الشتاء يُضاعف مأساة منكوبي انفجار بيروت.. حكايات للبنانيين أدمنوا الانتظار وسط الركام

الشتاء يُضاعف مأساة المتضررين من انفجار مرفـأ بيروت: من ينقذ العائلات المنكوبة؟
آلاف المباني تنتظر الترميم بعد 3 أشهر على انفجار مرفأ بيروت عدد كبير منها بات آيلا للسقوط (الجزيرة)

قبل بدء تأثير المنخفض الجوي، الذي أثر على لبنان بداية نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، استغل جاد عبود (29 عاما) بضعة أيام مشمسة لاستئناف ترميم منزله، الذي يسكن فيه مع والدته وشقيقته في منطقة المدور-الكارنتينا المحاذية لمرفأ بيروت.

يتحدث جاد عن مأساة عائلته في موسم الشتاء، ويراها امتدادا لمأساة تاريخية حلّت بأهالي بيروت إثر انفجار المرفأ في 4 أغسطس/آب الماضي.

وخلال إزالته أضرار الأمطار الأولى، قال جاد للجزيرة نت "لا ننسى تلك اللحظات الكابوسية التي ألحقت الدمار بمنزلنا، كما أصابتني شظايا الزجاج في مختلف أنحاء جسدي، فجاء الشتاء ليذكرنا أن مأساتنا لم تنتهِ بعد أن تسربت إلى منزلنا مياه الأمطار من تشققات الجدران التي خلفها الانفجار".

على بُعد مئات الأمتار من منزل جاد، كان جوزيف نصر (64 عاما) ينهمك مع إحدى الجمعيات الأهلية بتصليح منزله قبل اشتداد موسم الشتاء، وهو يقع خلف مرفأ بيروت مباشرة.
وبعد أن ألحق عصف الانفجار الخراب بمنزله الأرضي، تمنى جوزيف لو يبني بيتا جديدا كان أهون عليه من الخوض في ورشة ترميم منهكة لا تعيد منزله إلى ما كان عليه سابقا.

وقال للجزيرة نت "انتظرنا الدولة كثيرا لمساعدتنا بدون جدوى، ولم تعطنا سوى بعض الكراتين الغذائية، بينما ترميم منزلي يحتاج ما لا يقل عن 30 ألف دولار أميركي، وقد طافت به الأمطار من أول شتوة".

الشتاء يُضاعف مأساة المتضررين من انفجار مرفـأ بيروت: من ينقذ العائلات المنكوبة؟
80 ألف وحدة سكنية تضررت جراء انفجار مرفأ بيروت (الجزيرة)

مأساة وسط أزمة اقتصادية
بعد مرور أكثر من 3 أشهر، تكشف جولة واحدة في المناطق المحيطة بمرفأ بيروت، أنها تحتاج سنوات لمحو مخلفات انفجار شبهه كثيرون بقنبلة نووية، وأسفر عن مقتل أكثر من 200 ضحية وإصابة أكثر من 6 آلاف جريح.

وما زاد من مأساة منكوبي الانفجار، أنه جاء في وقت يشهد فيه لبنان أسوأ انهيار اقتصادي في تاريخه الحديث، حيث يعيش اللبنانيون تحت وطأة أزمة سياسية واجتماعية وصحية خانقة.

شتاء على وقع النكبة..

منذ وقوع انفجار المرفأ، ارتفعت أصوات أهالي بيروت والجمعيات الإغاثية للمطالبة بالإسراع في الإعمار قبل حلول الشتاء، لإدراكهم تداعيات الكارثة المنتظرة.
ورغم جهود الجمعيات والمتطوعين في الأحياء المنكوبة؛ إلا أن آلاف المنازل ما تزال قيد الترميم، أو أنها لم تعد صالحة للسكن.

في منطقة المدور أيضا، وعلى خط مواز من منزل اللاجئ السوري أحمد حج اصطيفي، الذي اشتهرت قصّته بعد أن دمر انفجار المرفأ منزله وقضى على حياة زوجته وابنتيه، انهار مبنى آخر نتيجة العواصف والأمطار الغزيرة في بداية الشهر الجاري.

يعبر مختار المدور فرانسوا جلخ عن أسفه؛ لعدم اتخاذ الدولة إجراءات احترازية تحمي المباني من السقوط في المناطق المنكوبة، والتي صار أهلها يعيشون فقرا مدقعا.

الشتاء يُضاعف مأساة المتضررين من انفجار مرفـأ بيروت: من ينقذ العائلات المنكوبة؟
المتضررون من الانفجار يلقون اللوم على الدولة بمؤسساتها في استمرار مأساتهم (الجزيرة)

آيلة للسقوط
وقال للجزيرة نت "قسم كبير من مباني المدور والكرنتينا مهدد بالسقوط في الشتاء، بعد أن دمرها الانفجار وزعزع هيكلها، ومنها نحو 60 مبنى أثريا، ولا يقل عمر بعضها عن 70 عاما".
من المدور باتجاه أحياء مار مخايل، تفوح بعد الشتوة الأولى رائحة التراب الممزوجة برائحة النفايات التي تراكمت وسط الركام.

ومار مخايل المعروفة بعراقة مبانيها، أصبحت واجهاتها إما مغلقة بألواح حديدية، أو بالنايلون، فيما لا تقرع شوارعها سوى حركة العمال.

وبينما كان فادي (أحد العمال) ينهمك بإزالة الردم الذي غرق بوحل الأمطار، قال للجزيرة نت إن مهماتهم أصبحت أشد صعوبة في فصل الشتاء، وهم ينتظرون بعض الأيام المشمسة لاستئناف عملهم، ويتوقع أن يعيق هذا الموسم أعمال الترميم وإزالة الخراب الذي خلفه الانفجار.

ومن درج غلام صعودا نحو شارع صلاح لبكة، كان يقف باتريك فريحة (43 عاما) حزينا إلى جانب العمال، ليعاين منزل عائلته، وقد غرق بالأمطار بعد أن حطم الانفجار نوافذه وجداره الحجري.
وشكى للجزيرة نت أسفه على هذا البيت الأثري، وعمره نحو 100 عام -من عمر تأسيس دولة لبنان الكبير (1920)-، وتقدر أضراره بقيمة 250 ألف دولار أميركي.

وقال "لم نستطع استدراك الوقت للإسراع في ترميم منزلنا قبل الشتاء، في وقت لم نتلق أي مساعدة من الدولة وأموالنا تحتجزها المصارف".

الشتاء يُضاعف مأساة المتضررين من انفجار مرفـأ بيروت: من ينقذ العائلات المنكوبة؟
نحو ألف مبنى تراثي تضرر بفعل الانفجار بعضها عمره 100 عام (الجزيرة)

بالأرقام: الوحدات السكنية بخطر
في مطلع الأسبوع، باشر الجيش اللبناني توزيع جزء من المساعدات المالية التي حولتها الهيئة العليا للإغاثة إلى خزينته بقرار من حكومة تصريف الأعمال، بهدف المساهمة في ترميم الأبنية السكنية التي أصابها الانفجار، ومن المفترض أن تغطي المساعدات 17% فقط من الوحدات المتضرّرة، أي نحو 10 آلاف وحدة سكنية، على أن تتم العملية خلال 15 يوما.

وتبلغ قيمة التعويضات المالية 100 مليار ليرة لبنانية (سعر صرف الليرة في السوق المحلي حاليا 7300 ليرة مقبل الدولار).

وفي السياق، يشير الباحث اللبناني في الدولية للمعلومات، محمد شمس الدين، للجزيرة نت أن آخر أرقامهم تظهر وجود نحو 80 ألف وحدة سكنية تضررت في بيروت جراء الانفجار، من بينها 65 ألف وحدة سكنية تقع في المحيط المباشر للمرفأ، و25 ألفا أخرى في محيطه الخلفي وغير المباشر.

ومن ضمنها، وفق شمس الدين، هناك نحو 10 آلاف وحدة سكنية لم تعد صالحة للسكن، وهو ما يضاعف الخطر عليها في فصل الشتاء، أمّا قيمة الكلفة التي تحتاجها الوحدات السكنية فقط لإعادة تأهيلها، بحسب الدولية للمعلومات، فتبلغ نحو 3 مليار دولار أميركي.

في المقابل، توجه العائلات المنكوبة أصابع اللوم للدولة وتتهمها بعدم تحمل المسؤولية تجاههم، إضافة لبلدية بيروت التي يتهمونها بعدم إيلاء العناية اللازمة بهم في فصل الشتاء.

ويوضح رئيس بلدية بيروت، جمال عيتاني، للجزيرة نت أن البلدية قامت مؤخرا بإجراء مناقصة لتلزيم مشاريع ترميم الوحدات السكنية، بعد أن تبين في مسحها أن هناك 170 مبنى مهددا بالسقوط.

ويعزو عيتاني التأخر في المباشرة في الترميم إلى الروتين الإداري المرتبط بالجهات الحكومية المخولة بالموافقة على تنفيذ المشاريع.

وقال إن هناك 60% من العائلات ما زالت مشردة خارج منازلها؛ "لأن حجم الأضرار التي خلفها الانفجار أكبر من البلدية والدولة، ما أعاق تدارك الكارثة قبل حلول فصل الشتاء".

الشتاء يُضاعف مأساة المتضررين من انفجار مرفـأ بيروت: من ينقذ العائلات المنكوبة؟
بالرغم من أعمال الترميم.. مياه الأمطار تسللت لمئات البيوت المتضررة التي لم يجد سكانه غيرها بديلا (الجزيرة)

مباني بيروت التراثية
وعن الخطر الذي يهدد مباني بيروت التراثية قال وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال عباس مرتضى للجزيرة نت، إن 968 مبنى تراثي-سكني تضرر من الانفجار، من بينها 90 مبنى في وضع يصفه بالحرج.

وقال إن الوزارة تمكنت أن تؤمن بعض المنح لتدعيم 8 أبنية، وأن هناك 26 مبنى قيد التدعيم، و44 مبنى آخر طالتها أضرار جسيمة، ولم تُؤمن بعد كلفة تدعيمهم، ما يجعلها عرضة للخطر في فصل الشتاء.

وأشار مرتضى إلى أن هناك 100 سطح مبنى تراثي سكني تضرر بشكل كبير، وأنه جرى ترميم 66 سطحا، وأن هناك 44 سطحا آخر لم يحصلوا على الدعم المالي لترميمهم.

المصدر : الجزيرة