الحكومة المصرية تشهر سلاح الدعم لمواجهة الزيادة السكانية

أطفال مصر مدارس تعليم ابتدائي
تخطط الحكومة المصرية لقصر الدعم على طفلين فقط لكل أسرة (رويترز)
حسن المصري-القاهرة
 
يعمل محمد نجارا ليعيل أسرته المكونة من ولدين وأربع بنات، حيث يؤمن مثل كثير من المصريين بأهمية "العزوة" (كثرة الأبناء)، وبأن الإنجاب الكثير سيكون سندا له ودعما لمنزلته ومكانته الاجتماعية بل والاقتصادية فيما بعد.

يقول محمد للجزيرة نت، إنه رجل أرزقي (يعمل باليومية) ويتقاضى من 50 إلى 100 جنيه باليوم (من 3 إلى 6 دولارات)، وأحيانا تنام أسرته دون عشاء بسبب ضعف فرص العمل المتاحة، وهو ما يجعل هناك صعوبة في توفير نفقات أسرته، خاصة في ظل الظروف الحالية المتمثلة في ارتفاع الأسعار وضعف العائد المادي مقارنة بمتطلبات أسرته.

ورغم أن محمد بدأ يشعر أخيرا ببعض الندم على قراره بزيادة الإنجاب بسبب الظروف الاقتصادية، فإن زيادة الإنجاب أمر شائع خاصة بالأرياف ومحافظات صعيد مصر، إذ يسود معتقد بأن العائلة بالأرياف تقوم على التكافل الأسري والاجتماعي الذي يمتد لأجيال، وأن الأبناء خير سند للعائلة، وأن الأرزاق على الله.

في المقابل يشن النظام المصري حربا ضروسا على الزيادة السكانية بدعوى تأثيرها الخطير على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الجمعة الماضية إجراءات للحد من زيادة السكان بقصر تقديم الدعم على طفلين فحسب، سواء بالمقررات التموينية أو بمشروع تكافل وكرامة.

وشدد رئيس الوزراء على أهمية رفع الوعي المجتمعي فيما يتعلق بقضية الزيادة السكانية، مطالبا بتكثيف حملات التوعية من الجهات المختصة والتعاون بينها، والتنسيق مع الجهات الدولية للعمل على تحقيق نجاحات بهذا الملف المهم.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قال في أكثر من مناسبة إن الزيادة السكانية خطر يواجه التنمية، وهو ما جعل حكومة النظام تطلق حملات تنظيم الأسرة، كحملة الحد من الخصوبة المعلنة منذ عامين بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي جرى تخصيص 19 مليون دولار لها بهدف خفض نسب الخصوبة في تسع محافظات بالقاهرة والإسكندرية وصعيد مصر خلال 5 أعوام.

وسبق أن أطلقت حكومة مصطفى مدبولي أيضا حملة "حقك تنظمي" وحملة "2 كفاية" لتشجيع المصريين على الاكتفاء بطفلين فقط وعدم إنجاب المزيد من الأطفال.

وخلال عهد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك دشنت الحكومات المتعاقبة الكثير من الحملات الإعلامية لمواجهة الزيادة السكانية وتحديد النسل، واشتهرت في هذا الصدد مقولات مثل "الراجل مش بس بكلمته الراجل برعايته لبيته وأسرته"، وحملة "حسنين ومحمدين" وحملة "اسأل استشير".

النظام المصري يحمل الزيادة السكانية المسؤولية عن تردي الاقتصاد وغياب التنمية (رويترز)
النظام المصري يحمل الزيادة السكانية المسؤولية عن تردي الاقتصاد وغياب التنمية (رويترز)

خلاف كبير
ويؤيد الكثيرون قرار رئيس الوزراء بقصر الدعم على طفلين لإجبار المواطنين على تخفيض الإنجاب، ومنهم المقرر السابق للمجلس القومي للسكان الدكتور عمرو حسن، الذي يرى ضرورة الحد من الزيادة السكانية في ظل ضعف الموارد الاقتصادية للدولة، معتبرا أن ذلك يزيد الفقر ويقلص العائد من التنمية، بجانب انتشار ظواهر خطيرة مثل عمالة الأطفال والتسول.

ويقول حسن في تصريحاته للجزيرة نت إن "السبب في انتشار ثقافة العزوة هو الجهل وضعف قدرة الحملات التوعوية بالمحافظات على الوصول إلى الأهالي المتمسكين بالإنجاب".

وبحسب آخر إحصائية رسمية صدرت عن جهاز التعبئة والإحصاء المصري، فقد بلغ عدد سكان مصر 100 مليون نسمة، بمعدل مولود تقريبا كل 17.9 ثانية في عام 2019 الماضي فقط، لتكون الزيادة مليون نسمة في 216 يوما.

"الأرقام المعلنة بخصوص عدد السكان تمثل فزاعة مثلها مثل فزاعة الهجرة غير الشرعية يستخدمها النظام للحصول على القروض ومعونات من الخارج، في ظل وجود مواليد غير مرصودة بالقرى والمحافظات والمناطق العشوائية وانتشار الجنسيات الأخرى المقيمة بمصر"، بحسب وائل النحاس المحلل الاقتصادي وخبير الأسواق المالية.

ويؤكد النحاس للجزيرة نت أن حملة تكافل وكرامة حصلت في سبتمبر/أيلول الماضي على منحة بقيمة نصف مليار دولار من البنك الدولي، تحت بند تحسين المعيشة ومكافحة الفقر وقبلها في 2014 تم الحصول على 400 مليون دولار، مؤكدا التضارب في التصريحات في ظل الحديث عن وجود عنوسة بالمجتمع المصري وارتفاع نسب الفقر.

ويضيف المتحدث أن "الدول تنظر إلى السكان باعتبارهم قوة بشرية يمكن استغلالها لتحقيق التنمية واستثمارها لدعم الاقتصاد الوطني، وهو ما لا يتم في ظل قصور الإدارة، فقديما جمع محمد علي والي مصر المتسولين وعلمهم حرفا لينتجوا وازدهرت الصناعة وقتذاك، فما الذي فعله النظام لمواجهة الفقر والبطالة سوى الحديث عن تحديد النسل".

وتساءل النحاس "هل فكر النظام في استثمار القوة البشرية التي تملكها مصر لإيفادها للخارج في ظل الحاجة لأيد بشرية مدربة هناك؟".

من جانبه، يقول الشيخ محمد مجدي للجزيرة نت إنه لم يرد بالقرآن الكريم آيات تدل على منع الحمل أو تنظيم النسل والأسرة، كما لم يرد ما ينص على زيادة النسل أو يحرم منع الحمل، مشيرا إلى جواز تنظيم النسل أي منع الحمل بوقت دون غيره وهو يعني أيضا "العزل"، أي منع دخول ماء الرجل إلى رحم المرأة بما لا يحدث حمل، والذي ورد عن الرسول إباحته.

ويضيف "انقسم الفقهاء إلى فرق، فمنهم من رأى إباحة تنظيم الأسرة أو ما يسمى بالعزل، ومنهم من رأى كراهته ومنهم من حرمه كلية ورأى جمهور العلماء كراهة العزل عموما وجوازه شرط رضا الزوجة".

المصدر : الجزيرة