هل تؤجج الإطاحة بوزير الداخلية التونسي صراع النفوذ بين رأسي السلطة التنفيذية

الرئيس التونسي قيس سعيد (يمين) يكلف وزير الداخلية هشام المشيشي بتشكيل الحكومة
الرئيس التونسي قيس سعيد (يمين) ورئيس الحكومة هشام المشيشي (مواقع التواصل الاجتماعي)

طرح القرار المفاجئ لرئيس الحكومة في تونس هشام المشيشي بإقالة وزير داخليته المقرب من رئيس الجمهورية قيس سعيد تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار وارتداداته على مستقبل الحكومة وعلى العلاقة بين رأسي السلطة التنفيذية.

وفي أول تصريح له بعد قراره إعفاء وزير الداخلية أكد رئيس الحكومة منذ قليل أنه لن يسمح بحدوث إرباك أو اختراق للمؤسسة الأمنية، دون أن يحدد مصدره، مشددا على أن قرار إعفاء قيادات أمنية اتخذه وزير الداخلية دون الرجوع إليه.

وأكد أنه ألغى جميع برقيات الإعفاء التي أصدرها وزير الداخلية المقال، في إطار رد الاعتبار للقيادات الأمنية بجميع فروعها، وتصديه لمحاولات الإرباك والاختراق في هذا السلك.

ولفت المشيشي إلى أن قرار الإقالة أخذه بشكل مستقل ودون العودة لأي جهة سياسية أو حزبية، في إشارة إلى حزامه السياسي، حرصا منه على "تطبيق دولة القانون والمؤسسات" حسب قوله.

واختلفت آراء قيادات سياسية ومراقبين للشأن العام بشأن أسباب هذه الإقالة التي تعد الثالثة من نوعها في حكومة المشيشي، وذلك بعد إقالة وزيري الثقافة والبيئة، مما بات يمهد فعليا لتغيير وزاري لم تنفه قيادات سياسية من الأحزاب الداعمة للحكومة.

وسبق أن كرر رئيس الجمهورية قيس سعيد في أكثر من خطاب له تحذيراته من وجود مخطط لإجراء تغيير وزاري في الحكومة خدمة لأطراف بعينها، وكان آخرها في كلمة له بمناسبة رأس السنة الميلادية، مؤكدا وجود ترتيبات لتغيير الحكومة أو تقديم لائحة لوم ضدها.

وتأتي الإطاحة بوزير الداخلية بعد أيام من تصريحات "مثيرة" لرئيس الجمهورية قيس سعيد خلال زيارة قام بها إلى مقر وزارة الداخلية برفقة الوزير المقال وفي غياب رئيس الحكومة وأعلن فيها أنه "القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية والأمنية".

وذهبت أطراف سياسية للقول إن معركة التنازع على الصلاحيات بين المشيشي وسعيد على رأس السلطة التنفيذية بدأت تدخل مرحلة خطيرة من شأنها أن تساهم في إرباك عمل الدولة بعد أن وصلت إلى وزارة سيادية كالداخلية.

وكانت وسائل إعلام محلية قد نقلت عن مصادر مقربة من الحكومة أن رئيسها هشام المشيشي ألغى قرارات إعفاء استهدفت عشرات المسؤولين السامين في جهاز الشرطة والحرس اتخذها وزير الداخلية المقال دون الرجوع إليه.

 

واعتبر النائب عن التيار الديمقراطي المعارض زياد الغناي في حديثه للجزيرة نت أن الإقالة المفاجئة وغير المبررة لوزير الداخلية تعد مؤشرا خطيرا على ضعف الدولة، وتدخل ضمن معركة على السلطة تداخلت فيها أحزاب وقيادات في أعلى هرم بالدولة.

ولم يستبعد الغناي أن تكون إقالة وزير الداخلية ضمن خطة لإزاحة جميع الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية، والمغضوب عليهم من قبل رئيس الحكومة والائتلاف الحاكم، النهضة وقلب تونس والكرامة، تمهيدا لتغيير وزاري وشيك.

وكان رئيس الجمهورية قد اختار هشام المشيشي لتشكيل الحكومة في يوليو/تموز الماضي باعتباره "الشخصية الأقدر"، ليرفع في وجهه الفيتو بعد مدة قصيرة إثر تصاعد الخلافات بين الرجلين بشأن التركيبة الحكومية.

ويرى القيادي في حركة النهضة رفيق عبد السلام في تصريح للجزيرة نت أن رئيس الحكومة هشام المشيشي مارس صلاحياته المخولة له بالدستور بإقالة وزير الداخلية بغض النظر عن الأسباب.

واعتبر أن ما يشاع بشأن قيام وزير الداخلية بتغييرات واسعة في المؤسسة الأمنية دون الرجوع إلى رئيس الحكومة يعد خرقا جسيما لكل الأعراف السياسية والأخلاقية في دولة يحكمها القانون والمؤسسات.

وانتقد عبد السلام التصريحات المتتالية لرئيس الجمهورية في مقرات أمنية أو ثكنات عسكرية والتأكيد كل مرة على أنه "القائد الأعلى للقوات المسلحة"، مشددا بالمقابل على أنه لا أحد يشكك في صلاحيات الرئيس التي ضبطها الدستور.

بالمقابل، دعا القيادي النهضوي الرئيس إلى عدم تأويل نص الدستور أو تجاوز الأعراف السياسية وفق مزاجه، مؤكدا أن وزارة الداخلية ترجع بالنظر لرئيس الحكومة.

وبشأن الاتهامات التي تطال النهضة وحلفاءها بالضغط على رئيس الحكومة بقصد إزاحة وزراء محسوبين على رئيس الجمهورية، أكد عبد السلام أن المشيشي ليس في حاجة لذلك، وأن ما قام به يعد دفاعا مشروعا عن صلاحياته.

ولم ينف بالمقابل وجود محادثات بين رئيس الحكومة والائتلاف الحزبي الداعم له بشأن تغيير وزاري وشيك، واصفا إياه بالأمر الطبيعي والمشروع.

وخلص عبد السلام إلى أن المكسب الذي جاء به دستور الثورة هو أنه لم يحتكر كل السلطات في يد شخص واحد، وقام بتوزيعها في إطار من التوازن بينها "وهو جوهر الديمقراطية"، وفق تعبيره.

المصدر : الجزيرة