بعدما كان قلعة انتخابية لحزب العمال.. شمال بريطانيا الذي رجح كفة "البريكست" وجونسون

Britain's Prime Minister Boris Johnson shakes hands with supporters during a visit to see newly elected Conservative party MP for Sedgefield, Paul Howell at Sedgefield Cricket Club in County Durham, north east England on December 14, 2019, following his Conservative party's general election victory. Lindsey Parnaby/Pool via REUTERS
بوريس جونسون يصافح داعمين له خلال زيارته لشمال بريطانيا بعد الفوز الذي حققه حزبه بتلك المناطق (رويترز)
 
تحول الحزام الشمالي لبريطانيا إلى خزان انتخابي قوي لرئيس الوزراء بوريس جونسون وهو الذي منحه أغلبية ساحقة في الانتخابات التي أجريت نهاية العالم 2019 في تحول تاريخي للسلوك الانتخابي لتلك المناطق، فالعديد منها كان محسوبا تاريخيا على حزب العمال. 

وهذه ليست المرة الأولى التي تتحول فيها هذه المناطق إلى حصان طروادة الذي يقلب الموازين بشكل مفاجئ، فقد كان لها دور في ترجيح كفة الانسحاب على حساب خيار البقاء خلال استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي. 

ويعلم بوريس جونسون أن هذه المناطق التي تخلت عن تصويتها لحزب العمال على مدى عقود وقررت منح المحافظين أصواتها وبالتالي الأغلبية في البرلمان تنتظر منه الوفاء بوعوده التي قطعها خلال الحملة الانتخابية بإعادة "الأيام الذهبية" للحزام الشمالي للمملكة. 

ولم يكن مصادفة أن أول جولة قام بها جونسون مباشرة بعد توليه مهمة رئاسة الوزراء كانت لتلك المناطق، مجددا وعده بأنه سيجلب الازدهار الاقتصادي.

ويلعب جونسون على الوتر الحساس لسكان الشمال، فهناك يقل عدد المهاجرين بشكل كبير، على خلاف العاصمة لندن التي ينظر إليها بكونها "مدينة المهاجرين" المدللة التي تحصل على دعم سخي من الحكومة على حساب الشمال الذي دفع ثمن سياسات التقشف التي اتبعتها الحكومات البريطانية منذ الأزمة الاقتصادية سنة 2008. 

وحتى يكرس جونسون حضوره القوي في الشمال البريطاني فقد قرر اتخاذ خطوة لها رمزية معبرة بنقل الاحتفال بالخروج من الاتحاد الأوروبي يوم 31 يناير/كانون الثاني الحالي إلى الشمال وعقد اجتماع لحكومته هناك بهدف "مناقشة مخطط النهوض بأوضاع المدن الشمالية الفقيرة"، ويأمل جونسون أن تتحول هذه المدن إلى قاعدة انتخابية صلبة لحزبه تدعمه في المحطات الانتخابية المقبلة.

‪بوريس جونسون وعد بإنشاء مناطق حرة في الموانئ الشمالية التي كانت ممنوعة بقوانين الاتحاد الأوروبي‬ (رويترز)
‪بوريس جونسون وعد بإنشاء مناطق حرة في الموانئ الشمالية التي كانت ممنوعة بقوانين الاتحاد الأوروبي‬ (رويترز)

إغراءات جونسون
خلقت مدن الشمال البريطاني الحدث في الانتخابات الماضية بعد أن فقد حزب العمال أكثر من 34 مقعدا هناك كانت تعد مقاعد تاريخية للحزب المعارض ولم يفقدها منذ أكثر من نصف قرن، حينها قالت جل التحليلات إن هذه المناطق لم تصوت لحزب المحافظين بقدر ما صوتت لخيار الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي كان يدافع عنه جونسون وأيضا لوعوده برد الاعتبار لهذه المناطق. 

وكان أكبر إغراء قدمه رئيس الوزراء البريطاني لهذه المدن هو وعده بخلق مناطق حرة في الموانئ الشمالية، وهذا يعني أن المواد التي ستصل إلى موانئ الشمال ستكون معفاة من الضرائب، مما سيغري الشركات التجارية العالمية بالاستثمار هناك، ويقول جونسون إنه يريد أن يخلق من هذه المدن منطقة مشابهة لهونغ كونغ وسنغافورة. 

وكان المانع من إقامة منطقة حرة في موانئ الشمال هي قوانين الاتحاد الأوروبي، أما بعد الانسحاب فقد بات بمقدور الحكومة إطلاق هذا المشروع الذي سيجلب الكثير من الحركة لمدن الشمال لموانئها، وحسب توقعات الحكومة فإن هذا المشروع من شأنه خلق أزيد من 150 ألف وظيفة. 

لكن سيتعين على هذه المناطق أن تنتظر نهاية العام الحالي، لتنتهي معه المرحلة الانتقالية للخروج من الاتحاد الأوروبي، ورغم ذلك فقد نجح جونسون بسحب البساط من تحت أقدام حزب العمال في تلك المناطق التي باتت بؤرة "معارضة الاتحاد الأوروبي" وترفع شعار "بريطانيا للبريطانيين".

كلفة باهظة
تبلغ الكثافة السكانية في شمال بريطانيا نصف نظيرتها في مناطق الجنوب، حيث يقطن في مدن الشمال حوالي 15 مليونا من أصل 60 مليون مواطن هم مجموع سكان بريطانيا، أما في الجنوب فيبلغ عدد السكان 29 مليونا، ورغم ذلك تشعر هذه المناطق دائما بالغبن وبأنها "مختطفة من الاتحاد الأوروبي ومن المهاجرين"، ولهذا فقد نزلت بكل ثقلها مع خيار "البريكست" وسياسات حزب المحافظين التي تقول إنها تهدف للحد من تدفق المهاجرين. 

وتؤكد الأرقام أن الحزام الشمالي لبريطانيا ورغم أنه لا يشكل ثقلا ديمغرافيا في البلاد فإنه يستفيد من عضوية الاتحاد الأوروبي، فهناك الكثير من الشركات العالمية التي لديها مصانعها هناك وتخلق الآلاف من الوظائف والتي أعلنت أنها ستنسحب بمجرد خروج البلاد من التكتل الأوروبي.

ومن بين هذه الشركات هناك المجموعة اليابانية "نيسان" لتصنيع السيارات التي خلقت عبر سلسلة تصنيعها أكثر من 30 ألف وظيفة منذ سنة 1986، إضافة لمساهمتها في رفع مداخيل مدن الشمال، هذه المداخيل من المتوقع أن تتراجع بنسبة 11% في حال التوصل لاتفاق تجاري جديد بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، أما في حال عدم التوصل لاتفاق فإن هذه النسبة ستصل إلى 16% وفقدان 8 آلاف وظيفة بعد إعلان الشركة اليابانية أنها ستنقل الكثير من أنشطتها لأوروبا.

وفي الشمال الغربي الذي صوت بكثافة لصالح جونسون الذي على بوجود العديد من الصناعات الكيميائية وصناعات النقل والتصدير فمن المتوقع أن تشهد تراجعا اقتصاديا بنسبة 12%.

وتتوقع صحيفة "غارديان" أن يكون 22500 وظيفة مهددة في مناطق الشمال خصوصا في حال الخروج من دون اتفاق. 

ترى عضو حزب العمال منى إسحاق في تصريحات للجزيرة نت أن الحزام الشمالي لبريطانيا انتقم من جيرمي كوربن لأنه لم يدافع عن فكرة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، مضيفة أن هذه المناطق تعتبر من مناطق نفوذ الزعيم الأسبق لحزب العمال توني بلير، والأخير على خلاف حاد مع كوربن، ولهذا فهو لا يرى مانعا من فقدانها لإسقاط كوربن. 

وتؤكد إسحاق أن هذه المدن صوتت لجونسون لأنه في نظرها هو القادر على إخراج البلاد من الاتحاد الأوروبي، وهذا هو مطلبها الأساسي الذي لا تريد الحياد عنه.

المصدر : الجزيرة