صيادو آتشيه.. على الموعد لركوب الخطر وإنقاذ الروهينغيين من الغرق

منذ نحو 12 عاما وهذا والمشهد يتكرر في المياه القريبة من إقليم آتشيه الإندونيسي، صيادون يعثرون على قارب خشبي تعطل محركه وتتلاطمه الأمواج ويوشك على الغرق.

المرة الأخيرة كانت في ظهر الأربعاء الماضي في مضيق ملاقا الواقع بين ماليزيا وإندونيسيا، وعلى متن القارب 94 لاجئا روهينغيا من بينهم 15 رجلا فقط والبقية نساء وأطفال.

لم يتردد الصيادون في سحب القارب إلى المياه الإقليمية لمحافظة آتشيه الشمالية وإبعاده عن خطر الغرق.

وتأتي عملية الإنقاذ بعد ترقب المنظمات المهتمة بالشأن الروهينغي لقوارب وسفن تسربت أخبار عن إبحارها خلال الشهرين الماضيين.

موقف شعبي
واللافت هذه المرة أن حديث بعض المسؤولين الإندونيسيين المحليين ظهر بشكل مغاير عن الموقف المعتاد سابقا، إذ ظهرت تصريحات عن إمكانية إعطاء اللاجئين شيئا من الزاد ودفعهم إلى المياه الدولية ثانية بحجة الخوف من نقلهم لفيروس كورونا رغم أنهم قضوا أسابيع في البحار.

واستمر الموقف الرسمي في التذبذب وعدم الوضوح حتى مساء الخميس، مما دفع الصيادين إلى الاحتشاد عند الشاطئ وسحب القارب وإنزال من فيه بمساعدة بعض المواطنين.

ثم تابعت السلطات إجراء فحوص سريعة لهم للتأكد من خلوهم من فيروس كورونا، قبل نقلهم إلى أحد المباني الحكومية في المحافظة الليلة الماضية.

وبدأت الجهات المعنية توزيع الغذاء والملابس ومستلزمات الحياة اليومية عليهم، إلى حين اتخاذ قرار بشأن تحديد مكان آخر لإقامتهم والتواصل مع الحكومة المركزية والمفوضية السامية للاجئين ومنظمة الهجرة الدولية وغيرها من الجهات المعنية، للتعامل مع بقائهم خلال الفترة المقبلة.

وقد ثمنت منظمة العفو الدولية الموقف الإنساني والتضامني لصيادي آتشيه، وقال عثمان حميد المدير التنفيذي لمكتب المنظمة في إندونيسيا إن سكان آتشيه سعوا جاهدين وخاطروا لإنقاذ حياة النساء والأطفال، وذكر بموقف سكان آتشيه عندما استقبلوا أعدادا كبيرة من الروهينغيين في موجة نزوح شهدها عام 2015، وفي المحافظة الشمالية نفسها من إقليم آتشيه

وقال حميد في بيان للعفو الدولية "القانون الدولي يوجب على الحكومات ضمان الحقوق الإنسانية للاجئين الذين يصلون إلى شواطئها، ومبدأ عدم الإعادة القسرية يلزم الدول بعدم إرجاع أحد إلى المكان الذي سيتعرض فيه لخطر الاضطهاد أو لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وهو مبدأ أساسي في الحماية الدولية لللاجئين".

لا تعيدوا الروهينغا للبحر
وكانت جمعية سواكا الإندونيسية للدفاع عن حقوق اللاجئين من أوائل من طالبوا بعدم إرجاع اللاجئين الروهينغا إلى البحار.

وقالت رزقا أرغاديانتي رحمة رئيسة الجمعية في حديث للجزيرة "لا أحد يريد أن يتوسع انتشار فيروس كورونا، لكن الوباء ليس مسوغا لرفض تقديم العون الإنساني، هناك من يحتاج إلى العون ونحن قادرون على تقديمه، وإندونيسيا مؤهلة لذلك".

وأشارت رزقا أرغاديانتي إلى تجربة إندونيسيا السابقة خلال عام 2015 وما بعدها، حيث قدمت لأعداد كبيرة من الروهينغا المساكن والخدمات وحتى شيئا من التعليم المؤقت.

شعب في المهجر
يذكر أن أقلية الروهينغا المسلمة تتعرض لقمع وإبادة وتهجير في إقليم أراكان بشمال ميانمار، مما أرغم الغالبية على العبور إلى بنغلاديش المجاورة أو ركوب البحر بحثا عن الأمان في أي بقعة أخرى من العالم.

وهناك أكثر من مليوني روهينغي في الخارج بينهم 1.2 مليون نسمة بعضهم يقيم في مخيمات اللجوء ببنغلاديش في حين يتوزع العدد الباقي بين باكستان وماليزيا والسعودية والإمارات والهند وعدد من الدول الغربية.

وفي المقابل تتفاوت التقديرات حول أعداد من بقي منهم في ميانمار، إذ تقول بعض المصادر إن إقليم أراكان يضم حاليا ما بين 600 ألف و800 ألف روهينغي.

ويعرف عن اللاجئين الروهينغا أنهم يبحرون من الساحل الغربي لولاية أراكان، أو من سواحل قريبة من مخيمات اللاجئين الروهينغا في بنغلاديش.

وفي كلتا الحالتين، عنوان الرحلة الهروب من أوضاع معيشية لا تتغير وتزداد سوءا إلى ما يمكن أن يغير حياتهم نحو الأفضل، رغم المخاطرة في بحر "أندامان" قبالة سواحل تايلند وماليزيا الغربية، باتجاه الجنوب.

وإذا لم يقدروا على الدخول إلى الأراضي الماليزية أو التايلندية، ودفعت بهم الأمواج جنوبا تتحول وجهتهم إلى سواحل إندونيسيا.

وحسب شهادات الروهينغيين الناجين فإن شبكات التهريب والاتجار بالبشر تستغل حاجتهم للهرب، فتعرض عليهم الإبحار باتجاه دول مجاورة، مقابل مبالغ قد يدفعونها على مراحل، وكثيرا ما يفقد بعضهم حياته في هذه الرحلة الشاقة، مع قلة الزاد من طعام أو شراب لأسابيع أو لأشهر.

وربما جرى تبديل قواربهم وتغيير وجهتهم وابتزازهم بالطريق، وحتى الاعتداء على نسائهم وقتل بعضهم، حسب شهادات الناجين.

المصدر : الجزيرة