ليبيا.. أي تأثيرات لفوز بايدن على الملف الليبي ومستقبل حفتر؟

حفتر حصل على دعم ترامب في بداية حملته العسكرية على طرابلس (رويترز-أرشيف)

تلقي هزيمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في سباق انتخابات الرئاسة الأميركية، بظلالها على عدة ملفات سياسية ساخنة من بينها الملف الليبي، ولعل اللواء المتقاعد خليفة حفتر هو أول المتأثرين بهذه "الخسارة".

ومع فوز الديمقراطي جو بايدن بسباق الرئاسة -على الرغم من عدم اعتراف ترامب بذلك- تثار أسئلة حول كيفية تعامل بايدن، الذي يباشر مهامه في يناير/كانون الثاني المقبل مع ملف الأزمة الليبية، خاصة أن موقفه يختلف عن موقف ترامب في النظرة إلى الأنظمة العربية، التي تدعم حفتر.

وكان ترامب قد ثمّن في اتصال هاتفي مع حفتر بداية حملته العسكرية على العاصمة الليبية دور الأخير في "مكافحة الإرهاب وتأمين موارد النفط"؛ مما فهم وقتها أنه ضوء أخضر أميركي لحفتر لاجتياح طرابلس.

ورغم منح ترامب لحفتر هذه الفرصة، وحصوله على دعم كبير من الإمارات ومصر والسعودية وفرنسا وروسيا؛ إلا أن حفتر فشل في السيطرة على العاصمة طرابلس، ولم ينجح كما أوصاه جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق في إدارة ترامب.

U.S. President Trump delivers update on so-called Operation Warp Speed coronavirus treatment program in an address from the Rose Garden at the White House in Washington
ترامب ثمّن مع بداية حملة حفتر العسكرية على العاصمة الليبية دور الأخير في "مكافحة الإرهاب" (رويترز)

سجل دموي

وخرج حفتر من حرب طرابلس مثقلا بسجل دموي جراء انتهاكات حقوق الإنسان، التي يركز عليها الحزب الديمقراطي برئاسة جو بايدن، حيث إن هذه الانتهاكات الحقوقية أوصلت إلى واشنطن -بقبول محكمة فدرالية أميركية- الدعاوى القضائية المقدمة ضد حفتر، التي تتهمه بالقتل والتعذيب.

ويعتبر محللون وسياسيون أن حلفاء حفتر أوصوه بالاستفادة من الوقت لإعادة ترتيب أوراقه، وإظهار حسن نيته للاندماج في الحوار السياسي من أجل الحصول على موقع يستطيع من خلاله تحريك دواليب المشهد الليبي، فيظل وصول إدارة جديدة للبيت الأبيض يبدو أنها تركز على ملف حقوق الإنسان وحرية التعبير.

U.S. President-elect Joe Biden speaks about the U.S. economy after a briefing in Wilmington, Delaware
توقعات بأن لا يكون ملف ليبيا من أولويات الرئيس المنتخب بايدن (رويترز)

تأثير غير مباشر

ويرى مستشار رئيس حكومة الوفاق للعلاقات الأميركية، محمد الضراط، أن فوز بايدن بالرئاسة الأميركية لن ينعكس على الملف الليبي بشكل مباشر في هذه المرحلة، وإنما سيكون له أثر من خلال تقليص هامش المناورة لبعض الدول، التي تعتبر حليفة لواشنطن، وتتدخل سلبيا في ليبيا.

وأردف قائلا إن "ليبيا لن تكون من أولويات الرئيس بايدن؛ لكن من خلال تولي بعض المسؤولين في الإدارة الجديدة مناصب في المؤسسات المعنية بالملف الليبي؛ مثل الخارجية ومجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع واهتمام الكونغرس بليبيا عبر إصدار قانون دعم الاستقرار، سنلاحظ في الأشهر الأولى بعض الآثار المباشرة عبر فرض عقوبات على الأطراف، التي تؤجج الصراع الليبي".

واعتبر الضراط في تصريحه للجزيرة نت أن حلفاء حفتر هم من باشروا إعادة ترتيب أوراقهم عكس حفتر، الذي ليس لديه خيارات متعددة، فهو من وضع نفسه في خانة المعرقلين والمجرمين، الذين سيكونون ملاحقين دوليا.

وأوضح أن إدارة بايدن ستتجه إلى تقليص النفوذ الروسي في ليبيا بالضغط على حلفاء حفتر، والتحرك بشكل أسرع مباشر مع الدول، التي تدعم حفتر، وفي الدول التي تسببت بالوجود الروسي عبر فرض عقوبات عليها، بالإضافة إلى دعم العملية السياسية لخلق استقرار سياسي وأمني في ليبيا.

وصرح بأن الولايات المتحدة قد تفرض بعض العقوبات على حفتر وبعض المقربين منه في ظل توجه روسي فرنسي متوقع لمنع أي قرار بهذا الشأن، مشيرا إلى أن إدارة بايدن ستواصل الخطوات، التي قد شرعتها الإدارة الأميركية في ملاحقة جميع المجرمين والمعرقلين للاستقرار في ليبيا، وعلى رأسهم خليفة حفتر.

A member of security forces loyal to Libya's internationally recognised government is seen during a security deployment in Tarhouna city
الصراع الليبي يتواصل منذ 10 سنوات (رويترز)

حلف الديمقراطيين

بدوره اعتبر عضو مجلس النواب محمد العباني أن نتائج الانتخابات الأميركية قد تؤثر على مجريات الأحداث في ليبيا؛ إذا أخذنا في الاعتبار أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما المنتمي إلى الحزب الديمقراطي كان سندا للجماعات الإسلامية أثناء "الربيع العربي".

وتابع العباني قوله للجزيرة نت "في الوقت الذي غضت واشنطن الطرف في رئاسة ترامب وإداراته الجمهورية على تدخل تركيا العسكري المباشر في ليبيا، دعمت أنقرة مليشيات الوفاق بالسلاح".

ويرى العباني أن أميركا في عهدها الجديد لن تسمح لتركيا بالاستمرار في ممارسة تهديدها للسلم والأمن الدولي، خاصة أنها عضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو" (NATO)، الذي سيلقى دعما أكبر من الإدارة الديمقراطية الجديدة.

وأردف قائلا "رغم الدعم الكبير، الذي تلقاه التيار الإسلامي والجماعات المرتبطة به من الإدارة الديمقراطية السابقة للرئيس أوباما؛ ولكن ذلك لا يعني أن الديمقراطيين سوف يستمرون في السياسة نفسها".

وأفاد العباني بأن الإدارة الأميركية الجديدة سوف تسعى جاهدة لإبعاد روسيا وتركيا من المشهد الليبي، والوقوف على مسافة واحدة من جميع الليبيين، وتقديم الدعم الدولي المطلوب لإخراج ليبيا من أزمتها.

Libyan National Army (LNA) members, commanded by Khalifa Haftar, head out of Benghazi to reinforce the troops advancing to Tripoli, in Benghazi
قوات تابعة لحفتر في بنغازي خلال تحركها نحو العاصمة طرابلس (رويترز-أرشيف)

مسار مختلف

من جهته، أكد المحلل السياسي عبد الله الكبير أن الإدارة الأميركية الجديدة سوف تسلك مسارا مختلفا لن يمس بجوهر مواقفها تجاه الملف الليبي.

وأضاف الكبير للجزيرة نت "ستحافظ أميركا على إستراتيجيتها السابقة في محاربة الجماعات المتطرفة، وحماية منابع النفط، وإبعاد روسيا عنها؛ أما التغيير المتوقع هو اهتمام واشنطن بشكل أكبر بملف حقوق الإنسان في ليبيا".

ويتوقع الكبير انحسارا لبعض الدول المتدخلة في الشأن الليبي مشيرا إلى أن ليبيا قد لا تكون من أولويات الإدارة الأميركية الجديدة بالنظر إلى التركة الثقيلة، التي ستخلفها إدارة ترامب.

وقال إن "حفتر مفيد لأميركا بصرف النظر عن نوع الإدارة التي تحكم البيت الأبيض، ولن يتغير الموقف الأميركي من حفتر ما دام يتحرك داخل الإستراتيجيات الأميركية، وإذا تجاوز دوره، فلديهم الوسائل الكفيلة بإعادته إلى النهج المطلوب".

وشدد على ضرورة عدم التفاؤل كثيرا بقرب وقوع تغير جوهري في السياسيات الأميركية تجاه ليبيا، مشيرا إلى أن قضية حقوق الإنسان لا تسبق المصالح في أميركا وفي غيرها من الدول، التي ترفع شعار حقوق الإنسان.

المصدر : الجزيرة