كبار السن في بريطانيا.. بين شبح كورونا والوحدة القاتلة

بريطانيا/ 1.5 مليون مسن وفقير محجور عليه في المنزل يشكون الوحدة
مجموعة من المتطوعين أثناء تنظيم المساعدات (الجزيرة)

أيوب الريمي-لندن

وحيدون في مواجهة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) الذي أدخلهم في عزلة تامة، خوفا من الوباء الذي يفتك بمن هو في سنهم.. لا مؤنس يخفف عنهم، والكل يبحث عن خلاصه الفردي.. ذاك هو حال كبار السن في بريطانيا بعد أن فرضت عليهم الحكومة التزام البيوت وعدم مغادرتها.

وزاد تسليط الضوء على هذه الفئة التي يقدر عددهما بنحو 1.5 مليون شخص، بعد أن كشفت الحكومة أن عدد الوفيات في دور الرعاية بالآلاف، إضافة إلى حديث عن نية الحكومة مواصلة فرض الحجر على هذه الفئة إلى نهاية الشهر المقبل.

وحاول عدد من مراكز التسوق فك العزلة عن هذه الفئة عبر إعطائهم الأولوية في خدمات توصيل الأغذية، كما تعهدت وزارة الصحة بأن توصل لهم الأدوية، لكن يبقى الإشكال في أن من بين هؤلاء من يعيش لوحده، ولا يتواصل معه أحد حتى هاتفيا.

وضمن العمل التطوعي للجاليات المسلمة، رافقت الجزيرة نت عددا من الشباب البريطاني من أصول عربية تطوعوا لإيصال الأغذية والأدوية إلى عدد من كبار السن.

‪أحد المتطوعين أثناء توزيع المساعدات‬  (الجزيرة)
‪أحد المتطوعين أثناء توزيع المساعدات‬  (الجزيرة)

 

الحديث بات حلما
يطرق المتطوعون باب أبي محمد الرجل الثمانيني الذي قضى 45 عاما من حياته في بريطانيا، والذي يعيش لوحده بعد وفاة زوجته.. بخطى متثاقلة يفتح الباب ويظهر بكمامة محاولا قدر الإمكان ترك مسافة، ليفسح المجال أمام الشباب لإدخال ما أحضروه له من مواد غذائية تكفيه لأسبوعين.

يروي أبو محمد بأسى بدا واضحا في عينيه "المرض وما يشاع عنه لا يخيفني، لكن ما يؤلمني بشدة هو فراق الأهل والأصحاب، وتلك الريبة الممزوجة بالشفقة التي تلمحها في عيون من يقترب منك".

ويضيف بلوعة "في هذا العمر تحتاج إلى الإحساس بوجود آخرين معك، وأن ترى العالم الذي صنعته لسنوات يدب بالحركة حولك".

وعما يصفها بالوحدة القاتلة، وهو من خبرها بشدة منذ بداية الحجر الصحي، يقول "أحيانا تمر خمسة أيام أو ستة لا أتحدث فيها مع أحد.. لم يعد لي أسرة، وحتى الأصدقاء بعضهم إما معزول مثلي أو مشغول مع أسرته لتدبير شؤون هذه الأزمة".

ولا يخفي أبو محمد أن زيارات المتطوعين لبيته هي ما يخفف عليه وحشة البيت، قائلا "أحاول الاتصال بالخطوط التي خصصها عدد من المساجد للحديث مع الإمام أو أي مستشار نفسي، فقط لأنسى ما أنا فيه من عزلة".

ولم تقتصر جولة توصيل المساعدات على كبار السن من أصول عربية، وإنما حملتنا الجولة إلى منزل كريس الذي اقترب من عقده التاسع، وهو مواطن بريطاني، وله ولدان يعيشان خارج البلاد.

"وأخيرا بشر يطرقون بابي".. بهذه العبارة التي تمزج السخرية بالحزن، استقبلنا كريس الذي أكد أن وباء كورونا آخر ما كان يريد أن يعيشه، ليس بسبب الفيروس نفسه، ولكن بسبب الحجر الصحي.

يقول بحزن شديد "لا أحد يزورني ولا أستطيع الخروج حتى للمشي وإلقاء التحية على المارة.. أشعر كأنني أعيش في كهف وسط غابة مهجورة".

لا يخفي كريس دموع التأثر وهو يصف ما يكابده في أيام كورونا الثقيلة، ويقول بلوعة "أنتظر بفارغ الصبر موعد وصول فريق المتطوعين ليحضروا الأدوية التي أحتاجها وبعض الأطعمة، وذلك فقط حتى أجد من أحدثه ولو لدقائق.. حتى الجيران اختفوا.. الجميع يغلق عليه منزله، وأصبحوا يتحاشون الاقتراب مني، وأنا أتفهم ذلك فهم لا يريدون نقل العدوى إلي، ولكن أنا إنسان وأحتاج أن أشعر بأنني محاط بالناس".

لم يطل الحديث مع كريس رغم إجراءات السلامة وتطبيق التباعد الاجتماعي، فالاحتياطات الصارمة التي يتبعها فريق التطوع تجنبا لأي تواصل مباشر مع كبار السن، تفرض عدم المكوث طويلا بعد وضع الأغذية والأدوية.

‪جانب من بعض المساعدات الغذائية‬  (الجزيرة)
‪جانب من بعض المساعدات الغذائية‬  (الجزيرة)

يحتاجون الاهتمام
مدير نادي "بارك رويل" خالد عمر له أيضا تجربة رائدة في مساعدة كبار السن، استرعت اهتمام وسائل الإعلام البريطانية، لما لها من أهمية.

يحكي خالد للجزيرة نت كيف أن بعضا من كبار السن يبكون بمجرد أن يصلوا إليهم، لأنهم لا يرون الناس إلا مرة في الأسبوع وربما أكثر.

وكشف في حديثه أنه إضافة إلى الحاجيات الغذائية للكثير من كبار السن، فإن ما يحتاجونه أكثر هو التواصل، مضيفا "لهذا وضعنا خطا ساخنا مفتوحا دائما نتلقى عبره الاتصالات، وهناك من يتصل لا يريد غذاء ولا دواء، بل يحتاج فقط من يتحدث معه ويقضي معه بعض الوقت في الهاتف".

ومن خلال تجربته مع العشرات من الحالات، يكشف خالد أن "الكبرياء يدفع بعض كبار السن لعدم الكشف عن حاجاتهم ويلوذون بالصمت، لهذا نتواصل مع رؤساء الجاليات لأنهم أدرى منا بمن يحتاج المساعدة".

ويحاول نادي "بارك رويل" -على غرار عدد من المؤسسات الخيرية- أن يفك العزلة عن كبار السن، فالحكومة حسب خالد عمر "قد انشغلت عن هذه الفئة، وكثيرون منهم موجودون في السجل الطبي الحكومي، ومع ذلك لا يمكن لحد الآن تقديم المساعدة الطبية لنحو 1.5 مليون شخص".

المصدر : الجزيرة