انتخابات برلمان مصر.. "وجبة دسمة" للنظام تخلو من "ملح" المعارضة

انتخابات مجلس الشورى في مصر
epa08772260 A woman waits to cast her ballot at a polling station during the second day of the first round of Egypt's parliamentary elections in Giza, Egypt, 25 October 2020. Parliamentary elections are scheduled to be held in Egypt on 24 and 25 October 2020, and on 07 and 08 November 2020 to elect the House of Representatives. EPA-EFE/Mohamed Hossam (وكالة الأنباء الأوروبية)

منذ انطلاق مرحلتها الأولى في 14 محافظة السبت الماضي، كشفت انتخابات مجلس النواب في مصر عن حفاظ أنصار النظام على وجبتهم الدسمة، التي تُطبخ على موقد السلطة كل 5 سنوات، لكنها هذه المرة تخلو من ملح المعارضة، الذي كان حضوره معتادا، وإن كانت نسبته ضئيلة؛ لتجمّل الشكل من دون أن تؤثر في المضمون.

وطفت على سطح الانتخابات -التي تقول السلطات إنها مؤمنة من تداعيات فيروس كورونا- اتهامات لمعارضة الداخل "بالضعف"، ولأنصار النظام "باستخدام المال السياسي".

ويقام اقتراع مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان) بعد وقت قصير من انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية)، وأظهرت سيطرة واسعة لمؤيدي النظام، الذين خاضوا الانتخابات من دون منافسة من أي جهة معارضة.

ومن المنتظر أن يُقام اقتراع المرحلة الثانية في انتخابات مجلس النواب يومي 7 و8 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في 13 محافظة، بينها العاصمة القاهرة، بعد أن أظهرت المرحلة الأولى سقوط أسماء كبيرة من مؤيدي النظام -كالصحفي عبد الرحيم علي- أمام مؤيدين آخرين.

وهذه ثاني انتخابات للبرلمان منذ إقرار دستور 2014، وكان انتخب المجلس الأول في 2015، وسط مقاطعة لافتة من القوى المعارضة.

ويحق لنحو 63 مليون ناخب -من أصل 100 مليون نسمة- التصويت في هذه الانتخابات، لاختيار 568 نائبا من أصل 596 عضوا في مجلس النواب، على أن يقوم الرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي) بتعيين باقي النواب.

ويتنافس أكثر من 4 آلاف مرشح على 284 مقعدا من أصل 568 بالنظام الفردي، في حين تتنافس 8 قوائم على 284 مقعدا بنظام القائمة الحزبية.

وتتنافس قائمتان رئيسيتان: "من أجل مصر" و"نداء مصر"، وأغلبهما من الأحزاب الموالية للسلطة، غير أن الأولى تعد الأقرب للنظام والأكثر حظًّا، في حين تحدثت الثانية -مع خسارة أولية- عما أسمته "خروقا فجة".

ويعني الانتخاب بنظام القائمة المغلقة أن يفوز أعضاؤها جميعا بجميع مقاعد القائمة في الدائرة الانتخابية إذا حصلت على أكثر من 50% من أصوات المقترعين.

وأفرزت المرحلة الأولى من الانتخابات حتى الآن ملامح أولية ربما تتكرر -وفق مراقبين- بشكل كبير في مرحلتها الثانية، خاصة أن التفاصيل متشابهة، ومعظم المتنافسين من خندق الموالاة للنظام.

وأبرز تلك الملامح الأولية وفق رصد الأناضول هي:

1- شراء أصوات

بشكل ملفت، برزت كلمة المال السياسي بين صفوف المؤيدين للنظام خلال المرحلة الأولى، في صورة بدت كأنها تشكيل لنوع من المعارضة من داخل النظام، لا سيما أنها ترددت بقوة في صفوف شخصيات ذات ثقل مؤيدة للنظام، لملء إناء انتخابي فارغ من معارضين بارزين.

وقبل أكثر من أسبوع، وعبر صفحته في فيسبوك، ارتدى الصحفي المقرب من النظام عبد الرحيم علي -على ما يبدو- ثوب المعارضة قائلا: دعواتكم فإني أواجه أكبر حملة من مستخدمي المال السياسي جرت في تاريخ مصر الحديث.

وتنافس عبد الرحيم علي في دائرة الدقي (غربي القاهرة) مواجهة بارزة مع رجل الأعمال المقرب من السلطة محمد أبو العينين، وأحمد مرتضى منصور نجل رئيس الزمالك والبرلماني المقرب من السلطة هو الآخر.

وفاز أبو العينين بمقعد كان يشغله علي، الذي غادر إلى باريس في رحلة عمل وعلاج، وفق موقع البوابة الإلكتروني، الذي يترأسه.

وحسب وسائل إعلام محلية -بينها اليوم السابع (خاصة)- تم إلقاء القبض على 6 من أفراد حملة النائبة السابقة مي محمود، بتهم بينها توزيع أموال على ناخبين ليصوتوا لها، بعد تداول وسم (هاشتاغ) #مي_محمود_تهين_الشعب على تويتر، بعد وقت قصير من انتقاداتها هي نفسها لتلك الظاهرة.

وتوجهت قائمة "نداء مصر" بأكثر من بيان إلى الشعب المصري والقيادة السياسية، تشكو فيه من استخدام المال السياسي "لشراء الأصوات"، وخروق فجة، مشيرة إلى تقديم بلاغ للجنة الانتخابات بالتجاوزات.

2- ظهير سياسي للسلطة

يتصدر حزب "مستقبل وطن" -وفق المؤشرات الأولية- سباق الانتخابات، ويبدو أنه -وهو القريب من السلطة- سيكون الأكثر حظًّا لتشكيل أغلبية المجلس المقبل. وحسب تقارير صحفية، حصد الحزب نحو 70% من مقاعد مجلس الشيوخ، ومن ثم فهو مرشح ليكون ظهيرًا سياسيًّا مؤيدًا بقوة للنظام.

ويقدم الظهير خدمات عديدة، منها: تسهيل كل الأمور الإجرائية الخاصة بتشكيل رئاسة البرلمان وهيئاته، وتمرير أو اقتراح تشريعات تعزز استقرار الدولة في هذه المرحلة الحرجة، حسب ما يراه المناصرون للنظام.

3- أين المعارضة؟

سؤال بات ترديده في الانتخابات الراهنة مقبولا، خاصة مع تراجع المشاركة الجادة، وعجز أسماء من المعارضة المستأنسة داخليا عن حسم مصير المقاعد التي تتنافس عليها من الجولة الأولى.

ودخل هيثم الحريري، وهو معارض يساري، جولة إعادة في الدائرة الرابعة بمحافظة الإسكندرية (شمال). ولا يمكن الجزم بحظوظ وافرة له، وإن كانت ليست مستحيلة، فليس من مصلحة النظام أن يأتي ببرلمان خالٍ تمامًا من المعارضة، وهو ما كان أحد أسباب ثورة شعبية أطاحت بنظام الرئيس الراحل محمد حسني مبارك (1981-2011).

ومن المحتمل أن يتواجد أكثر من اسم معارض في البرلمان المقبل، حتى لو استدعى الأمر أن يعين السيسي معارضين، لاستكمال ما يراه مؤيدون عرسًا ديمقراطيًّا لم يشهد أي خروق.

ورفضا للنظام الحالي، تغيب عن هذه الانتخابات جماعة الإخوان المسلمين، التي يعتبرها النظام تنظيمًا إرهابيًّا، ومثلت الظهير المعارض القوي في انتخابات سابقة.

واعتبر أحمد موسى -وهو إعلامي مقرب من السلطة- في حديث متلفز أن الانتخابات الراهنة تمثل دفنًا للجماعة، التي ترفض الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي المنتمي إليها، في صيف 2013.

وفي كل جولة انتخابية تتكرر اتهامات لمعارضة الداخل بالضعف، وعدم القدرة على تنظيم صفوفها في مواجهة النظام. في حين يرد معارضون بأن المناخ العام لا يساعد على إيجاد عملية ديمقراطية، وهو ما تنفيه السلطة عادة.

4- تراجع السلفيين

التيار الديني يخوض هذه الانتخابات في ثوب حزب النور السلفي، وباتت فرصه -وفق مراقبين- ضعيفة، وأقرب لتكرار تجربة "صفر" مجلس الشيوخ، رغم أنه لا يُحسب عادة على المعارضة، فهو أقرب للنظام.

وفي برلمان 2012، حاز الحزب على 96 مقعدًا، وحل في المرتبة الثانية، وربح 45 مقعدًا في انتخابات مجلس الشوري (الغرفة الثانية آنذاك) في العام ذاته.

ورغم تأييده الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي عندما كان وزيرا للدفاع في صيف 2013، تراجعت مقاعد حزب النور في برلمان 2015 إلى 12 فقط، قبل أن يحصد صفرا في انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية) مؤخرًا.

5- سقوط أسماء كبيرة

وأظهرت الجولة الأولى سقوط أسماء كبيرة مؤيدة للنظام، خاضت منافسة مع موالين كبار أيضا، وأبرزهم عبد الرحيم علي، الذي ظهر له تسريب صوتي عشية الانتخابات يهاجم فيه رأس النظام، ويقلل من هيبة القانون والدولة، قبل أن ينفي صحته، ويقول إنه "مفبرك".

وكذلك خرج من السباق أحمد، نجل مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك، في حين ينتظر الأب خوض انتخابات المرحلة الثانية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وسط شكوك حول فرصه في الحفاظ على مقعده، حسب مراقبين.

إجمالا؛ النظام لا يزال يشعر بأنه مستقر، والمعارك الانتخابية -في غياب مفاصل المعارضة الرئيسية- لا تصبغ الاقتراع بطابع المشاركات الجادة على نحو انتخابات سابقة، لا سيما في 2012؛ وبالتالي لا يُنتظر أن يتغير شكل البرلمان المقبل عن نظيره عام 2015.

المصدر : وكالة الأناضول