أقر تسهيلات شكلية.. هل خاف نظام السيسي من الاحتقان الشعبي ضد قانون التصالح؟

حملات ازالة واسعة للعقارات المخالفة داخل القرى والمحافظات بمصر- الجزيرة نت (1)
الأيام الماضية شهدت عمليات هدم لمن تقاعس عن دفع الغرامة المطلوبة (الجزيرة)

لم يخفف خروج رئيس الحكومة المصرية في مؤتمر صحفي مفاجئ للحديث عن أزمة هدم البيوت المخالفة مخاوف المصريين، حيث بدا أن الرجل يريد فقط امتصاص الغضب الشعبي عبر سلسلة تسهيلات شكلية في معظمها.

فقد تحدث مصطفى مدبولي عن تخفيض في الغرامات المطلوبة من أجل التصالح (التغاضي عن المخالفة وعدم الهدم)، مؤكدا أن على السلطات المحلية في المحافظات أن تراعي البعد الاجتماعي عند تقدير رسوم التصالح، كما تحدث عن الموافقة على التصالح بمجرد التقدم بالطلب حتى إن كان غير مرفق بالمستندات المطلوبة، مع إعطاء مهلة شهرين لتسليم هذه المستندات.

واشتعل الغضب في مدن وقرى مصرية خلال الأسابيع الماضية بعدما بدأت السلطات حملة قالت إنها لهدم المباني التي تم بناؤها بشكل مخالف للقانون، ومنحت المخالفين مهلة حتى نهاية سبتمبر/أيلول، لإجراء مصالحات مع الدولة تشمل دفع مبالغ باهظة لتجنب الهدم.

وتحدث نشطاء عن توجيهات من السلطة بالإسراع في هدم بعض المنازل من أجل إجبار المواطنين المخالفين -وهم بمئات الآلاف وربما الملايين- على الإسراع بالتصالح الذي يعني دفع مبالغ مالية باهظة.

وظهر الرئيس عبد الفتاح السيسي كمحرك أساسي لحملة الهدم والغرامات، وحث المسؤولين المحليين وقادة الأمن علانية على ترك مناصبهم إذا لم يكونوا قادرين على أداء المهمة، كما تحدث عن استعداده لنشر الجيش في القرى لهذا الغرض، مستخدما وصف "إبادة"، قبل أن  يستدرك ويعدله إلى "إزالة".

وعجت مواقع التواصل بمشاهد لمنازل يتم هدمها في مدن وقرى مصرية، وتبع ذلك خروج احتجاجات في مناطق عدة، بينها الإسكندرية ثاني أكبر المدن المصرية، حيث اعتبر المحتجون أن السلطة تريد جباية الأموال فحسب، وأنه لو كانت هناك مخالفة في البناء فالمسؤول الأول هو السلطات المحلية التي سمحت به.

وعلى مدى الأيام الماضية لم يكن هناك صوت يعلو فوق صوت شكوى المواطنين من الهدم وحديث السلطة عن "التصالح والدفع"، وبات مئات الآلاف من المتضررين من هذه القرارات قابعين داخل بيوتهم خائفين من هدم منازلهم وعاجزين في الوقت نفسه عن تدبير الأموال المطلوبة لتفادي غضب السلطة.

وينقسم المتضررون من قانون التصالح إلى نوعين، الأول منزله مهدد بالهدم حال عدم دفع تكلفة التصالح، والنوع الآخر معرض للإزالة بالفعل كون العقار الخاص به غير مسموح بالتصالح معه وفق الشروط المحددة من قبل المحليات، والتي من بينها السلامة الإنشائية للعقار، وعدم البناء داخل أرض ملك للدولة، وألا يكون البناء قد حدث بعد 22 يوليو/تموز 2017، وهو آخر تاريخ للتصوير الجوي للمخالفات التي يتم التصالح بشأنها.

"مش هنسيب بيوتنا" عبارة تردد صداها مؤخرا داخل المحافظات التي بصدد تنفيذ إزالة بها، فمع اتجاه آلة الهدم التي تحملها المحليات لإزالة العقارات المخالفة في مناطق متفرقة بمصر خرجت حشود غاضبة لتتصدى للسلطات المحلية المتجهة لهدم المنازل.

وظهر ذلك في أكثر من محافظة، حيث خرج الأهالي ليستقبلوا لجان الإزالة بالحجارة مدافعين عن منازلهم خوفا من هدمها وتعرضهم للتشريد، الأمر الذي أدى لتراجع لجان الإزالة، وهو ما وثقته مقاطع فيديو عبر مواقع التواصل داخل قرية سرياقوس ومنشأة البدوي وطلخا بالقليوبية وفي قرية طنسا ببني سويف وفي منطقة المنشية بالإسكندرية التي اشتعلت فيها مظاهرات بهتافات حملت في طياتها دلالات بحالة الاحتقان، حيث طالب الأهالي برحيل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن الحكم قائلين "ارحل" و"مش عايزينه".

 

في المقابل، تتحدث السلطة عن تضرر الدولة من البناء المخالف وفقدان مليارات الجنيهات بسبب سرقة التيار الكهربائي وزيادة الضغط على المرافق والتأثير على الزراعة بعد فقدان 90 ألف فدان من الأراضي الزراعية، وفوق ذلك كله إصلاح أخطاء الماضي المتمثلة في حالة التسيب بالمحليات والبناء بلا تراخيص وفق تصريحات رئيس الوزراء وحسب المتحدث الرسمي للحكومة نادر سعد الذي اعتبر أن قانون التصالح "تكفير عن أخطاء الحكومات المتعاقبة والإدارات المحلية السابقة".

 

" كان من الضروري التركيز على البعد الاقتصادي والاجتماعي للقضية في ظل ارتفاع الأعباء الاقتصادية على كاهل المواطن، خاصة داخل القرى وفي ظل انتشار فيروس كورونا وتبعاته الاقتصادية المؤثرة"، هكذا يقول استشاري تطوير المحليات الدكتور حمدي عرفة، مؤكدا على أهمية الإجراءات الحكومية التي تخفف معاناة المواطن امتصاصا لغضبه، خاصة في القرى الفقيرة التي تفتقد لأبسط الخدمات الأساسية، وهو ما جعل القانون مثيرا للجدل مؤخرا.

وأكد عرفة على أنه إلى جانب الاتجاه لتخفيض سعر المتر داخل بعض المحافظات فإن هناك ضرورة لإعادة النظر في نظام التقسيط المتبع، على أن يتم تسهيل سداد مبالغ المخالفات على فترة أطول بدلا من 3 أعوام، خاصة بالنسبة للحالات المتعثرة ماديا.

لكن عرفة رأى -خلال تصريحاته للجزيرة نت- أن منع مخالفات البناء أمر مطلوب، وهو ما يأتي في ظل ارتفاع الكثافة السكانية بمصر وانتشار البناء المخالف، مما يعني مزيدا من الضغط على الخدمات غير المخططة والتأثير عليها، إلى جانب التأثير على الاقتصاد والأمن الغذائي المصري لاتجاه الفلاحين إلى البناء على أراضيهم الزراعية.

وحدد قانون التصالح رقم 17 لسنة 2019 قيمة التصالح من 50 جنيها للمتر الواحد وحتى ألفي جنيه وفق سلطة ورؤية المحافظ، ويعني ذلك أن من يبني منزلا من طابقين على مساحة 100 متر مربع سيكون مطالبا بدفع غرامة تصالح تتراوح بين 10 آلاف و400 ألف جنيه.

يذكر أن هناك نحو 3 ملايين عقار تحت طائلة "قانون التصالح" الذي يخير المواطنين بين دفع أموالهم أو فقدان مساكنهم، وسط حملات الغضب التي لم تقتصر على المظاهرات بالشارع، وإنما طالت الفضاء الإلكتروني لتتصدر العديد من الوسوم مثل "#لا_لقانون_التصالح"، و"#معناش_فلوس" وغيرها.

فساد حكومي

وبحسب المحامي في النقض والدستورية العليا وائل السيد، فإن "القضية تنطوي على فساد حكومي يدفع المواطن المصري ثمنه رغم أن الدولة ارتضت من البداية بالبناء المخالف ضمنيا حينما كانت قد فرضت أموالا كبيرة على الكثير من أصحاب العقارات الذين أجرت لهم مقايسات كهرباء ومياه وغاز طبيعي".

ولفت السيد إلى أن قانون مخالفات البناء تمت شرعنته رغم عدم دستوريته من أجل الجباية والحصول ضرائب من المواطن المغلوب على أمره، فهو متناقض مع مادة رقم 90 من الدستور المصري والتي تنص على أنه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون".

وأوضح أن القانون يشوبه عوار دستوري، لأن المخالفة تعد جنحة والجنحة تسقط مع الأحكام المترتبة عليها قانونا بعد مضي 5 سنوات من الحكم النهائي الحضوري و3 أعوام للغيابي، كما أنه لا يجوز قانونا معاقبة الشخص مرتين، فالدولة عاقبت في بعض الحالات بالغرامات المقاول، مثل غرامة قيمة الأعمال المنفذة، وهي قيمة غرامة ومصالحة.

وتساءل السيد: كيف يمكن لدولة تطبق القانون أن تنفذ قانونا بأثر رجعي على مخالفات قديمة منذ عام 2007 بحجة تصحيح أوضاع على الرغم من أن تلك المخالفات تمت تحت مرأى ومسمع الدولة دون رقيب على المقاولين وملاك العقارات.

المصدر : الجزيرة