رغم مخاطرها.. ماذا وراء زيارة السيسي الأولى من نوعها لجوبا؟

سلفاكير في استقبال السيسي أمس بزيارته الأولى لدولة جنوب السودان (رويترز)

طرحت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأولى من نوعها، إلى جنوب السودان، العديد من التساؤلات حول القيام بهذه النوعية من الزيارات النادرة، والمحفوفة بمخاطر أمنية في بلد يعج بالاضطرابات السياسية المسلحة.

الزيارة، التي لم يعلن عنها مسبقا واستمرت ليوم واحد، أمس السبت، شهدت مباحثات ثنائية بين السيسي ورئيس الدولة سلفاكير ميارديت بالقصر الجمهوري في جوبا، أعقبتها جلسة مباحثات موسعة بحضور وفدى البلدين.

على المستوى الرسمي، أكد المتحدث باسم الرئاسة المصرية أن المباحثات تضمنت التأكيد على دور القاهرة في دعم واستقرار جنوب السودان، وتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية المشتركة وكذلك التعاون في مجالات عديدة.

واعتبر السيسي، وفق بيان الرئاسة، أن جنوب السودان امتداد للأمن القومي المصري، مؤكدا دعم القاهرة الكامل وغير المحدود لجهود حكومة جوبا في تحقيق السلام والاستقرار في البلاد.

وتطرقت المناقشات، أيضا، إلى استعراض آخر المستجدات فيما يتعلق بمفاوضات سد النهضة، حيث تم التوافق حول أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ومتوازن حول ملء وتشغيل السد.

ووفق مراقبين ومتابعين تحدثوا للجزيرة نت، فإن زيارة السيسي، غير المسبوقة، إلى جوبا رغم المخاوف الأمنية، لها ما وراءها خاصة أنها تأتي في ظل تعقيدات وتغييرات سياسية في المنطقة مثل: الحرب الداخلية في إثيوبيا، وتعثر مفاوضات سد النهضة.

صحوة متأخرة

الأكاديمي والباحث في الشأن الإفريقي، الدكتور محمد أحمد ضوينا، اعتبر أن زيارة السيسي محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، قائلا "هيمنة إثيوبيا على النيل الأزرق، شريان حياة النيل، من خلال سد النهضة، على حساب الإمداد المائي لدول المصب، وجه ضربة قوية لمصر".

وأشار الأكاديمي في حديثه للجزيرة نت إلى أن الخطوة الاُثيوبية جعلت مصر تخطو بقوة نحو محاولة بناء علاقات إستراتيجية مع دول حوض النيل، لاسيما أن نجاح سد النهضة في تحقيق النهضة لإثيوبيا سيشجع دولا كثيرة على إنشاء سدود، الأمر الذي سيكون كارثة حقيقية لمصر.

 

وأكد الباحث في الشأن الأفريقي أن على مصر أن تسعى لكسب ود بلدان مؤثرة في حوض النيل كدولة جنوب السودان التي ما إن تتجاوز صراعاتها الداخلية ستشرع في إعادة تأهيل قناة جونقلي وإنشاء سدود على النيل الأبيض، وهو الرافد الكبير للنيل العظيم.

رسائل مصرية

بدوره، توقع الكاتب الصحفي السوداني، المعني بالشؤون الأفريقية، محمد مصطفى جامع، أن تكون زيارة السيسي تلك متعلقة أساسا بملف سد النهضة، وتطورات الحرب في إثيوبيا، خاصة أن علاقة رئيس جنوب السودان مع أديس أبابا ليست على ما يرام منذ تولي آبي أحمد مقاليد السلطة، وبالتالي فالرسالة تحمل -وفقا للكاتب- رسائل للقيادة الإثيوبية مفادها وجود دعم متبادل بين القاهرة وجوبا.

وفي تصريح للجزيرة نت، أوضح الكاتب أن القاهرة نجحت في تحقيق تقارب جيد مع القادة العسكريين في السودان وصل درجة المناورات العسكرية المشتركة، وربما تريد تطويق إثيوبيا من ناحية دولة جنوب السودان بوجود عسكري من خلال القاعدة العسكرية رغم نفيها في وقت سابق من حكومة جوبا.

ولفت الصحفي السوداني إلى أن سد النهضة يقع في إقليم بني شنقول، القريب من الحدود مع دولتي السودان وجنوب السودان، والذي يشهد صراعات متصاعدة، فضلا عن الحرب في إقليم تيغراي الإثيوبي، خاصة أن الأحداث الأخيرة كشفت أن السودان لم يتجاوب مع أديس أبابا بالصورة المتوقعة، وانسحب من جولة المفاوضات الأخيرة لسد النهضة.

وكانت دولة جنوب السودان قد نفت في 3 يونيو/حزيران الماضي أنباء ترددت عن منح مصر قاعدة عسكرية بمنطقة باجاك بولاية أعالي النيل بالقرب من الحدود مع إثيوبيا.

 

تعزيز الموقف المصري

ومن جانبه يرى السفير عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري السابق أن القاهرة "لعبت دورا مهما في عهد السيسي في تسوية الخلافات بين شركاء الحكم في (دولة) جنوب السودان في أعقاب حرب أهلية استمرت لسنوات بعد الانفصال عام 2011، وتوثيق العلاقات معه ضروري".

وأضاف الأشعل للجزيرة نت أن سد النهضة يقع على نحو 40 كيلومترا من دولة جنوب السودان، لذا فإن زيارة السيسي رسالة إلى إثيوبيا التي تمر بأوقات صعبة وحرجة، وهي تقوي موقف مصر بعد أن استخفت بها أديس أبابا لسنوات، ودفعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتحذير من أن القاهرة قد تفجر السد.

 

 

واستغرب السفير المصري السابق من استمرار تمسك القيادة السياسية المصرية في المفاوضات في الوقت الذي انسحب السودان منها، مؤكدا أنه "مهما كان الموقف المصري ضعيفا فهذا لا يعني أنها يجب أن تستسلم للأمر الواقع، فكل شيء قابل للتغيير".

وشهدت "جنوب السودان" بعد الاستقلال بعامين حربا دارت رحاها لسنوات، انتهت بالتوقيع منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2017 على اتفاق سلام تحت مسمى "إعلان القاهرة" لتوحيد ما تسمى "الحركة الشعبية لتحرير السودان" برعاية مصر وأوغندا.

وبدأت إثيوبيا عام 2011 بناء سد النهضة على النيل الأزرق بكلفة 6 مليارات دولار، ومنذ ذلك الحين دخلت مع مصر في مفاوضات "فاشلة" للاتفاق حول الحد من تأثير السد.

وتخشى مصر -وبوجه أخص- أن يؤثر ملء خزان السد على حصتها السنوية من مياه نهر النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب، في حين تؤكد إثيوبيا أنها لا تسعى للإضرار بمصالح القاهرة.

المصدر : الجزيرة