شهر على انفجار بيروت.. "نبض" تحت الركام وعائلات لم تلملم دمارها

فرق الإنقاذ تعمل في المبنى المدمر في مار مخايل (الجزيرة نت)

بعد مضي شهرٍ كاملٍ على انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب الماضي، تبدو العاصمة اللبنانية كأنها لم تصحُ من نكبتها، وفي حين لم تفصح تحقيقات القضاء اللبناني بعد عن ملابسات ذلك الانفجار الضخم، ارتفع عدد القتلى إلى 191 في آخر حصيلةٍ أعلنتها وزارة الصحة اللبنانية، بعد أن كان قد خلّف أكثر من 6 آلاف جريح، وتفيد تقديرات رسمية عن وجود 7 مفقودين على الأقل.

انفجار المرفأ الذي قُدّرت خسائره المادية بـ 15 مليار دولار وفقًا لأرقامٍ رسمية غير نهائية، تتكشّف تداعياته في شوارع بيروت يومًا تلو الآخر. ففي أحياء الجميزة ومار مخايل والصيفي والكرنتينا ما زالت آلاف بيوت مشرّعة على دمارها رغم اقتراب فصل الشتاء، ومئات العائلات المشردة تفتش عن مأوى بديل لها، بينما آلاف العمال وأصحاب المؤسسات التجارية يتباكون على أطلال أرزاقهم المدمّرة.

الحدث الأبرز الذي طرأ عشية ذكرى مرور شهر على الانفجار المروّع، كان تحسس كلبة تابعة لفريق الإنقاذ التشيلي وجود "نبض" تحت ركام أحد الأبنية القديمة المدمرة في منطقة مار مخايل، أمس الخميس 3 سبتمبر/أيلول. على الفور، جرت الاستعانة بأجهزة للرصد والمسح الحراري، فاكتشف المنقذون وجود دليل على الحياة، يتمثّل بنبض قلب يدق 18 مرة بالدقيقة الواحدة.

شهر على أضخم انفجار في لبنان: "نبض" تحت ركام بيروت وشهدات عائلات لم تلملم دمارها تقرير
بيوت مدمرة في منطقة مار مخايل (الجزيرة نت)

عملية دقيقة
وفي مهمة بدت مستحيلة بسبب الدمار الذي لحق بالمبنى، وهو كان مهجورا ومهددا بالانهيار، ما زالت فرق المتطوعين والإنقاذ التشيلية والدفاع المدني اللبناني تتعاون يدويًا وعبر رافعة من مساء الخميس، في محاولة للعثور على ذلك الجسد، حتى لو لم يكن نابضًا.

ومن ساعات الصباح الأولى اليوم الجمعة تجمهر أهالي مار مخايل والمناطق المحيطة حول المبنى الذي طوّقه الجيش، تسهيلًا لعمل فرق الإنقاذ بظروفٍ صعبة استدعت استقدام خراطيم آلة مخصصة لإزالة الرمل.

مقابل ركام مبنى مار مخايل، يقف منهكًا مدير العمليات في الدفاع المدني جورج أبو موسى، لمتابعة عمل فرق الإنقاذ، قال للجزيرة نت "ما زلنا نحاول إزالة الركام من ظهر الخميس، من دون أن نصل لنتيجة، لأن العملية دقيقة وتشكل خطرًا على حياة المنقذين، فاضطررنا إلى العمل يدويًا".

هذه العملية التي يصفها أبو موسى بـ "الشاقة والمخيفة"، يعمل لإنجازها نحو 25 عنصرًا من الدفاع المدني، و15 عنصرًا من الفريق التشيلي، ونحو 20 عنصرًا من فوج إطفاء بيروت ومتطوعين آخرين. ومساء الخميس، يشير أبو موسى أن فرق الإنقاذ توقفت عن عملها لساعات قليلة، بعد أن تحسست الخطر، إلى حين وضع خطة مدروسة لإزالة الركام.

شهر على أضخم انفجار في لبنان: "نبض" تحت ركام بيروت وشهدات عائلات لم تلملم دمارها تقرير
فرق الإنقاذ تبحث عن احتمال وجود نبضٍ تحت الركام في مار مخايل بعد شهر من الانفجار (الجزيرة نت)

"قلب" تحت الركام
رغم ما أوضحه أبو موسى، أثار توقف فرق الإنقاذ عن العمل غضبًا شعبيًا كبيرًا في بلدٍ لا يملك تجهيزات لإدارة الكوارث، مما دفع للاستعانة بفرق إغاثة خارجية، وعبر مواطنون عن سخطهم لما وصفه البعض بـ"دولة عاجزة عن إنقاذ الناجين من الانفجار"، فارتفعت شعارات "قلب تحت الركام" و"مسؤولون بلا قلب" و"بيروت تنبض".

عند الشريط الفاصل بين المواطنين وركام مبنى مار مخايل، تقف روز سعيد (64 عامًا) مكبلة بالخوف والقلق، قالت للجزيرة نت "جئت من الأشرفية لأكون شاهدة على إنقاذ روح حية من تحت الركام، وأشعر أن الأمر أشبه بمعجزة جاءت لتؤكد لنا أننا نعيش في بلد لا تحرص سلطته على حياتنا ولا على إنقاذنا".

وكان محافظ بيروت القاضي مارون عبود، قد أشار خلال مرافقته الفريق التشيلي عن احتمال وجود شخص لا يزال حيا. وعلل عبود تقصير الدولة اللبنانية في عمليات البحث عن مفقودين وضحايا، بـ "عدم توفر فرق محلية مدربة يمكنها أن تكشف عن الجثث والأحياء تحت الأنقاض"، وأن عدم وجود لائحة بالمفقودين، يعني بالتالي "عدم إمكانية تحديد عدد وهويات الأشخاص المفقودين جراء الانفجار"، في حين يواصل الفريق التشيلي عمليات البحث عن مفقودين تحت ركام بيروت وفي محيط مرفئها المدمر.

مشردون وبلا عمل
وفي حين دفع هذا الانفجار حكومة الرئيس حسان دياب للاستقالة في 10 أغسطس/آب، ما زال اللبنانيون ينتظرون تشكيل حكومة الرئيس المكلف مصطفى أديب، بعد أن تحول لبنان إلى ساحة تستقطب مختلف الأطراف الإقليمية والدولية لزيارتها، وكان في طليعتهم أخيرًا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي لوح بعقوبات للسلطة في حال لم تحقق الإصلاحات في غضون 3 أشهر.

في المقابل، يخاطب أركان السلطة اللبنانيين بأنهم يسعون لتحقيق تلك الإصلاحات المطلوبة التي تخولهم الحصول على مساعدات مالية يحتاجها لبنان للخروج من أسوأ أزمةٍ اقتصادية يعيشها ولمعالجة تداعيات انفجار المرفأ، لكن يبدو أن اللبنانيين لا أمل لهم بكل الوعود الداخلية والخارجية.

شهر على أضخم انفجار في لبنان: "نبض" تحت ركام بيروت وشهدات عائلات لم تلملم دمارها تقرير
آلاف البيوت لا تزال على دمارها بعد شهر من الفاجعة (الجزيرة نت)

عند تخوم منطقة الجميزة، يجلس ماهر اللبّان (46 عاما) أمام محلٍ كبير للتصوير والطباعة يعمل فيه منذ 25 عاما، هذا المحل الذي دمّر كامل محتوياته، تُقدّر خسارته بما لا يقل عن 250 ألف دولار، وفق اللبان الذي يتحسر على خسارة عدد من أصدقائه في الانفجار.

وقال للجزيرة نت "باشرنا بعمليات التصليح رغم قدراتنا المالية المحدودة، لأن بعد مرور شهر على فاجعتنا، لا نثق بالدولة التي تأتي لكشف الأضرار من دون تقديم أي المساعدة، وهي في غيبوبة عن معاناتنا وخسارة أرزاقنا وزبائننا". و"كأننا بعد هذا العمر نؤسس لنبدأ من الصفر في بلدٍ غير آمن".

ومن منطقة الرميل، تأتي راغدة زريق (68 عاما) لتسير يوميا في شوارع الجميزة ومار مخايل، بعد أن دمر منزلها بالكامل، وقد نجت من الموت بأعجوبة وفق تعبيرها، لأنها كانت خارجة في 4 أغسطس/آب، تقول بغضبٍ للجزيرة نت "لو كانت دولتنا تحترم الإنسان لما أبقت أرواحًا حية تحت الركام، لذا لا ننتظر مساعدتنا بعد شهر لم تلتفت السلطة للتعويض عن خسائرنا الفادحة، بينما أموالنا تحتجزها بالمصارف".

في هذا الوقت تستمر عملية البحث تحت أنقاض مبنى مار مخايل، أما راغدة التي تتنقل كل ليلة للنوم عند أحد أقاربها بعد أن صار منزلها غير صالح للسكن، فتعتبر أن ما عجزت السلطة نفسها عن فعله خلال العقود السابقة، "لن تحققه حتما في غضون 3 أشهر".

المصدر : الجزيرة