولية.

لماذا الإصرار المصري على إجراء الانتخابات في موعدها وإخراج القوات الأجنبية؟

تعقيبا على ذلك، شدَّد عمر على أنه ليس إصرارا مصريا في الواقع، بل هو تأييد للموقف الأممي بإجراء الانتخابات في موعدها، أما ما يخص القوات الأجنبية فإن ملف المرتزقة والعناصر الأجنبية كان على طاولة المباحثات المصرية التركية الأخيرة، وكان هناك اقتراح مصري بتجميد الاتفاقية الأمنية بين أنقرة وطرابلس لحين وصول حكومة منتخبة، وهو موقف مرن من القاهرة.

وأضاف أن القاهرة ترى الوجود الأجنبي -عموما- في ليبيا تهديدا مباشرا لأمنها القومي، مشيرا إلى أن الوجود الروسي قد يكون أكثر قلقا لمصر عن نظيره التركي؛ نظرا لعدم تلاقي مصالح القاهرة وموسكو على طول الخط، حتى لو كان الطرفان يدعمان حفتر، الذي بات هو الآخر يمثل إشكالية بالنسبة لمصر، حيث لا يبدو أنه ما زال قادرا على ضمان مصالحها في ليبيا.

واتفق فاروق إلى حد كبير مع الطرح السابق، مشيرا إلى أن الإصرار المصري على إجراء الانتخابات في موعدها يمثل هدفا مصريا تريد منه القاهرة أن تثبت للمجتمع الدولي أنها تسير مع التسوية، كما أن الوجوه الجديدة في السلطة الليبية ربما تكون أكثر انفتاحا على مصر وتحقيقا لمصالحها.

ورغم أن السلطة الليبية الحالية (المجلس الرئاسي والحكومة) -حسب فاروق- أكثر انفتاحا على القاهرة من حكومة الوفاق السابقة، فإن مصر تريد مزيدا من الانفتاح والاندماج والمصالح مع وجوه سياسية قد تنسى الماضي.

وثمة إشارة أخرى مهمة تطرق إليها الباحث فاروق، تتمثل في أن القاهرة ربما تريد غسل يديها من القراءة الخاطئة التي كانت تسير عليها، حينما كانت تدعم حفتر وتتبناه وتدافع عن مشروعه في مرحلة من المراحل، وبذلك تحاول الآن التنصل من هذا الأمر تماما بدعمها الانتخابات وإخراج المرتزقة.

بين حفتر وصالح وآخرين.. أيهم أفضل للقاهرة؟

يرى عمر أن عقيلة صالح -كمرشح رئاسي- ضمن الاختيارات المصرية، لكنّ مصر لن تحصر خياراتها وتضع أوراقها خلف مرشح واحد، فلو جاء عقيلة سيكون أفضل، ولو لم يأت فإن ذلك ليس مشكلة، حيث باتت القاهرة أكثر انفتاحا على المسار السياسي.

لكن في المجمل -حسب عمر- فإن الخريطة الانتخابية في ليبيا لم تكتمل بعد، وهناك احتمالية قائمة بتأجيل الانتخابات، وبالتالي لن تستطيع أية دولة أن تحدد موقفها من دعم أحد المرشحين.

وأضاف أن مسألة تصنيف المرشحين اعتمادا على تقسيم الأقاليم الليبية أمر معقد، وربما يضعف مع التقدم في الممارسة الانتخابية، كما ستقتضي الانتخابات نوعا من التشابك والتحالفات -المحلية والإقليمية- لم تظهر ملامحها بعد.

وفي المقابل، رأى فاروق أن حفتر أو عقيلة ليسا الخيار الأهم للقاهرة حاليا؛ ويبقى خيارها رئيسا يتوافق عليه جميع الليبيون، وحكومة تستطيع التعامل معها.

وشدد الباحث في الشأن الليبي على أن مصر على الأقل في هذه الفترة لن تراهن على مشروع شخصي أو حتى فصيل أو منطقة بعينها، كما أنه لا يوجد مرشح بعينه مفضل لديها حتى الآن.

كيف تستثمر مصر الحكومة المرتقبة في دعم مصالحها؟

رغم أن الآفاق السياسية في ليبيا لا تزال غير واضحة، فإن صفقات إعادة الإعمار بين القاهرة وطرابلس مؤخرا تمثل علامة على جهود إعادة التعامل مع الغرب الليبي بعد سنوات من الانحياز إلى حفتر.

وفي هذا الصدد، يرى عمر أن مصر أقامت اتفاقات مع حكومة طرابلس وانفتحت على النخبة في الغرب؛ لأن بناء السياسات والمصالح دائما يكون على أساس التوافق، وإن غاب ستنهار المصالح سريعا، ومصر دائما تقول إنها حليف لليبيا، وإنها لا تفضل التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

وعلى الجانب الآخر، فإن الحكومات الليبية المتعاقبة، بما فيها حكومة السراج وأحزاب غرب ليبيا -حسب عمر- دائما ما كانت تؤكد حرصها على ألا تصل العلاقات مع القاهرة إلى النقطة الحرجة التي يصعب التراجع عنها.

لكنّ الباحث علاء فاروق يذهب إلى القول إن صفقات إعادة الإعمار تمثل محاولة مصرية لفرض الأمر الواقع، بحيث لا تجد أية حكومة قادمة مفرا من الارتباط بمصر عبر تنفيذ هذه الاتفاقيات والاستفادة منها.

واعتبر كذلك أن مصر تحاول دعم مصالحها بالتواصل مع من يحقق هذه المصالح، بإعادة تطبيع العلاقات بصورة طبيعية مع الغرب الليبي المتواجد فيه الحكومة، والتي من الصعب اختزالها بموقعها الجغرافي؛ كونها مقر حكومة الدولة.

كيف كان الحضور المصري في مؤتمر باريس؟

يرى عمر أن المؤتمر الذي اختتم الجمعة الماضي في العاصمة الفرنسية لم يكن مبشرا أو قويا بشكل عام، والزخم المصري في حضوره كان لموازنة الدور الفرنسي في ليبيا، حيث تتبنى باريس رؤية لا تتلاقى مع كثير من جوانب المصالح المصرية.

وشدَّد على أنه كان من المفترض ألا يكون الحضور المصري مكثفًا على مستوى الرئيس ومسؤولي الخارجية والمخابرات؛ لأنه من أقل المؤتمرات قوة في دعم الملف الليبي والمصالح المصرية، بما فيها مؤتمر برلين قبل أشهر.

وأوضح أن المصالح المصرية لا تتلاقى مع المصالح الفرنسية في ليبيا، حيث إن باريس لا تريد تثبيت الانتخابات، وكانت هناك احتمالية لزيادة التلاعب الفرنسي بمداها الزمني.

في المقابل، اعتبر فاروق أن المؤتمر كان مهما جدا، خاصة مع تعاطي القوى الدولية مع زخم الحضور المصري، وتأكيدات القاهرة ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، ودعم السلطات الجديدة في تحركاتها.

وعزا فاروق الحضور المصري لمؤتمر باريس إلى كونه رسالة واضحة وتأكيدا على أن مصر الآن لا تتمترس خلف فصيل واحد مثل حفتر أو الشرق الليبي بشكل عام.

المصدر : الجزيرة