بعـد هجمات أرامكو.. مفتاح التهدئة بيد الرياض

تداعيات هجمات أرامكو بالسعودية.. توتر متصاعد بالخليج ودعوات للتهدئة
بومبيو خلال زيارته للمملكة بعد هجمات أرامكو (الجزيرة)

عبدالله العمادي

هجمات أرامكو التي يشبهها البعض بهجمات 11 سبتمبر 2001، من حيث تأثيراتها النفسية والاقتصادية وكذلك السياسية، يراها بعض المراقبين أنها رسالة مختصرة جدا مفادها أن خيار الحرب ضد طهران ليس من الحكمة والمنطق، الذي يمكن أن تضعه الرياض على قائمة خيارات التعامل مع الحدث، فما يمكن أن تجلبه الحرب أكبر بكثير مما لو جرى التعامل الهادئ معه واستثماره إستراتيجيا بشكل صحيح.

لكن ما لا يختلف عليه كثير من المهتمين بالشأن السعودي، أن تلك الهجمات ما هي إلا نتيجة أسلوب إدارة القادة الجدد للمملكة. بمعنى أن عملية الهجوم بهذا الشكل لم تكن في وارد التنفيذ عند أي دولة إقليمية أو غيرها، باعتبار عديد السنوات الماضية ونفط المملكة في أمن وأمان، رغم حروب عدة وقعت حولها بدءا بحرب السنوات الثماني بين العراق وإيران (1980-1988) ثم تحرير الكويت (1991)، وآخرها سقوط بغداد على يد أميركا (2003)، رغم الدور الذي لعبته السعودية في الحروب الثلاث الماضية. 

هجمات أرامكو إذن وبحسب متابعين، نتيجة طبيعية لحرب عبثية تحولت لكارثية في اليمن، أو هي إحدى إفرازات تلك الحرب، أو رد فعل قاس هذه المرة، على عكس ردود أفعال ماضية كان صوتها الإعلامي أعظم ضجيجا من تأثيراتها المادية. لكن الهجمات الأخيرة أصابت عصب الاقتصاد أو العمود الفقري للحياة بالمملكة، في سابقة قاسية لم يشهدها تاريخها من قبل.

المعركة التي أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أنه سينقلها إلى قلب طهران، قام العالم ليجدها في قلب الاقتصاد السعودي، وأثارت مبدئيا نوعا من القلق لدى المستوردين، باعتبار الكميات المليونية الكبيرة التي كانت تغذي احتياج العالم، الذي رغم ذلك سرعان ما هدأ بعد تغريدات مثيرة للرئيس الأميركي دونالد ترامب -والحرائق في مواقع أرامكو لم تنطفئ بعد- مفادها أن الولايات المتحدة لم تعد بحاجة لنفط الشرق الأوسط، وأنها أصبحت الآن الرقم واحد في العالم في هذا المجال، بل قادرة على سد أي نقص في الاحتياج العالمي لهذه السلعة.

أدركت الرياض سريعا أن الحليف الأميركي -أو الرئيس ترامب إن صح التعبير – مشكوك في جديته، ومن الممكن ألا يقوم بالدور الذي كانت تأمله منه هي والإمارات، بدخوله حربا شاملة نيابة عنهما مع إيران، بل وجدت الرياض نفسها تارة أخرى، ضحية ابتزاز جديد لا يتوقف. المال مقابل الحماية، أو هكذا قال ترامب.

لكن الحماية لا تعني دخول حرب. وقد كان هذا واضحا عند وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، حين صرح بأن مهمة بلاده فيما يتعلق بإيران هي تفادي وقوع حرب، وهو ما أكدته رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي أيضا، التي قالت إن الولايات المتحدة لا نية لديها لخوض حرب جديدة في الشرق الأوسط بالنيابة عن السعودية، وهو ما دفع بوزير خارجية المملكة، عادل الجبير ليكون متناغما مع نظيره الأميركي، ويصرح بأنه "لا أحد يريد الحرب"، بل إن بلاده "ترغب في علاقة جيدة مع إيران، ونريد التجارة معهم".

تعزيزات للردع
أما القوات الأميركية الإضافية التي تقرر إرسالها إلى منطقة الخليج فهي، بحسب بومبيو، "للردع والدفاع"، مثيرا بتصريحاته تلك تساؤلات كثيرة عبرت عنها صحيفة الغارديان البريطانية عن سر احتياجات المملكة للمساعدة، وهي الدولة التي كانت أكبر مستورد للأسلحة في العالم من عام 2014 إلى عام 2018، وفقا لتقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، حيث بلغت صفقات الأسلحة السعودية نهاية 2018 حوالي 12% من مشتريات السلاح العالمية.

المملكة في ظل كل تلك المعطيات لا تعيش في ترف وفرة الحلول، بل تكاد تتضاءل الفرص والخيارات مع استمرارية أزماتها الراهنة، بدءا من حرب اليمن ومرورا بأزمة حصار قطر ثم توتر العلاقات مع تركيا، مع بوادر اهتزاز وعدم استقرار لأوضاع ومواقف بعض الحلفاء مثل مصر والإمارات والسودان، الأمر الذي يراه مراقبون أنه ربما يدفع بالرياض للتوجه نحو طريق لا مفر منه بالجلوس مع أهل اليمن، وترتيب إنهاء الحرب بعيدا عن أولئك المنتفعين من استمرار تورطها في هذا البلد، والبدء في حوار جاد مع طهران وحلحلة كثير من المشاكل والأزمات العالقة بينهما.

وتلك الخطوات يعتبرها كثير من المتابعين لأوضاع المنطقة مفتاح حل غالبية الأزمات فيها، باعتبار الأوضاع التي باتت لا تتحمل الكثير من العسكرة وفتح جبهات هنا وهناك، وأن مفتاح التهدئة ذاك بيد الرياض، التي لابد أن تسير وفق المنطق القائل إنه لا يوجد في السياسة صديق دائم أو عدو دائم، بل مصلحة دائمة.

فهل ستستخدم الرياض ذلك المفتاح؟ فإن كان الجواب نعم، فمتى وكيف؟

المصدر : الجزيرة