حزب العمال يطوي حقبة كوربن.. هل يفقد مسلمو بريطانيا "صديقهم" القوي؟

LONDON, ENGLAND - MARCH 03: Labour Party leader Jeremy Corbyn is presented with red roses as he visits Finsbury Park mosque on "Visit Your Mosque Day", on March 03, 2019 in London, England. A man was killed near the mosque during an attack by far right extremist Darren Osborne in June 2017. (Photo by Leon Neal/Getty Images)
جيرمي كوربن أثناء زيارة له إلى مسجد فينزبري بارك بلندن يوم 3 مارس/آذار 2019 (غيتي)

الجزيرة نت-لندن

كما أنهت الانتخابات البريطانية التي أجريت نهاية العام الماضي الجدل بشأن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي وحسمت هذا الملف لصالح الانسحاب، كذلك أنهت مشوار زعيم حزب العمال جيرمي كوربن الذي يقضي أيامه الأخيرة على رأس الحزب المعارض، بعد الخسارة التاريخية التي مني بها في الانتخابات الأخيرة التي منحت حزب المحافظين أغلبية ساحقة في البرلمان.

عُرف جيرمي كوربن بمسار سياسي مميز أثناء قيادته لواحد من أعرق الأحزاب في العالم، وستتذكر له الجاليات العربية والمسلمة المقيمة في بريطانيا الكثير من المواقف المؤيدة لقضاياهم، سواء داخل المملكة المتحدة أو خارجها، وهي المواقف التي لم يسبق لأي سياسي بريطاني أن عبر عنها، وهو ما أكسب جيرمي كوربن شعبية جارفة في صفوف المسلمين والعرب.

ويحسب لكوربن أنه أول زعيم سياسي في بريطانيا يرفع العلم الفلسطيني في المؤتمر السنوي العام لحزبه، مما شكل أعلى تمثيل للقضية الفلسطينية في تاريخ المملكة المتحدة، كما أنه يعتبر ضيف العادة على العديد من المساجد في العاصمة لندن للمشاركة في الأنشطة التي تنظمها والاحتفال مع المسلمين بمناسباتهم الدينية. 

وسيظل مسجد "فينزبري بارك" شاهدا على الدعم القوي الذي ظل يقدمه كوربن للمسلمين طوال قيادته حزب العمال، فالرجل كان حريصا على المشاركة في مبادرة "إفطار في الشارع" التي كان ينظمها المسجد في رمضان وتجمع بين المسلمين وغيرهم على وجبة الإفطار في الشارع المقابل للمسجد.

وقبل سنوات لم يكن كثير من العرب ليتقبلوا أن حزب العمال البريطاني هو صديق للجاليات المسلمة في البلاد، بسبب تورط زعيمه الأسبق توني بلير في غزو العراق، وما أحدثه ذلك من حاجز نفسي كبير بين الحزب والجاليات العربية، قبل أن ينجح جيرمي كوربن في "جبر الضرر" واستعادة ثقة الأقلية العربية والمسلمة في حزبه، لدرجة أنه في الانتخابات الأخيرة صوّت أزيد من 65% من المسلمين في بريطانيا لصالح حزب العمال.

ولم يبق الكثير أمام الحزب ذي الميول اليسارية لاختيار زعميه الجديد، بعد أن نجح خمسة مرشحين في الوصول للمرحلة النهائية للمنافسة على رئاسة العمال، وظهر أن العامل المحدد في اختيار المرشحين (مرشح واحد وأربع مرشحات نساء) هو الموقف من البريكست وكيفية التعامل مع مرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. 

أما فيما يتعلق بالعلاقة مع العرب والمسلمين، فقد عبر المجلس الإسلامي البريطاني عن ترحيبه بموافقة المرشحين على وثيقة هي عبارة عن التزامات يتعهد بها من قد يصبح رئيسا لحزب العمال، ومن بين هذه الالتزامات إيلاء أهمية أكبر لموضوع الإسلاموفوبيا ومحاربتها. 

ومع ذلك لا يتوقع كثيرون أن يملأ أحد المرشحين الفراغ الذي سيتركه جيرمي كوربن خصوصا في الترافع عن القضية الفلسطينية.

معادة السامية من التهم التي وجهت لكوربن خلال حملته الانتخابية الأخيرة (رويترز)
معادة السامية من التهم التي وجهت لكوربن خلال حملته الانتخابية الأخيرة (رويترز)

ثمن مساندة المسلمين
تقر  منى إسحاق العضوة في حزب العمال ومرشحته في منطقة "كينزينتون" بالعاصمة لندن، بأن "جيرمي كوربن هو من أحيا في الجالية العربية والمسلمة الرغبة في الدفاع عن قضاياها والتعبير عن صوتها وألا نترك للآخرين حق الحديث باسمنا"، مؤكدة أن كوربن وإن رحل من قيادة الحزب فإن "إرثه لن يرحل خصوصا بالنسبة لنا كأقلية مسلمة تعلمنا منه كيف يصبح لنا صوت نعبر به عن مطالبنا". 

ومن خلال اشتغالها عن قرب مع كوربن، تؤكد منى في تصريحها للجزيرة نت أن السياسي البريطاني "خلق حالة من الوعي في صفوف أبناء الأقلية المسلمة"، والآن باتت المسؤولية ملقاة على عاتق المجموعة العربية في الحزب لترجمة ما حققه كوربن لصالحها، ولهذا سارعت الأخيرة للمطالبة بعقد لقاء مع المرشحين الخمسة لمعرفة موقفهم من القضايا التي تهم الأقلية المسلمة، "وبناء عليه سنحدد موقفنا من المرشح الذي سنصوت له على أساس اتفاقية رابح-رابح". 

ومن الخطوات التي أقدم عليها المنتخبون العرب والمسلمون في حزب العمال، أنهم طالبوا بإشراكهم في مؤتمر وضع السياسات العامة للحزب، "ففي السابق لم يكن يتم إشراكنا في إقرار هذه السياسات، لكن في عهد كوربن تعلمنا ألا نترك أي أحد يقرر بعيدا عنا أو نيابة عنا".

ولا تخفي منى خشيتها من تغير بعض سياسات الحزب فيم بتعلق بالعرب والمسلمين، حيث كشفت أن هناك وثيقة جديدة تم وضعها من قبل كبار الحزب سيتعين على المرشحين الموافقة عليها، "ومن بين ما تنص عليه هو محاربة معاداة السامية، ولكن في تفاصيل هذا البند يظهر الأمر وكأنه تكميم للأفواه لتقليل توجيه الانتقاد لإسرائيل".

وكانت تهمة معاداة السامية من التهم الذي لاحقت كوربن خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، وهي اتهامات فسرها البعض بموقفه الناقد لسياسات الاحتلال الإسرائيلي. 

وتتفق عضوة حزب العمال مع التحليلات التي تقول إن كوربن دفع ثمن دعمه ومساندته للكثير من قضايا العرب والمسلمين، مقدمة المثال بنتائج الانتخابات الأخيرة، "ذلك لأن الحزام الشمالي لبريطانيا -المعروف بأن معظمه مؤيد لتوني بلير- صوت في هذه الانتخابات لصالح المحافظين عقابا لجيرمي كوربن".

ومع ذلك تؤكد المتحدثة ذاتها أن كوربن نجح في مهمة صعبة وهي استقطاب الشباب المسلم للعمل السياسي، بعد أن كان عازفا عن أي عمل سياسي ولا يرى أي جدوى منه.

‪أعلام فلسطين مرفوعة في مؤتمر حزب العمال البريطاني بليفربول يوم 25 سبتمبر/أيلول 2018‬ (رويترز)
‪أعلام فلسطين مرفوعة في مؤتمر حزب العمال البريطاني بليفربول يوم 25 سبتمبر/أيلول 2018‬ (رويترز)

صديق فلسطين
يجزم رئيس المجموعة العربية في حزب العمال عمر إسماعيل أن الدعم الذي كانت تتلقاه القضية الفلسطينية من جيرمي كوربن "كان مهما للغاية، وهو ما جرّ عليه الكثير من الانتقادات وأدخله في حروب مع بعض المجموعات"، مضيفا أن كوربن كان له أيضا مواقف نقدية لما يحدث في مصر وكان يعارض بيع الأسلحة للسعودية بسبب حربها في اليمن. 

ويميز عمر إسماعيل بين فريقين: "الأول سيتنفس الصعداء بعد رحيل كوربن لأنه كان ينتقدهم بشدة، أما الفريق الثاني فيرى أنه فقد مؤيدا قويا للقضية الفلسطينية ولقضايا عربية عديدة، قبل أن يربط بين دعم كوربن للفلسطينيين والحملة التي تعرض لها في الانتخابات لمحاولة إلصاق تهمة معاداة السامية به". 

ويتذكر سكرتير دائرة انتخابية لحزب العمال كيف أن جيرمي كوربن كان من أشد معارضي مشاركة بريطانيا في غزو العراق، "وشاركنا سويا في العديد من المظاهرات الرافضة لهذه الحرب، وكان يحذر من أن توني بلير يحضر لخديعة ولا أساس للمعلومات التي تقول بامتلاك العراق أسلحة كيميائية"، مشيرا إلى أن التاريخ "أظهر أن كل ما توقعه كوربن من أن هذه الحرب ستجر الويلات على العراق والمنطقة قد تحقق، وأثبتت الأيام أنه كان على حق". 

عمر إسماعيل الذي قضى في حزب العمال 45 سنة، لا يتخوف من تغيير الحزب سياساته تجاه العرب والمسلمين بقدر ما يؤكد على ضرورة حفاظه على هويته المدافعة عن العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات، "لأن مدخل العدالة سيكون بمثابة وقوف مع جميع المظلومين سواء في بريطانيا أو خارجها".

المصدر : الجزيرة