الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا.. أسئلة عن الجدوى الاقتصادية والصراع السياسي

Cypriot President Nicos Anastasiades, Greek Prime Minister Kyriakos Mitsotakis and Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu pose for a photo before signing a deal to build the EastMed subsea pipeline to carry natural gas from the eastern Mediterranean to Europe, at the Zappeion Hall in Athens, Greece, January 2, 2020. REUTERS/Alkis Konstantinidis
إسرائيل واليونان وقبرص وقعت اتفاقا لنقل الغاز إلى أوروبا (رويترز)

يواجه خط الأنابيب "إيست ميد" المزمع إنشاؤه لنقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا من إسرائيل عبر قبرص واليونان، عقبات اقتصادية وسياسية، لعل أبرزها تكلفته وجدواه الاقتصادية وإمكانية تنفيذه، في ظل الصراع والتوتر السائد في منطقة شرق المتوسط.

ففي 2 يناير/كانون الثاني الجاري، وقعت اليونان وقبرص وإسرائيل اتفاقا لمد خط أنابيب تحت البحر بطول 1900 كلم، يهدف إلى نقل الغاز الطبيعي من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا. وكان لافتا غياب مصر عن الاتفاق، رغم تفاهماتها السابقة مع كل تلك الأطراف.

ومع الإعلان عن تفاصيل المشروع المزمع الانتهاء منه بحلول العام 2025، أثيرت تساؤلات عديدة عن الجدوى الاقتصادية للمشروع، والعقبات السياسية التي قد تحول دون تنفيذه، فضلا عن وجود بدائل أخرى قائمة بالفعل قد تفضلها أوروبا باعتبارها أقل تكلفة.

وبحسب ما تم الإعلان عنه، فإن تكلفة المشروع تبلغ نحو 6 مليارات يورو، ويمتد من إسرائيل عبر المياه الإقليمية القبرصية مرورا بجزيرة كريت اليونانية ثم إلى البر اليوناني الرئيسي، وصولا إلى شبكة أنابيب الغاز الأوروبية عبر إيطاليا.

المشروع الذي يتوقع أن تبلغ طاقته المبدئية نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا، ينظر إليه على أنه سيكون أطول أنبوب تحت الماء في العالم، ويفترض أن تستفيد منه دول في جنوب شرق أوروبا.


عوائق سياسية
ورغم تصريحات رئيس الحكومة اليونانية كيرياكوس ميتسوتاكيس إثر توقيع الاتفاقية الثلاثية مع إسرائيل وقبرص، التي قال فيها إن المشروع سيسهم في السلم بالمنطقة، وإنه ليس تهديدا لأحد، إلا أنه يمس ما تعتبره تركيا مصالحها ومناطق نفوذها في شرق المتوسط، وينظر إليه على أنه رد على توقيع أنقرة لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق المعترف بها دوليا في ليبيا، وهي الاتفاقية التي أثارت ردود فعل مصرية ويونانية غاضبة ورافضة.

لذلك، فإن اليونان وقبرص تريان في "إيست ميد" وسيلة لمواجهة محاولات تركيا تمديد نفوذها في شرق المتوسط، وهو ما ظهر جليا في تصريحات لوزير الطاقة اليوناني كوستيس هاتسيداكيس قال فيها إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "له وجهات نظره ونحن لنا مواقفنا.. ونحن نعتمد في ذلك على القانون الدولي ومقتنعون بأن الدول التي لها كلمتها في المنطقة تقف إلى جانبنا".

من ناحية أخرى، فإن تنفيذ هذا المشروع يعني فقدان تركيا خيار تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر أراضيها، وهو الخيار الأسرع والأقل تكلفة، فلم يكن الأمر يحتاج سوى مد خط أنابيب تحت البحر من حقل ليفياثان الذي تشغله إسرائيل إلى الساحل الجنوبي لتركيا التي تمتلك بالفعل شبكة ضخمة من الأنابيب تربطها بأوروبا.

وبخلاف تركيا، هناك أيضا عقبة إيطالية تواجه المشروع، حيث توجد داخل الحكومة الإيطالية خلافات بشأنه، وفق ما نقلته وسائل إعلام يونانية.

وبحسب تحليلات فإن إيطاليا غير متشجعة لاستكمال الخط من اليونان عبر أراضيها، نظرا لوجود خط قائم بالفعل عبر البحر الأدرياتيكي يمكنه نقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا عبر تركيا، فضلا عن أن روما تخطط لتقليل الاعتماد على الطاقة الهيدروكربونية، وتبحث تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة المتجددة بحلول العام 2050.

الجدير بالذكر أن روسيا وتركيا تعتزمان تشغيل أنبوب للغاز يمتد عبر البحر الأسود، لنقل الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.


جدوى اقتصادية ضعيفة
ليست العوائق السياسية فقط هي ما تواجه خط "إيست ميد"، فبحسب مجلة "فورين بوليسي" الأميركية فإن تكلفة الخط سترفع من سعر الغاز الإسرائيلي عندما يصل إلى أوروبا، وبالتالي لن يصبح مثار جذب للمشترين.

وتتراوح تكلفة استخراج الغاز من حقل ليفياثان الإسرائيلي بين 4 و5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وعندما يصل هذا الغاز إلى المستهلكين الأوروبيين سيكون سعره أعلى.

كما أن احتياطيات الغاز بحقل ليفياثان تقع في خزانات عميقة، بما يجعل استخراجها وتطويرها باهظ التكلفة، علما بأن سعر الغاز الطبيعي حاليا في بورصة نيوريورك يبلغ 2.12 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، حسب موقع بلومبرغ.

مشكلة اقتصادية أخرى تضاف إلى تكلفة الإنتاج، فالوقت الحالي يشهد تدفقا كبيرا من الغاز الرخيص الذي تضخه دول عديدة أبرزها الولايات المتحدة وقطر وروسيا، والخط الجديد -بحسب ما نُشر عنه- لن يوفر سوى 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا، أي ما يمثل 2% فقط من احتياجات أوروبا السنوية التي تبلغ 470 مليار متر مكعب يتم توفيرها بشكل أساسي من قبل روسيا.

ويطرح أليكس لاغاكوس نائب مدير منتدى الطاقة اليوناني زاوية أخرى للعوائق الاقتصادية التي تواجه هذا المشروع، مشيرا إلى أن عددا متزايدا من الزبائن يركز على استيراد الغاز المسال عبر الموانئ البحرية بتكلفة أقل، فما الذي سيجعله يرتبط بإمدادات أنبوب على المدى الطويل بأسعار أعلى؟

العائق الأخير يجمع بين السياسة والاقتصاد، فما الذي سيشجع المستثمرين المحتملين في المشروع الذي يتكلف أكثر من 6 مليارات يورو على المخاطرة بتنفيذه، بالنظر إلى الصراع الدائر وعدم الاستقرار في المنطقة.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية