مصر تغلق قضية ريجيني.. فهل انتهت القصة؟

البرلمان الأوروبي يؤكد سعيه لإثبات حقيقة مقتل جوليو ريجيني
قضية ريجيني سببت إزعاجا للسلطات المصرية على مدى سنوات (الجزيرة)

مرة تلو أخرى، تزيد بيانات النيابة العامة المصرية قضية مقتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني غموضا، كما تبعد فرص معرفة الجناة، لكنها في المقابل تزيد -على ما يبدو- إصرار الحكومة والشعب الإيطاليين على معرفة الحقيقة.

هذا ما ظهر جليا في بيان وزارة الخارجية الإيطالية ردا على بيان النيابة العامة المصرية قبل أيام، بشأن واقعة مقتل وتعذيب ريجيني، حيث وصف البيان تصريحات النائب العام المصري بأنها "غير مقبولة"، مما يؤشر على رفض روما إغلاق القضية بالطريقة التي تريدها مصر.

وقالت إيطاليا إنها ستواصل التحرك في المحافل الدولية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي للكشف عن ملابسات مقتل ريجيني ومعاقبة الجناة، داعية السلطات المصرية إلى مشاركتها المعلومات الخاصة بالقضية، من أجل الوصول إلى الحقيقة.

وجدد نواب أوروبيون وإيطاليون في تصريحات للجزيرة نت رفضهم بيان النيابة العامة المصرية، داعين إلى استمرار الضغط على الحكومة المصرية، والتفكير جديا في فرض عقوبات اقتصادية، خاصة أنه يضع الحكومة الإيطالية أمام تحد وإحراج بالغين، ولكن العلاقات بين البلدين لن تكون على المحك.

رفض إيطالي وتمنع مصري

وكان وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو لوَّح في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي بأن بلاده ستطلب من الدول الأوروبية "اتخاذ موقف موحد من أجل كشف الحقيقة بشأن ريجيني" في العاصمة المصرية قبل 4 أعوام.

وأصدر النائب العام المصري بيانا -الأربعاء الماضي- قال فيه "إنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في واقعة قتل واحتجاز ريجيني وتعذيبه بدنيًّا لعدم معرفة الفاعل، مع تكليف جهات البحث بموالاة التحري".

وكذلك استبعاد ما نُسب إلى 4 ضباط وفرد شرطة بقطاع الأمن الوطني في تلك الواقعة من الأوراق، مشيرا إلى أن جميع ما طرحته سلطة التحقيق الإيطالية هي شبهات قائمة على استنتاجات خاطئة لا يقبلها المنطق ولا ترقى لمرتبة الأدلة.

بل ذهب النائب العام إلى أبعد من ذلك، باتهام "مجهول" باختطاف وتعذيب وقتل "ريجيني" ليُلصق التهمة بعناصر من الأمن المصري العامة، بالتزامن مع انشغالهم بتأمين المنشآت الحيوية (في ذكرى ثورة 25 يناير).

وحسب برلمانيين أوروبيين تحدثوا للجزيرة نت، فإن خيارات الحكومة الإيطالية باتت تتركز في اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على مصر، واستمرارها في الضغط على الحكومة المصرية لتقديم الجناة للعدالة، والمضي قدما في محاكمة الضباط المصريين المشتبه فيهم.

عقوبات اقتصادية على مصر

وطالب عضو البرلمان الأوروبي ماسيمليانو سميرلي الحكومة الإيطالية بأن تصر على معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة في قضية ريجيني، مشيرا إلى أنه يجب مساءلة مصر ليس أمام إيطاليا فحسب، بل أمام المجتمع الدولي بأسره.

وشدد في تصريحات للجزيرة نت على أنه يجب الحفاظ على استمرار الضغط الدبلوماسي القوي على الحكومة المصرية، ويجب على أوروبا -التي تدافع عن سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية- أن تقوم بدورها.

واستدرك "في رأيي، من دون الكشف عن الحقيقة يجب على أوروبا أن تأخذ في الاعتبار إمكانية فرض عقوبات اقتصادية على مصر.

وفي 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي صوّت البرلمان الأوروبي على مشروع قرار يطالب المؤسسات الأوروبية بخطوات جادة لوقف انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وذلك بالتزامن مع تصاعد قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في مصر عام 2016.

وفي 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت "نيابة الجمهورية بروما" الاشتباه بمسؤولية 5 أفراد في أجهزة أمنية مصرية عن مقتل الطالب الإيطالي، في حين تحفظت النيابة المصرية في بيان آنذاك على الاشتباه في عناصر أمنية، وتحدثت عن "تشكيل عصابي" بغرض السرقة يستخدم وثائق أمنية مزورة.

قتل ريجيني من عمل الدولة

وفيما يتعلق بسبب إغلاق النيابة العامة المصرية ملف مقتل ريجيني رغم استمرار المطالبات الإيطالية للجانب المصري بالتعاون، اعتبر النائب في البرلمان الإيطالي ميكيلي براس أن "بيان النيابة العامة المصرية لم يحمل جديدا، وأن ما جاء فيه يتماشى تمامًا مع الموقف الكئيب الذي اتخذه النظام المصري دائمًا بشأن قضية ريجيني".

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أنه بعد سنوات من الأكاذيب والتوجيهات الخاطئة والتستر، لا نؤمن بالتغيير أبدًا. علمنا منذ اليوم الأول أن اختطاف وقتل ريجيني كان من عمل الدولة. كانت لدينا شهادات حاسمة في لجنة التحقيق البرلمانية الخاصة بقضية ريجيني، والتي تعمل مع السلطات القضائية.

وقال نائب البرلمان الإيطالي إنه في حالة الحق -مثل إيطاليا- يجب أن تُحدد فرضية الاستنتاجات غير الصحيحة من خلال الإجراءات القانونية، وليس من خلال رأي الأشخاص الآخرين.

واستبعد أن تضع القضية العلاقات بين البلدين على المحك، مضيفا أننا انتظرنا طويلا التعاون المصري في هذه القضية الرهيبة، لكننا لسنا على استعداد للانتظار أكثر من ذلك.

قضية سياسة تديرها أعلى سلطة

واعتبر المحلل السياسي محمد رمضان أن قضية مقتل ريجيني سياسية بحتة تديرها أعلى سلطة في البلد، ومن الواضح أن السلطات المصرية تسعى للتستر على الفاعل الحقيقي، الذي يبدو أنه يقف خلف توجيه الضباط المشتبه فيهم من قبل سلطات التحقيق الإيطالية، لذلك لا يتوقع أن تغير النيابة العامة المصرية موقفها تحت أي ضغوط.

وأكد في حديثه للجزيرة نت أن البيانات المتشابهة والمتتالية تؤشر بقوة على تواطؤ القضاء المصري مع السلطات التنفيذية من أجل إخفاء الحقيقة التي تملكها، وهو أمر معروف للقاصي والداني في بلد يشهد تدهورا حادا في ملف حقوق الإنسان.

والمتوقع من الحكومة الإيطالية -حسب رمضان- هو ممارسة مزيد من الضغوط عبر الاتحاد الأوروبي، من أجل حث السلطات المصرية أو إرغامها على التعاون في قضية ريجيني، وتسليم المتهمين بقتله للقضاء الإيطالي.

لكنه قلل من حجم انعكاس ذلك بالسلب على العلاقات الإستراتيجية بين مصر وإيطاليا، مؤكدا أن ما يحول دون ذلك حتى الآن هو المصالح الاقتصادية وحجم التضحيات التي قدمها السيسي لإيطاليا، وكانت تهدف إلى شراء صمت الحكومة الإيطالية، لكن الرأي العام وأسرة ريجيني أعادوا القضية مرة أخرى إلى الواجهة، مما وضع الحكومة الإيطالية في حرج، وعليها أن تحقق العدالة لمواطنها.

وكان الباحث الإيطالي جوليو ريجيني قُتل عام 2016، بعد اختفائه في 25 يناير/كانون الثاني من العام نفسه، وعُثر على جثته بعد أيام مطلع فبراير/شباط، ونفت السلطات المصرية ضلوع عناصر من شرطتها في قتله.

وأعلنت الشرطة المصرية بعد نحو شهرين من الواقعة -وتحديدا في 25 مارس/آذار 2016- قتل عصابة من 5 أفراد، واتهمتهم رسميا بخطف ريجيني وقتله، وزعمت حينها أنها كانت حريصة على اعتقالهم غير أنهم بادروها بإطلاق النار، فردت عليهم؛ مما أسفر عن مقتلهم جميعا.

المصدر : الجزيرة