مقال بأوريان 21: العرب السنة لم يعودوا يمثلون سوى نصف سكان سوريا

Syrian flag flutters at a military check point in al-Khalidiya area, in the government-controlled part of Homs, Syria, September 18, 2018. In the al-Khalidiya district of Homs, retaken by the government in 2013, after heavy army bombardment and air strikes, the slow nature of recovery is clear. Much of the neighbourhood is a ghost town, uninhabited and closed by the army. REUTERS/Marko Djurica SEARCH
علم النظام االسوري يرفرف على أنقاض حي الخالدية بحمص بعد تدميره وتهجير أهله (رويترز)
 بعد تسع سنوات من نشوبها، غيّرت الحرب في سوريا طبيعة التركيبة السكانية للبلاد بشكل كبير، ولم يعد العرب السنة يمثلون سوى نصف السكان يعد أن كانوا الأغلبية.

وإذا كان ذلك يرجع إلى عدد اللاجئين والنازحين الكبير من هذه المجموعة، فإنه يعود أيضا إلى إستراتيجيات نابعة من نهج طائفي في هذا النزاع.

هكذا لخص بيير إيف بايي في مقال له بموقع "أوريان 21" ما آل إليه الصراع في سوريا بشريا، عازيا ذلك إلى إستراتيجية طائفية استفادت من الحرب التي قامت على أنقاض الثورة السورية.

وقال الكاتب إن قمع نظام الرئيس بشار الأسد الشديد للمظاهرات في درعا، وما أسفر عنه من قتل عام 2011؛ كان الشرارة التي أشعلت سوريا لما يقرب من تسع سنوات، وأدت بسبب ما خلفته من انعدام الأمن إلى انسحاب طائفي، تفاقم وتم استغلاله من قبل المتحاربين، كما زاد من حدته إشراك أطراف خارجية، لا سيما تركيا وإيران.

واتهم الكاتب أنقرة بطرد الأكراد واستبدالهم بالمليشيات التابعة لها في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

كما تستخدم طهران –حسب الكاتب- "وكلاء" شيعة من دول المنطقة ومن أفغانستان وباكستان لزيادة عدد المقاتلين، وأيضا لتغيير التركيبة السكانية في مناطق معينة، عبر منحهم إمكانية البقاء في سوريا؛ وبذلك يعيد النظام تصميم توزيع السكان بما يضمن له وجود مؤيدين للسلطة، أو من يعتمد عليهم في مناطق رئيسية في سوريا.

سياسات الأسد الأب

وقال بايي إن الطائفية متأصلة في نظام الدولة الذي بناه الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، حيث أخذ طائفته العلوية عند توليه الرئاسة رهينة وربطها بسلطته وأجهزته الأمنية، كما تألف مجموعة من التابعين مع الأغلبية السنية باستخدام سياسات "العملاء" لتأمين دعمهم، وفعل الشيء نفسه مع الأقليات القومية الأخرى، مذكرا إياها بانخفاض وزنها الديموغرافي مقارنة بالأغلبية السنية.

وتابع بشار الأسد إستراتيجيات والده، بالاعتماد على جزء من البرجوازية السنية دون إهمال طائفته التي يتراوح عددها بين مليونين ومليونين ونصف، أي بين 9 و11% من السكان السوريين، وشكلت حضورا قويا في جهاز الدولة ومليشيات الشبيحة، خاصة بعد صعود تنظيم الدولة الإسلامية.

 
واستخدم الأسد -حسب فابريس بلانش في مقاله "جغرافية الثورة السورية"- سياسات "العملاء" وتعديل أساليب القمع من أجل تفتيت المجتمع السني وتعزيز ظهور الجهاديين المدعومين من الخارج للضغط على المعتدلين، وبالتالي توفير فرصة لوصف صعود "التطرف السني" بأنه تهديد لكل الأقليات.

ومع أن الأكراد لا يمثلون إلا نحو 11% من السكان، فقد سعى النظام إلى إيجاد أرضية مشتركة معهم، وعقد اتفاقا مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بعد أن لم يتمكن أي من الأحزاب الكردية من التوصل إلى اتفاق مع المعارضة السورية الممثلة في المجلس الوطني السوري.

 
أما الدروز فيعيشون بشكل رئيسي في محافظة السويداء، ويمثلون نحو 3% من السكان، وانضم جزء منهم في بداية الانتفاضة إلى المتظاهرين للمطالبة بمزيد من الحريات، إلا أن إستراتيجيات الحكومة السورية والتهديد المتزايد لما تسميه "التطرف السني" وضعت حدا لمطالبهم، كما يقول الكاتب.
 
وبالفعل انضم الدروز والمسيحيون في منطقتي جرمانا وشانيا في دمشق إلى قوات الأسد لمحاربة الثوار بين عامي 2012 و2013، كما نشط الدروز في جهاز الدولة، وشكلوا مليشيات للدفاع عن النفس لحماية طائفتهم، باستثناء الدروز المقيمين شمال إدلب، الذين يدعمون الثورة، ولكنهم لا يحملون السلاح.

أما بالنسبة للمسيحيين -الذين يبلغ عددهم نحو مليونين، والذين تختلط فيهم الأعراق- فهم نشيطون جدا في حزب البعث السابق، ولديهم علاقة وثيقة مع آل الأسد، حتى إن رئيس أساقفة حلب الملكيين المونسنيور جانبرت، يقول إنه "قلق للغاية على المسيحيين من عواقب الإطاحة بنظام الأسد".

قضية الشيعة

في سوريا، يمثل الإسماعيليون والشيعة الاثنا عشرية نحو 2 أو 3% من السكان، وقد شارك بعض الإسماعيليين في مظاهرات ضد النظام، ولكن الخوف المتزايد من "الإسلاميين" قادهم في النهاية إلى موقف الحياد، بل والتعاطف مع دمشق، كما يقول الكاتب.

أما الشيعة الاثنا عشرية الذين ظلوا بعيدين عن السياسية حتى عام 1990، فقد انضموا إلى النظام في وقت مبكر جدا؛ "لكونهم من بين الضحايا الأوائل للجهاديين"، وهم -حسب الكاتب- "أحد الأسباب التي دفعت حزب الله اللبناني للتدخل في سوريا قبل أمر طهران".

وحسب كاتب المقال، فإن هناك مجتمعين صغيرين آخرين في سوريا: هما التركمان (نحو 150 ألفا) والشركس من القوقاز (بين 65 و150 ألفا)، وبفضل هويتهم المرتبطة بالترك، حافظ التركمان على صلة بأنقرة، واستغلتهم جزئيا لتبرير تدخلها في سوريا وتوسيع نفوذها.

في حين ينقسم الشركس إلى فئتين: إحداهما إلى جانب النظام في الأجهزة الأمنية، والأخرى ترغب في العودة إلى وطنها القوقاز، وطلبوا من روسيا حق العودة.

قانون إعادة تصميم البلاد

وأشار الكاتب إلى أن النظام السوري، الذي يخطط لفترة ما بعد الحرب؛ أصدر القانون رقم 10 لعام 2018 بشأن "التجديد الحضري"، وهو يسمح للمؤسسات المحلية بالاستيلاء على الأراضي الخاصة واختيار المناطق التي يجب تجديدها.
 
ورغم تعديل القانون تحت الضغوط الدولية، فإن بعض النقاط فيه لا تزال غير واضحة بشكل يسمح للنظام بإعادة رسم التوزيع العرقي الطائفي للبلاد كما يشاء، خاصة أن الصراع أدى -وفقا للأمم المتحدة- إلى فرار أكثر من 5.6 ملايين لاجئ، ونحو 6.6 ملايين نازح داخليا، معظمهم من العرب السنة الذين هم أكبر الطوائف وأكثرها تأثرا بالحرب والقمع.

ويرى الكاتب أن الأرقام المستخدمة في سوريا مجرد تقديرات أعدها الخبراء والمنظمات غير الحكومية، لأن هذا البلد لم يتم فيه إجراء إحصاء جاد منذ فترة طويلة، إلا أن الجميع يتفق على أن الطوائف الأكثر تضررا هي العرب السنة والمسيحيون.

وخلص الكاتب إلى أن التغييرات الديموغرافية جاءت في النهاية لصالح النظام، لأن انخفاض أعداد العرب السنة يزيد النسب المئوية لتمثيل الأقليات، باستثناء المسيحيين وربما الشركس، مما يعزز وضع النظام.

المصدر : أوريان 21