حالة غليان تركية.. خيارات الرد في إدلب

زاهر البيك-أنقرة

تسود حالة غليان في تركيا بعد مقتل 33 من جنودها في ضربة جوية بريف إدلب (شمال غربي سوريا). ويتهم خبراء أتراك روسيا بالوقوف وراء الضربة، مع استبعادهم مواجهة عسكرية مباشرة مع القوات الروسية.
 
وعقب الهجوم الذي وقع مساء الخميس عند قرية "بليون" قرب بلدة "إحسم"، عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اجتماعا أمنيا استثنائيا حضره كل من وزير الدفاع خلوصي آكار، ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، ورئيس الأركان اللواء يشار غولر، ورئيس المخابرات هاكان فيدان.
 
وقال الخبير العسكري التركي أرطغرل بيرقدار للجزيرة نت إن الطائرات التي بحوزة النظام السوري لا تستطيع تنفيذ غارات ليلية واستهداف مواقع أو آليات على الأرض.
 
وأضاف بيرقدار أن النظام السوري لا يملك الجرأة ولا إمكانيات الرصد والاستطلاع الدقيقين والتصرف السريع والآني والإصابة الدقيقة للرتل التركي.
 
وتابع أن سيطرة القوات التركية والمعارضة السورية المسلحة على مدينة سراقب الإستراتيجية، وقبلها مدينة النيرب، وفك الحصار عن النقاط التركية هناك، أثار غضب الروس والنظام فكانت هذه الضربة الجوية المركزة للجيش التركي.

مسؤولية روسيا
وقال بيرقدار إن روسيا تتحمل جانبا من مسؤولية قتل الجنود الأتراك لأنها دولة ضامنة للنظام السوري، واعتبر أن قرار النظام السوري بيدها، كما أن السلاح سلاحها، مشددا على ضرورة تحييدها قبل أي تحرك عسكري تركي.

وأشار إلى أن أنقرة أبلغت فصائل درع الفرات وغصن الزيتون التابعة للمعارضة السورية بضرورة الاستنفار لمعركة إدلب.

ووفق الخبير العسكري التركي، فإن الروس وفي محاولة منهم لتنفيس الغضب التركي، أعلنوا أن الجنود الأتراك كانوا ضمن وحدات للمعارضة السورية، وكان يُفترض ألا يوجدوا في المكان الذي جرى قصفهم فيه، كما ادعوا أن أنقرة لم تبلغ موسكو بمواقع هذه القوات.

وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان لها اليوم الجمعة إن "إرهابيين" حاولوا الخميس شن هجوم كبير على مواقع القوات السورية.

وأضاف البيان أن "مركز المصالحة الروسي" طلب من الجانب التركي على مدار الساعات 24 السابقة لاستهداف الجنود الأتراك في ريف إدلب إحداثيات مواقع جميع الوحدات التركية الواقعة قرب "مناطق العمليات الإرهابية".

لكن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار كذّب التصريحات الروسية، وقال إن الاعتداء على الجنود الأتراك وقع رغم تنسيق الإحداثيات مع الروس، كما أن سيارات الإسعاف التي قدمت لإسعاف الجنود تعرضت للقصف رغم التحذيرات من الجانب التركي.

‪وزير الدفاع التركي خلوصي آكار يتابع في مركز عمليات بولاية هاتاي العمليات العسكرية في إدلب‬ (الأناضول)
‪وزير الدفاع التركي خلوصي آكار يتابع في مركز عمليات بولاية هاتاي العمليات العسكرية في إدلب‬ (الأناضول)

الرد التركي
ويرى الخبير العسكري بيرقدار أن الرد التركي الإستراتيجي سيركز على المزيد من التقدم على الأرض لتحقيق الهدف الذي من أجله انطلقت الحملة التركية الحالية، وهو إبعاد قوات النظام السوري إلى الحدود السابقة، وتثبيت هذا الوضع الميداني، ومن ثم الدخول بهذه الورقة في المفاوضات حول الحل السياسي في سوريا.

ويتوقع أن تكون ليلة السبت حامية الوطيس في مناطق سورية عدة لا في إدلب فقط‬، خاصة بعد توجه طائرات "أف-16" التركية لأول مرة من ديار بكر إلى سوريا تباعا.

ورد الجيش التركي على قوات النظام السوري بقصف مواقع عدة لها، وقال رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألتون إنه "تم استهداف كافة أهداف النظام السوري المحددة بنيران عناصرنا البرية والجوية".

كما أعلن الوزير آكار أن الجيش التركي قصف جوا وبرا أكثر من 200 هدف للنظام السوري بعد "الهجوم الغادر" في إدلب، وأكد أنه تم تحييد 309 عناصر من قوات النظام السوري، وتدمير 5 مروحيات و46 دبابة ومدفعية، ومنظومتين للدفاع الجوي من طراز "أس.أي-17″ و"أس.أي-22".

ونشرت وسائل إعلام تركية -نقلا عن مصادر عسكرية- مشاهد ملتقطة عبر طائرات مسيرة تظهر القصف البري والجوي الذي نفذه الجيش التركي على مواقع النظام السوري في ريف إدلب بداية من فجر الجمعة.

وتظهر المشاهد لحظات استهداف أرتال مدرعات وعناصر متحركة تابعة للنظام السوري، ومواقع تستخدمها قواته كمقرات ومخازن أسلحة.

ما بعد سراقب
من جهته، قال الكاتب الصحفي التركي حقي أتاباش للجزيرة نت إن روسيا اتخذت -فيما يبدو- قرارا بتحويل الأنظار عن النجاح الذي حققته تركيا باستعادة مدينة سراقب الإستراتيجية.

وأضاف أتاباش في حديثه للجزيرة نت أن هذا الإنجاز مثل مفاجأة وصدمة لأطراف عديدة تتجاوز النظام السوري وحليفه الروسي والإيراني، مشيرا إلى ما اعتبره تجاهلا كاملا لوسائل الإعلام الغربية لهذا التطور الميداني رغم كل الفيديوهات التي بثت من قلب سراقب.

وتابع أن قتل الجنود الأتراك يصب في تحقيق هذا الهدف، ويسعى إلى إظهار الكلفة الباهظة للتدخل العسكري التركي في إدلب، وتحميل المسؤولية للرئيس أردوغان وإظهاره كمهزوم.

ولفت أتاباش الى أن قوى أخرى تسعى لتوظيف الحدث للضغط على أردوغان من أجل الرد الشامل حتى لو انزلقت الأمور نحو مواجهة واسعة مع الروس، وهو ما يحاول الرئيس التركي حتى الآن تحاشيه، وفق تعبيره.

ويرى أن الضربة الأخيرة التي استهدفت القوات التركية في إدلب جاءت بعد تأكد روسيا من أن الغرب لن يقف مع تركيا، معتبرا أن فتح أنقرة الأبواب لذهاب اللاجئين نحو أوروبا جاء في هذا السياق.

وأوضح الكاتب الصحفي أن الخيارات محدودة أمام أردوغان، لكنه أشار إلى أن الحكومة التركية تسعى للسيطرة على سيل الأخبار والمعلومات ذات المغزى السلبي على الجمهور التركي.

ورأى أتاباش أنها معركة من الطبيعي وجود خسائر فيها، معتبرا أن ذلك لا يعني أن تركيا وأردوغان في خطر أو أمام منعطف تاريخي.

وذكر أن ترويج موسكو لخبر استهداف تركيا طائرات روسية كان متعمدا استباقا لما وصفها بالضربة الروسية الأخيرة، قائلا إنه لا يمكن لأنقرة أن تنسحب أو تتراجع لأن ذلك يعني تعريض تركيا لمخاطر كبيرة.

المصدر : الجزيرة