أربعة عوامل تعرقل إصلاح الشرطة الأميركية

Protests Against Police Brutality Over Death Of George Floyd Continue In NYC
الاحتجاجات ضد عنف الشرطة مستمرة في المدن الأميركية

دفعت استقالة 57 شرطيا من زملاء شرطيَين وجهت لهما اتهامات بالاعتداء إثر نشر فيديو يُظهر عنفهما الشديد تجاه رجل مسن "75 عاما" وإصابته بكسر في مؤخرة الرأس بمدينة بافالو في ولاية نيويورك، إلى طرح تساؤلات حول القوة التي تتمتع بها الشرطة الأميركية.

وتعد استقالة أفراد الشرطة احتجاجا على إيقاف زميليهم ورقة ضغط، كي يتم التراجع عن توجيه اتهامات لهما، أو الحكم ببراءتهما وعودتهما للعمل.

وتتعرض الشرطة الأميركية لجدل واسع حول دورها وطبيعتها، حيث لا يراها البعض كغيرها من أجهزة الشرطة حول العالم، ويطالب آخرون بإصلاحها وتهذيب أفرادها وإقناعهم بأنهم موظفون عموميون يقدمون خدمة عامة مقابل أجر.

ويعتقد الناشط الحقوقي راين نايت في تغريدة له أن ما تشهده الولايات المتحدة "لا يرتبط بلحظة عادية تمر، بل هو بداية حركة لإنهاء قسوة الشرطة وانتهاكاتها المتكررة. حركة لمواجهة أنصار تفوق الجنس الأبيض، وبداية تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية".

لكن الواقع يبدو أكثر تعقيدا، ورصدت الجزيرة نت أربعة عوامل رئيسية تعيق إصلاح أجهزة الشرطة الأميركية على الرغم من تكرار الانتهاكات التي تصل إلى حد قتل رجال شرطة بيض شبابا أو رجالا سودا في حالات كثيرة وعدم الحكم عليهم بعقوبات تتناسب مع حجم هذه الانتهاكات.

 

أولا: قوة الاتحادات العمالية لأفراد الشرطة

يتمتع رجال الشرطة بدعم غير محدود من الاتحادات العمالية المهنية الخاصة بهم. ولا يقتصر دور تلك الاتحادات على ضمان حصول أفراد الشرطة على أجور مرتفعة أو برامج تأمين صحية مميزة ومزايا مادية كغيرها من الاتحادات العمالية، بل تضغط على السياسيين والقضاء من أجل معاملةٍ أفضل لأفرادها، على خلفية خطورة المهام الملقاة على عاتقهم.

وتربط اتحادات الشرطة علاقات طيبة بالحزبين الرئيسيين، وتقليديا يتودد الديمقراطيون للاتحادات العمالية لأهداف تصويتية انتخابية صرفة، في حين يُقدم الجمهوريون على دعم التشريعات الداعمة لأفراد الشرطة والأجهزة الأمنية بصفة عامة.

وعقب حادثة مقتل جورج فلويد، تلقى الكثير من قادة أجهزة الشرطة رسائل من الاتحادات المهنية تطالبهم بعدم التحدث عن عملية القتل ذاتها، والتركيز على السجل الإجرامي لفلويد.

من ناحية أخرى، تحد الاتحادات العمالية من قدرة رؤساء أجهزة الشرطة على إقالة أي شرطي أو وقفه عن العمل حتى بعد اقتراف انتهاكات كبيرة.

وذكرت تقارير إخبارية أن الشرطي المتهم بقتل جورج فلويد قُدمت ضده 17 شكوى خلال سنوات عمله كشرطي، ولم يتم عقابه أو وقفه عن العمل.

ثانيا: الطبيعة اللامركزية للشرطة الأميركية

الشرطة في جوهرها لا مركزية في الولايات المتحدة، ويتوزع ما يقرب من ثمانمئة ألف شرطي أميركي على أكثر من 18 ألف وحدة أغلبها وحدات صغيرة العدد.

وتشرف الحكومة الفدرالية على عدد محدود من أجهزة الشرطة عبر وزارة العدل ووزارة الأمن الداخلي من أهمها "أف بي آي" (FBI) وإدارة السجون الفدرالية، ولا يتخطى عدد المنتمين للحكومة المركزية مئة ألف شرطي.

وينتمي أغلب أفراد الشرطة للولايات ووحداتها المحلية، وهناك رئيس للشرطة في كل مدينة يعيّنه العمدة المنتخب، وتنتخب بعض المقاطعات مأمور الشرطة بطريقة مباشرة.

ويعرقل تفتيت أجهزة الشرطة الأميركية فرض أي معايير إصلاحية على المستوى القومي، ويترك للولايات والوحدات المحلية استقلالية تدريب أفرادها وترتيب أوضاعها.

ثالثا: عسكرة الشرطة وحق حمل السلاح

يشتكي الكثير من المنظمات الحقوقية من طبيعة تدريب أفراد الشرطة التي تركز على مواجهات عسكرية على حساب كيفية التعامل في الأزمات المختلفة دون الحاجة لاستخدام السلاح.

وتساهم وزارة الدفاع "البنتاغون" في عسكرة الشرطة الأميركية من خلال مدها المستمر بمدرعات وبنادق وقاذفات قنابل وذخيرة زائدة على حاجتها، ثم تقديم تدريب عسكري لأفراد الشرطة على استخدام هذه الأسلحة.

وتدفع تجهيزات الشرطة العسكرية إلى قيامها بعمليات يراها المواطنون ذات طبيعة عسكرية، وهو ما يسهم في فقدان الثقة بين الشرطة والمواطنين خاصة أبناء الأقليات.

ويرتبط بهذا العامل من جهة أخرى، أن الشارع الأميركي مدجج بالسلاح بسبب التعديل الثاني في الدستور الذي يحظر أي تشريع يحدّ من قدرة المواطن على امتلاك أسلحة.

وتشير بيانات حكومية لامتلاك 132 مليون أميركي لأكثر من 383 مليون قطعة سلاح ناري من مسدسات وصولا لبنادق آلية.

ويزيد ذلك من خطورة عمل رجال الشرطة، حيث قُتل منهم 2455 خلال الفترة بين عامي 2000 و2014، أي بمتوسط قتل ثلاثة أفراد شرطة أسبوعيا، وهو ما يُصعّب من دعوات الإصلاح.

رابعا: غياب الرغبة السياسية الجادة

في تعقيبه على حادثة قتل فلويد، تنبأ الرئيس السابق باراك أوباما بأن ما تشهده الولايات المتحدة سيكون بمثابة "صحوة سياسية لتوحيد البلاد حول العدالة العرقية وإصلاح الشرطة".

وخلال السنوات الثماني من وجوده في البيت الأبيض، لم يستطع أوباما أن يدفع بإصلاحات جذرية تجاه ممارسات الشرطة الأميركية حيث عرقل الجمهوريون دعواته الإصلاحية.

ويدفع تصويت السود الأميركيين بنسبة مرتفعة للحزب الديمقراطي، تتخطى الـ90%، لانخفاض حماس المشرعين الجمهوريين تجاه قضية غير مهمة لناخبيهم البيض بالأساس.

وأتبع ساسة جمهوريون خُطى الرئيس دونالد ترامب في إلقاء اللوم على عناصر فوضوية من تنظيم "أنتيفا"، بدلا من تحميل الشرطة مسؤولية الفوضى التي أعقبت قتل فلويد.

ومن المنتظر أن تبحث عدة لجان في مجلسي الكونغرس عدة مقترحات لإصلاح استخدام الشرطة للقوة، لكن ومع قرب حلول موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، لا يعول الكثير على تبني أي إصلاحات جادة خلال عام 2020.

المصدر : الجزيرة