تسريبات لرموز السلطة بمصر.. هل يغير النظام جلده؟

الصحفي عبد الرحيم علي، وزير الإعلام أسامة هيكل، رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور
من اليمين، عبد الرحيم علي وأسامة هيكل ومرتضى منصور (الصحافة المصرية)

بعدما اعتاد المصريون من السلطة الحالية أن تنشر تسريبات تهدف إلى تشويه معارضيها، كانت المفاجأة أن التسريبات استهدفت هذه المرة 3 ممن يمكن عدّهم من رموز السلطة، وهم الصحفي عبد الرحيم علي، ووزير الإعلام أسامة هيكل، وعضو البرلمان مرتضى منصور الذي يرأس أيضا نادي الزمالك أحد قطبي الرياضة في مصر.

والمثير أن التسريبات التي خرجت بشكل مفاجئ تتضمن تسجيلات صوتية لكل منهم تهاجم النظام وصولا إلى رأسه المتمثل في عبد الفتاح السيسي، أو تقلل من هيبة الدولة ومؤسساتها، وتشكك في ولاء أحدهم.

التسريب الأول ظهر لعبد الرحيم علي عشية انتخابات برلمانية انطلقت السبت، وخاضها علي على المقعد الفردي بدائرة الدقي والعجوزة في القاهرة الكبرى ضد منافس قوي هو رجل الأعمال محمد أبو العينين المقرب هو الآخر من السلطة، وكذلك أحمد نجل مرتضى منصور الذي يشغل أيضا مقعدا في مجلس إدارة الزمالك.

أما التسريب الثاني لوزير الإعلام فقد صدر عن جهة مجهولة ضمن ما يبدو أنه صراع صلاحيات مع إعلاميي السلطة حيث يقلل فيه من دورهم، في حين تضمن الثالث تجاوزات لفظية باتت مرتبطة باسم مرتضى منصور، خاصة في صراعه مع المسؤولين في غريمه "النادي الأهلي"، وآخرين من رجال الدولة، توجه لهم لتخويفهم بتهمة سابقة التجهيز وهي الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين التي يصنفها النظام جماعة إرهابية.

ورغم نفي كل من عبد الرحيم ومرتضى صحة التسريبات، فإنها تبدو من حيث توقيتها وسياقها وتداولها عبر إعلام رسمي وخاص إشارة شبه رسمية إلى إنهاء أدوار الثلاثة وغيرهم حسب متطلبات المرحلة لمصلحة آخرين تراهم السلطة أجدر بأن يستكملوا مسيرة دعمها، بحيث لا يشكلون عبئا عليها ويقبلون بالتنسيق والانسجام.

تلك التسريبات عدّها معارضون معارك بين أجهزة النظام، غير أنها وبقراءة هادئة بعيدة عن حسابات سياسية معارضة تبدو أشبه بلعبة كراسي موسيقية يجلس عليها رجال المرحلة، حتى يشعر النظام أنه بحاجة إلى تجديد دمائه دون أعباء أو تكاليف أو سداد حسابات سابقة.

وسيبقى المشهد المصري -الذي يراه معارضون مرتبكا داخليا- أسيرا لفقاعات ستنتهي كغيرها، وأحدثها فقاعة تسريبات رموز السلطة، فالثلاثة وغيرهم يهمهم بقاء النظام لا رحيله، لأن استقراره يضمن إعادة تدويرهم في مناصب أخرى مستقبلا، وليس القضاء عليهم في ظل الصراع الصفري مع المعارضة، وحرص كل من الطرفين على إطاحة الآخر.

وتكشف التفاصيل عن دلالات أولية، حيث أظهر الثلاثة ولا يزالون ممانعة للخروج من المشهد بهدوء، ومن ثم كان لا بد من التسريبات التي تعد ضربة قاضية لعبد الرحيم، وقرصة أذن لهكيل المتطلع لصلاحيات وأدوار أكبر ينازع فيها إعلاميي السلطة، ونفاد صبر من الإحراجات المتتالية التي يسببها مرتضى للنظام بسبابه المتكرر لمؤيدي للنظام.

ويبدو أن الثلاثة لم يقبلوا بمسار الرحيل بصمت أو استراحة محارب على نحو ما تم في الأشهر القليلة الأخيرة بحق اسمين بارزين هما مكرم محمد أحمد وياسر رزق، والأول من رئاسة الهيئة الوطنية للإعلام (تدير شؤون الإعلام بالبلاد)، والثاني من رئاسة مجلس إدارة صحيفة أخبار اليوم إحدى أبرز الصحف بالبلاد، وذلك رغم قربهما من السلطة.

عشية انتخابات

"أنا عبد الرحيم علي، أنا فوق القانون، لا يستطيع (الرئيس المصري) عبد الفتاح السيسي أن يحيلني على النيابة، أنا عندي بلاوي (فضائح لم يحددها) تحبسهم كلهم".

هذا أبرز ما جاء في التسريب الذي بثته قنوات معارضة ومواقع تواصل عشية سباق الانتخابات البرلمانية، ونفاه عبد الرحيم مستعينا بنظرية المؤامرة بالقول إن ثمة شيئا يحاك ضده.

وأثناء حديثه الهاتفي مع قاضٍ على الطرف الآخر -يبدو أنه زوج ابنته- يُظهر السياق النفسي للتسريب أن عبد الرحيم في صراع داخلي رهيب للتشبث بمكتسباته الكبيرة من النظام ورفض إطاحته.

وباعترافه، يقر عبد الرحيم أنه يواجه أكبر حملة من مستخدمي المال السياسي جرت في تاريخ مصر الحديث، وذلك في تصريح عبر صفحته على فيسبوك في 19 أكتوبر/تشرين الأول الحالي قبيل معركته بانتخابات مجلس النواب التي يبدو أنه خسرها أمام رجل الأعمال محمد أبو العينين.

وليس أمام عبد الرحيم -وهو رجل الإعلام الذي بثّ تسريبات صوتية قبل سنوات لمعارضين في برنامجه التلفزيوني الصندوق الأسود- إلا أن يعيد حساباته، فإما أن يُصعد، وهذا ليس في مصلحته، أو ينتظر إعاة تدويره في مكان آخر يختاره النظام، أو تتم محاسبته مستقبلا عما جاء في التسريب، على اعتبار أن الحساب مؤجل حال خرج عن سياق المشهد المرتب.

تسريب للوزير

"صدق أولا تصدق" .. هذه العبارة أُلحقت بعناوين صحفية خرجت بعد بث التلفزيون الرسمي -قبل أيام- تسريبا صوتيا لوزير الدولة للإعلام أسامة هيكل، يتلقى فيه تعليمات من رئيس حزب الوفد آنذاك -السيد البدوي- ليهاجم جماعة الإخوان المسلمين بعد ثورة 2011.

وعلّق مقدم البرنامج بالتلفزيون -الإعلامي المقرب من النظام وائل الإبراشي- على التسريب باتهامات متوالية ضد هيكل الذي وجّه في الأشهر الأربعة الماضية انتقادات لأداء إعلام الدولة الموالي للنظام، حيث قال إنه يعاني غياب التنسيق وبروز إعلاميين غير مختصين، فضلا عن وجود صوت واحد للإعلام، مما أدى إلى تراجع دوره وتأثيره، وقال إن الشباب الذين يمثلون نحو 65% لا يتابعون هذا الإعلام.

وبدا لمتابعين للشأن المصري أن هيكل يبحث عن ترسيخ مهام عميقة لحقيبته التي بلا وزارة، وكانت منذ تعيينه في ديسمبر/كانون الأول 2019 محط تساؤلات عن صلاحياتها، في ظل وجود هيئات إعلامية معنية بإدارة المشهد، وحقل إعلامي معروف للجميع أن له خطوطا حمراء.

وبعد تصريح أثار انتقادات حادة له، تراجع هيكل بقوله إنه لن يقدم بلاغات ضد من انتقده أو هاجمه بعد وقت قصير من فشل اجتماع مغلق -الأربعاء- دعا إليه من هاجمه من إعلاميي السلطة.

ويبدو أن هيكل يحاول أن يتفادى مصير مكرم محمد أحمد وياسر رزق، غير أن جرس الإنذار أُطلق بالتسريب ضده، وتكرر بعدم حضور بعض المدعوين للقاء وتصاعد الهجوم ضده من إعلاميي النظام، مع رسالة مفادها أنه لم يعد رجل المرحلة وغير مرغوب فيه.

وإزاء تلك الرسالة المحتملة ليس أمام هيكل في ظل علاقاته الجيدة بالسلطة إلا الانحناء للعاصفة الحالية والقبول بالأمر الواقع والبحث عن مخرج، أو الرحيل بإرادته أو مجبرا، ولاسيما بعد تشيكل مجلس النواب الذي يقر اختيار الرئيس وزراء حكومته.

تسريب أبو سنيدة

وفي يوليو/تموز الماضي ظهر تسريب لرئيس نادي الزمالك والبرلماني آنذاك -مرتضى منصور- لا تزال تداعياته فيما يبدو قائمة بهدف إخراجه من المشهد.

وفي هذا التسريب سبّ مرتضى رموزا من غريمه النادي الأهلي، خاصة رئيسه محمود الخطيب، وكرر خلاله عبارة أن "البلد مافيهاش راجل (لا يوجد فيها رجل)"، في إهانة عدّها مغردون تمس الدولة ورموزها ومؤسساتها، بل والرئيس السيسي نفسه.

وخرج مرتضى -الذي يشتهر بأنه كثير السباب لمخالفيه بالرأي- ببيان وقتها يتهم فيه من قال إنه ضابط قطري اسمه أبو سنيدة بأنه وراء فبركة التسريب، في ظل سعي الزمالك لتجريد غريمه الأهلي من لقب نادي القرن الـ20 بكرة القدم الأفريقية على أساس أنه حصل عليه بمجاملة من مسؤولين في الاتحاد الأفريقي ينتمون للأهلي.

وكان مرتضى لسنوات عبئا على النظام بسبب صراعاته وتجاوزاته رغم دوره اللافت في مواجهة خصوم النظام، غير أن هذا التسريب -وفق مراقبين- كان بداية أزمة أكبر لمرتضى وليس للنظام، ظهرت في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي.

وفي ذلك اليوم أعلنت اللجنة الأولمبية المصرية إيقاف مرتضى مدة 4 سنوات عن مزاولة أي نشاط رياضي، وتغريمه 100 ألف جنيه (نحو 6400 دولار أميركي)، وطلبت إجراء انتخابات لرئيس بديل له، بعد ثبوت إهانته رؤساء مؤسسات رياضية.

وأيدت اللجنة الأولمبية الدولية -منتصف الشهر الحالي- هذه القرارات ضمنيا بقولها إن هذا الأمر هو شأن يخص اللجنة المصرية.

ورغم رفض مرتضى -وهو قاضٍ سابق وسياسي متمرس- تنفيذ القرار متشبثا بكرسي رئاسة النادي العريق واللجوء إلى القضاء، تبقى الرسالة واضحة، وهي أن الجميع -نظاما ومؤسسات- ربما نفد صبرهم مما يفعله.

ولم يبقَ أمام مرتضى غير معركة مهمة ومصيرية له، وهي انتخابات مجلس النواب التي تجرى بدائرته في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وهي آخر بطاقات الحصانة التي يتمسك بها منذ سنوات، ولم يستطع أحد أن يرفعها عنه في الدورات البرلمانية السابقة.

وإذا خسرها كما خسر نجله أحمد الانتخابات -السبت الماضي- فسيواجه الأب تجريدا كاملا من كل شيء، وحينها لن يحتاج مرتضى إلى هجمات شرسة مجددا، بل إلى بعض من الحصافة السياسية، على أمل إعادة تدويره داخل النظام، وربما تكون هذه الخطوة مستبعدة في المستقبل القريب بسبب تجاوزاته وإجادته صناعة الخصوم.

قصف متبادل

وإجمالا، فإن التسريبات هي صناعة شقت طريقها في مصر منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011 مع ظهور صراعات داخل القوى السياسية والسلطة، ومسّت مسؤولين بارزين بينهم رئيس البلاد، وسياسيون مؤيدون ومعارضون، بشكل عدّه البعض قصفا متبادلا.

وهذه التسريبات إما مكتوبة في صورة وثائق، أو مسموعة في صورة تسجيلات صوتية لمكالمات هاتفية، ولاسيما عقب إطاحة الرئيس الأسبق الراحل محمد مرسي صيف 2013.

وكان عبد الرحيم نجم التسريبات الحكومية والأمنية ضد المعارضة ورموز في الدولة عبر برنامجه الصندوق الأسود، في مقابل بث قنوات مصرية معارضة بالخارج مثل "مكلمين" تسريبات صوتية لرئيس البلاد، ومسؤولين آخرين.

وارتكزت التسريبات من الطرفين على إبراز سلبيات أو أزمات لدى الطرف الآخر، أو إحداث وقيعة بين أشخاص أو دول.

وفي الأشهر الأخيرة انتشرت الموجة الجديدة من التسريبات وهي تظهر وجها مختلفا لطرق المواجهة، لكن يبدو أن معادلة التسريبات لن تحدث تغييرا جذريا في النظام الحالي، ولن تهزّ المعارضة، فهي -على ما يبدو- أشبه بفقاعة سيقبلونها مضطرين ويبحثون في أسبابها وإمكانية تجاوزها، مع توظيفها لإبعاد بعض الوجوه ولو إلى حين.

المصدر : وكالة الأناضول