اغتيال العالم الإيراني فخري زاده.. صمت إسرائيلي يخدم نتنياهو وترامب

تأهب ومناورات للجيش الإسرائيلي على الجبهة الشمالية مع لبنان (الجزيرة)

تواصل الأوساط السياسية الرسمية في إسرائيل التزام الصمت حيال عملية اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، رغم اتهامات طهران لها والتهديد بالانتقام.

يأتي ذلك وسط سجال خفي بين المستوى السياسي والأمني حيال الجدوى من عملية الاغتيال المنسوبة لتل أبيب، في الوقت الذي جدد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، توظيف فزاعة النووي الإيراني قبيل تغير الإدارة الأميركية في البيت الأبيض.

وبمعزل عن التهديدات الإيرانية، وُضع الجيش الإسرائيلي منذ أشهر بحالة تأهب تحولت لمشهد اعتيادي، مع توقع انتقام حزب الله لمقتل أحد عناصره في غارة منسوبة لإسرائيل قبل أشهر على مواقع في دمشق.

تأهب وتقديرات

وتستمر حالة تأهب جيش الاحتلال بالجولان السورية في ظل تصعيد لهجة التهديدات الإيرانية، حيث تم قبل أيام اكتشاف عبوات ناسفة على حدود خط وقف إطلاق النار، وتبع ذلك غارات إسرائيلية بدمشق، وأيضا يتأهب الجيش الإسرائيلي على جبهة قطاع غزة التي تشهد بين الحين والآخر إطلاق رشقات صاروخية على جنوبي إسرائيل تقابل بغارات وقصف مدفعي على القطاع.

وإلى جانب التقديرات الأمنية وتداعيات اغتيال العالم الإيراني فخري زاده على إسرائيل والإقليم، تأتي تقديرات للمحللين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين حيال الجدوى الإستراتيجية من عملية الاغتيال ومعادلة الربح والخسارة لتل أبيب.

وتأتي التحليلات وسط تباين بين الموقف السياسي والعسكري، مما يعكس حالة التخبط الإسرائيلي الرسمي من الملف النووي الإيراني مع انتخاب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة، وذلك رغم الإجماع بأن اغتيال فخري زاده يخدم مصالح نتنياهو بالبقاء على رئاسة المشهد السياسي في حال أجريت انتخابات جديدة.

إيران توعدت برد قاس عقب اغتيال فخري زاده (الأناضول)

صمت ومؤشرات

وحول التداعيات الأمنية والجدل بالمشهد الإسرائيلي حيال اغتيال العالم النووي الإيراني، وما يرافقه من صمت رسمي للمؤسسة الأمنية وحكومة نتنياهو، يعتقد آيال عليمه المحلل العسكري بالقناة الإسرائيلية الرسمية "كان" أن إسرائيل الرسمية تواصل التزام الصمت الكامل فيما يتعلق بعملية الاغتيال، وذلك رغم ما ينشر من أخبار وما يرشح من مؤشرات تشير إلى أن تل أبيب، منفردة أو بتنسيق وتعاون ومشاركة أميركا، تقف وراء العملية.

وأوضح المحلل العسكري، في حديثه للجزيرة نت، أن التقديرات تشير إلى أن إسرائيل هي الجهة الأكثر استفادة من اغتيال العالم النووي الإيراني، وكذلك إدارة الرئيس المنصرف دونالد ترامب، التي لربما كانت على اطلاع بعملية الاغتيال مثلما يروج من اعتقاد وافتراض، وذلك رغم الصمت الرسمي الإسرائيلي.

وحول التداعيات الأمنية والتأهب بجيش الاحتلال لاحتمال أن تتعرض إسرائيل لضربة إيرانية، يرجح المحلل العسكري أن الجيش الإسرائيلي ومنذ فترة طويلة في جاهزية وحالة تأهب، بحيث بات الأمر وكأنه اعتيادي، سواء على الحدود الشمالية مع لبنان، أو على جبهة قطاع غزة أو بالجولان على طول خط وقف إطلاق النار.

رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيفي كوخافي، يتفقد الجبة الشمالية عقب اغيال زاده. - (جميع الصور من تصوير المتحدث العسكري للجيش الإسرائيلي، وصلتني كصحافي مشارك بالبيانات والصور الصادرة عن الجيش للإعلام)
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيفي كوخافي يتفقد الجبهة الشمالية عقب اغتيال فخري زاده (الجزيرة)

جاهزية وتصعيد

وللتأكيد على جاهزية الجيش الإسرائيلي لأي سيناريو تصعيدي، استذكر المحلل العسكري الجولة الميدانية التي قام بها رئيس أركان الجيش أفيف كوخافي، للحدود الشمالية، بعد 48 ساعة من اغتيال العالم الإيراني، في رسالة لطهران مفادها أن الجيش الإسرائيلي يواصل نشاطه وعملياته العسكرية ورصد التحركات الإيرانية والتموضع الإيراني بسوريا.

ورجح المحلل العسكري أن الجيش الإسرائيلي، وقبل عملية اغتيال فخري زاده، واصل عملياته ونشاطه على جبهة الجولان بشكل اعتيادي، بل قام بإجراء تقييمات وموازنة كل الاحتمالات متوقعا كل السيناريوهات، بحيث خلص إلى نتيجة أن إيران لن ترد بشكل فوري ومباشر على أي عملية منسوبة لإسرائيل، ولن تقوم بأي عمل عسكري قد يؤدي لمواجهة شاملة، وبالتالي امتنع عن رفع جاهزية الجيش للدرجة القصوى، رغم تحذيرات الخارجية الإسرائيلية لجميع رعاياها حول العالم من مغبة عمليات إيرانية.

ورغم هذه التقديرات، فإن المحلل العسكري الإسرائيلي يجزم بأن تل أبيب تراقب وترصد وتتابع أين تتجه طهران بملف اغتيال العالم النووي، وتقوم بتحليل استخباراتي للتصريحات والمواقف الإيرانية، مع التشديد على أن الاعتقاد الإسرائيلي الرسمي يؤكد أن إيران سترد على عملية الاغتيال، لكن يبقى السؤال، الذي يحير إسرائيل، هو المكان والتوقيت وطبيعة الرد؟

President-Elect Biden Delivers Thanksgiving Address In Wilmington
توقيت اغتيال فخري زاده مرتبط بالانتخابات الأميركية وفوز بايدن (غيتي)

 

دوافع وتوقيت

من جانبه، يعتقد المحلل السياسي الإسرائيلي عكيفا إلدار أن توقيت اغتيال العالم النووي الإيراني مقرون بحسم الصندوق بالانتخابات الأميركية وفوز بايدن، وكذلك باحتمال توجه إسرائيل إلى انتخابات مبكرة خلال عام 2021، وعليه فإنه ليس صدفة أن الرئيس الأميركي المنتخب كما دول الاتحاد الأوروبي أعربوا عن امتعاضهم بأن تتم عملية الاغتيال بالمرحلة الانتقالية ونهاية ولاية ترامب الذي يحاول أن يبحث عن صورة انتصار بالشرق الأوسط، ويعقد الملفات الإقليمية الحارقة قبل أن يغادر البيت الأبيض.

وأوضح المحلل السياسي، في حديثه للجزيرة نت، أن ترامب -الذي التزم الصمت واكتفى بإعادة نشر تغريدة للمحلل العسكري الإسرائيلي، يوسي ميلمان، تشيد بعملية اغتيال فخري زاده- سار على نهج نتنياهو الذي يتطلع لانتخابات جديدة العام المقبل، وامتنع عن التعقيب على الاتهامات الإيرانية لإسرائيل وضلوعها بعملية الاغتيال، واكتفى بالتغريد بعد ساعات من عملية الاغتيال قائلا "هذا الأسبوع قمت بالكثير من الأعمال، ولا يمكنني الحديث بالتفاصيل عن جميعها".

ولفت إلى أن إسرائيل غالبا ما تمتنع عن الحديث أو التطرق إلى العمليات والاغتيالات التي تنفذ بسوريا والإقليم، وحتى حول العالم، وتنسب للموساد. وأن إسرائيل ستستمر بذات نهج الاغتيال، وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن طهران، التي تواجه أوضاعا اقتصادية صعبة وأزمة كورونا، ستنأى بنفسها عن توجيه ضربة قد تؤدي لمواجهة عسكرية مع تل أبيب، خصوصا وأنها تريد منح بايدن فرصة لتسوية الاتفاق النووي.

Israel imposes nightly curfew on towns and neighbourhoods to stem COVID-19
نتنياهو لا يريد انتظار تولي بايدن مقاليد الحكم (رويترز)

نتنياهو.. بايدن

ورجح المحلل السياسي الإسرائيلي أن رئيس الوزراء لا يريد انتظار تولي بايدن مقاليد الحكم بالبيت الأبيض، وعاد نتنياهو -الذي يواجه ملفات تهم فساد، ويتجه لانتخابات جديدة العام المقبل- لتوظيف الفزاعة الإيرانية لاستمالة الجمهور الإسرائيلي والترويج بأنه هو المنقذ من النووي الإيراني، وعراب التطبيع مع الدول العربية.

وفي ظل خلط الأوراق من قبل ترامب ونتنياهو، ليس من المستبعد كما يقول المحلل السياسي أن "تدفع إدارة بايدن نحو إلزام إسرائيل بالتوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية، وتوظف السلام الإقليمي والتطبيع لإجبار تل أبيب على قبول ذلك، والتوجه لتجريد الشرق الأوسط من السلاح النووي، وهو الطرح الذي أبدت طهران استعدادها لقبوله بولاية الرئيس السابق باراك أوباما الذي تراجع وخضع نهاية المطاف لضغوطات إسرائيل، ويبقى السؤال إذا ما كان بايدن على استعداد لمواجهة نتنياهو لتحقيق ذلك؟".

المصدر : الجزيرة