أمراض النفسية ومدارس دينية.. لهذه الأسباب يهرب الإسرائيليون من التجنيد في "الجيش الذي لا يقهر"

الإعفاء النفسي وسيلة للشبان بإسرائيل للتهرب من الخدمة العسكرية
الإعفاء النفسي وسيلة للشبان في إسرائيل للتهرب من الخدمة العسكرية (الجزيرة)

لم تقتصر تداعيات جائحة كورونا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في إسرائيل، حيث تجاوزت الأزمة وترسباتها السلبية المال والأعمال والنسيج المجتمعي الذي لا يزال يواجه تحديات تضعه أمام امتحان حقيقي في تحصين الأمن المجتمعي، وذلك من خلال تسجيل معدل قياسي من الإعفاء من الخدمة العسكرية لأسباب نفسية، واتساع ظاهرة التهرب من التجنيد في الجيش الإسرائيلي.

وأظهرت معطيات شعبة القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي للعام 2020 أنه تم تسجيل رقم قياسي آخر في نسبة الشبان اليهود والدروز الذين حصلوا على إعفاء من الخدمة العسكرية لأسباب نفسية، وبحسب البيانات تم منح قرابة 12% من الشبان المطلوبين للتجنيد الإعفاء، حيث ينظر الجيش الإسرائيلي بخطورة إلى ظاهرة التهرب من الخدمة العسكرية تحت ذريعة "الإعفاء النفسي".

ويدور الحديث عن زيادة حادة بالامتناع عن التجنيد لأسباب نفسية بنحو 50% في غضون عامين، وذلك في ظل اتجاه تصاعدي استمر خلال العقد الماضي، ففي العام 2018 بلغ معدل المستفيدين من الإعفاء النفسي 7.9%.

وبالمقارنة، ظل الإعفاء الطبي من الخدمة العسكرية لأسباب جسدية مستقرا تقريبا، فقد بلغ هذا العام 2.2% من الشبان مقارنة بـ1.91% قبل 3 سنوات.

وتزامن نشر هذه البيانات مع صدور قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الذي ينص على إلغاء قانون إعفاء الحريديين (المتدينون اليهود) وطلاب المدرسة الدينية التوراتية من التجنيد في الجيش الإسرائيلي، على أن يدخل القانون حيز التنفيذ في الأول من فبراير/شباط 2021.

وكانت المحكمة قد ألغت مشروع القانون منذ حوالي 3 سنوات، ومنذ ذلك الحين قبلت بشكل دوري طلبات الحكومة بتأجيل تنفيذ القرار، لكن المحكمة أوضحت في قرارها الجديد أنه لن يتم منح أي تمديد آخر، وسيتعين على الشباب التجنيد في الجيش الإسرائيلي.

ويعزو الجيش الإسرائيلي معظم الزيادة في الإعفاء لأسباب نفسية إلى ظاهرة الشبان المصابين بالاكتئاب والقلق، والتي تنتشر في الدول الغربية وأوروبا، وهي ظاهرة باتت دارجة في إسرائيل أيضا.

قيادة أركان الجيش تنظر ببالغ الخطوة للتهرب من التجنيد واتساع ظاهرة الإعفاء النفسي
قيادة أركان الجيش الإسرائيلي تنظر ببالغ الخطورة للتهرب من التجنيد واتساع ظاهرة الإعفاء النفسي (الجزيرة)

تهرب وقلق

يبدي الجيش الإسرائيلي قلقه من ظاهرة اتساع التهرب من الخدمة العسكرية لدوافع نفسية، حيث أوضح عاموس هارئيل المحلل العسكري في صحيفة هآرتس أن شعبة القوى البشرية في الجيش أعدت خطة لوقف الاتجاه التصاعدي بالتهرب من الخدمة العسكرية لدوافع مختلفة.

وأصدرت شعبة القوى البشرية تعليمات إلى ضباط الصحة النفسية في مكاتب التجنيد لفحص طلبات الإعفاء بمزيد من العمق، من أجل الكشف عن محاولات التهرب، بيد أن البيانات الجديدة تشير إلى أن الجهود لم تكن مفيدة حتى الآن، وأن الأرقام مستمرة في الارتفاع، وفقا للمحلل العسكري.

ويرى هارئيل أن ظاهرة الإعفاء من الخدمة العسكرية لأسباب نفسية تضاف إلى "الزيادة المستمرة في نسبة طلاب المدارس الدينية الحريدية الذين يحصلون على إعفاء، باعتبار أن مهنتهم هي دراسة التوراة، والتي وصلت بالفعل هذا العام إلى 15.9% من الشبان ممن يتم إلزامهم بالانخراط في الجيش لهذا العام".

أسباب وأعباء

ويضيف المحلل العسكري أنه يبدو أن "الإعفاءات النفسية هي المشكلة الرئيسية التي سيتعين على الجيش التعامل معها، علما أن بعض الحاصلين على الإعفاء النفسي هم من الحريديين الذين لا يدرسون في مدرسة دينية، لكن معظم الحاصلين على الإعفاء هم من الشبان العلمانيين".

وعن أسباب ودوافع التهرب من الخدمة العسكرية، يقول هارئيل "في ظل أزمة كورونا، وعندما تصبح أجندة المجتمع والمشاكل الأكثر تفاقما هي اجتماعية واقتصادية وأكثر من القضايا العسكرية ينعكس ذلك عادة في انخفاض الدافع والعزوف عن الخدمة في الجيش الإسرائيلي بشكل عام، والخدمة في الوحدات القتالية بشكل خاص".

ويعتقد أن قادة الجيش يقدرون بأن عدم التوصل إلى تسوية بكل ما يتعلق في تقاسم العبء وعدم تجنيد الحريديين ومنحهم الإعفاء الكامل يسهم في منح الشرعية لظاهرة التهرب من الخدمة العسكرية حتى إن كان الثمن الصحة النفسية والعقلية.

القلق من صوت الرصاص والخوف من إطلاق النار ذرائع للتسرب من الجيش الإسرائيلي
القلق من صوت الرصاص والخوف من إطلاق النار ذريعتان للتسرب من الجيش الإسرائيلي (الجزيرة)

التجنيد وكورونا

وسعيا لتقليص ظاهرة التسرب من الجيش لأسباب نفسية دأبت وزارة الدفاع الإسرائيلية على توسيع قسم الصحة النفسية في الجيش ليضم حاليا 250 مشرفا، معظمهم -في الواقع- ضباط، وحوالي 60% منهم اختصاصيون اجتماعيون، وحوالي 30% من علماء النفس الإكلينيكيين، والباقي أطباء نفسيون، وجميعهم متخصصون عادوا للخدمة في الجيش الإسرائيلي كضباط لمدة 3 سنوات.

ويرجح المختصون النفسيون في الجيش أن الزيادة في عدد الاستثناءات والإعفاءات من الخدمة العسكرية ناتجة أيضا عن انخفاض في قيمة الخدمة العسكرية في العقدين الأخيرين في نظر قطاعات كبيرة من المجتمع الإسرائيلي.

ويعتقدون أن تراجع الشعور بـ"وصمة العار" -التي صاحبت الإعفاء من الخدمة لأسباب نفسية- ساهم في اتساع ظاهرة التهرب من التجنيد، حيث إن الإعفاء من الخدمة العسكرية لا يضع صعوبات أمام الشبان للانخراط في المجتمع وسوق العمل، وبالتالي ترجح قيادة الجيش أن جزءا كبيرا من حالات التهرب من التجنيد ليس له أي مبرر نفسي.

ووفقا للبيانات الأولية لأفواج التجنيد المقبلة، قد تكون هناك زيادة بنسبة 1% في الإعفاءات النفسية للشبان في العام 2021، كما أنه ليس من المستبعد -وفقا لتقديرات الجيش- أن تتسع ظاهرة التهرب من الخدمة العسكرية لأسباب مختلفة، وذلك على خلفية الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي سببتها أزمة كورونا المستمرة في إسرائيل.

مراجعة المعايير

وعمم قائد شعبة القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي موطي ألموز رسالة على ضباط الصحة النفسية بعنوان "خطوات من أجل وقف ارتفاع الإعفاء النفسي" قال فيها "ينبغي أن نرى أمام أعيننا أن الخدمة العسكرية ليست فقط كواجب أو حق وإنما كفرصة كبيرة بالنسبة للشاب، ولتطوعه من أجل الدولة وصقل شخصيته، ويجدر أن يتم منح الإعفاء بعد ترجيح الرأي وكمخرج أخير وبالتشاور مع جهات التصنيف".

ويدرس الجيش الإسرائيلي سلسلة من الأفكار والمقترحات بهدف تقليص نطاق الاستثناءات والإعفاءات لأسباب نفسية في السنوات المقبلة، حيث ضاعفت شعبة القوى البشرية عدد ضباط الصحة النفسية لفحص طلبات الإعفاء بشكل معمق، علما أن الجيش يشكو من ظاهرة الخبراء والأطباء النفسيين الذين أصدروا شهادات وتقارير طبية لمنح الإعفاء للشبان لأسباب نفسية مقابل المال.

كما تدرس الشعبة فكرة إلغاء الشروط التي تمنح الإعفاء الفوري لأسباب نفسية من الخدمة العسكرية، علما أن الإعفاء النفسي يمنح في كثير من الأحيان على أساس أن المرشح للتجنيد لا يقدر على حمل السلاح وإطلاق النار، وأيضا الخوف من البقاء ليلا في المعسكر الذي يستخدم فيه السلاح.

وعليه، وبهدف محاربة وتقليص ظاهرة التهرب النفسي من الخدمة العسكرية سيحدد الجيش مئات من مواقع الحراسة في الجبهة الداخلية التي لا تتطلب حمل أسلحة أو البقاء في القاعدة العسكرية وإعفاء شرائح واسعة من الجنود من التدريب على إطلاق النار، وفقا لرسالة ألموز.

المصدر : الجزيرة