ارتفاع معدلات الجريمة بالأردن.. هل لقصور التشريعات أم الوضع الاقتصادي؟

صورة لمديرية الأمن العام
مديرية الأمن العام بعمان (الجزيرة نت)

هديل الروابدة-عمان

أثار تقرير رسمي أردني بارتفاع زيادة معدلات ارتكاب الجريمة في الأردن قلق الشارع الأردني وتصدرت اهتمامات الكتاب الصحفيين، والخبراء القانونيين والاجتماعيين، وتعالت التساؤلات عن أسباب هذا الارتفاع هل بسبب قصور التشريعات والتهاون في تطبيقها أم أن السبب هو الفقر وتردي الوضع الاقتصادي؟

فخلال الأسبوع الماضي ارتكبت خمس جرائم خلال 40 ساعة فقط، راح ضحيتها ثلاث سيدات ورجلان أحدهما من جنسية عربية، ليرتفع بذلك عدد ضحايا جرائم القتل من النساء إلى 12 منذ مطلع العام الجاري.

وعثرت الأجهزة الأمنية فجر الأحد الماضي على جثة سيدة مقتولة خنقا بيد أحد أبنائها، تلاها قتل سيدة لعجوز ثمانينية بسبب خلاف وقع بينهما دفع بالجانية إلى طعن المغدورة عدة طعنات، وفق بيان للأمن العام.

ولم ينته اليوم حتى أوقفت الأجهزة الأمنية راعيا للأغنام من الجنسية السورية أقدم على قتل زميله من الجنسية السودانية بسبب خلافهما على سقاية الأغنام.

أما الضحية الرابعة فكانت سيدة قتلها طليقها بعيار ناري في الرأس، ليدعي لاحقا أنها انتحرت قبل أن تكشف السلطات الأمنية عدم صحة ادعائه، في حين كان الضحية الأخيرة شاب قُتل بعيار ناري أثناء مشاجرة في منطقته.

‪صالح العرموطي: عدم تنفيذ أحكام الإعدام فاقم معدلات الجريمة‬ (الجزيرة نت)
‪صالح العرموطي: عدم تنفيذ أحكام الإعدام فاقم معدلات الجريمة‬ (الجزيرة نت)

خلافات شخصية
وأظهر تقرير جنائي صادر عن مديرية الأمن العام، زيادة معدلات الجرائم المرتكبة في الأردن خلال العام الماضي بنسبة 9.33% عن العام 2017.

وبحسب التقرير، فإن أكثر مرتكبي الجرائم ينتمون إلى فئة الأعمـال الحرة، تليها فئـة العاطلين عـن العمل، ضمن الفئة العمرية من 18-27 عاما، بدافع الخلافات الشخصية بنسبة 53.5% ثم الخلافات العائلية بنسبة 26.19%، بينمـا كانت أقل فئة ارتكابا للجرائم هي فئة الموظفين والعسكريين.

واعتبر مراقبون قانونيون أن معدلات الجرائم التي أظهرها التقرير مرتفعة وذات دلالات خطيرة، رغم تصنيفها "ضمن معدلات ثابتة نسبيا نظرا للتغيرات الطارئة على المجتمع الأردني وتفاعلاتها اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا"، بحسب تصريح مصدر أمني مسؤول للجزيرة نت.

الكاتب والمحلل السياسي زيد النوايسة يرى أن عوامل عدة تضافرت لترفع نسبة الجرائم في الأردن، أبرزها الاكتظاظ السكاني والضغوط التي فرضتها موجات اللجوء من دول الجوار، إلى جانب انتشار العمالة الوافدة غير المرخصة.

ويحيل النوايسة في حديثه للجزيرة نت جانبا من تزايد معدلات ارتكاب الجريمة في الأردن إلى "ما يعانيه المواطنون من فقر وبطالة والكبت الناجم عنهما".

وذهب النوايسة إلى أن "التراخي والتردي" في تنفيذ العقوبات هو ما أدى إلى استسهال ارتكاب الجريمة، مشيرا إلى أن هناك المئات من أحكام الإعدام الصادرة بحق مجرمين ما زالت قيد الإرجاء.

التغوّل على القضاء
ويتفق نقيب المحامين الأسبق النائب صالح العرموطي مع النوايسة في رأيه، قائلا "إن عدم تنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاء فيما يتعلق بعقوبة الإعدام فاقم من معدلات الجريمة"، معتبرا أن قانون العقوبات الأردني فيه ما يكفي من زجر ونهي عن ارتكاب الجنح والجنايات وخاصة بعد تعديلاته المشدِّدة عام 2017.

ويعزو العرموطي في حديثه للجزيرة نت، أسباب تعطيل تنفيذ الأحكام الجزائية وخاصة المتعلق منها بالإعدام، إلى ما وصفه تغوّل بعض مؤسسات الدولة على السلطة القضائية، وفقا لتعبيره.

وقال إن "حصر تنفيذ عقوبة الإعدام بمصادقة الملك، أدى إلى تأخيرها وتعطيلها، ونزع عنها صفتي الزجر والردع"، وفقا لوصفه.

واعتبر العرموطي أن عدم تنفيذ بعض العقوبات بحق المجرمين يستفز الشعور بعدم وجود عدالة، ويضرب ثقة المجتمع بالقانون فيتجهون لأخذ الحق باليد، بحسب قوله للجزيرة نت.

‪حسين محادين: عدم قدرة الأفراد على تأمين احتياجاتهم دفع البعض لكسب العمل بعيدا عن الضوابط الاجتماعية‬ (الجزيرة نت)
‪حسين محادين: عدم قدرة الأفراد على تأمين احتياجاتهم دفع البعض لكسب العمل بعيدا عن الضوابط الاجتماعية‬ (الجزيرة نت)

وصفة اجتماعية
من جهته، يقول أستاذ علم الاجتماع والجريمة في جامعة مؤتة، الدكتور حسين محادين، إن انعدام حالة الاستقرار وعدم قدرة الأفراد على تأمين احتياجاتهم الأساسية بسبب جمود المداخيل واتساع الفجوة بين شرائح المجتمع الأردني وانقسامهم إلى قلة أثرياء، وأكثرية فقراء، دفع البعض إلى السعي لكسب المال بعيدا عن الضوابط الاجتماعية. 

وقال "إن التغييرات الطارئة على المجتمع ساهمت في استبدال البُعد الخيري والتكافلي في المجتمع بمؤسسات مجتمع مدني تركز على شريحة تُعتبر شريكة في المصلحة الخاصة بها (حقوق المرأة، إصلاحات الأحداث، البيئة….) للحصول على التمويل من مؤسسات أجنبية داعمة"، بحسب ما قاله للجزيرة نت.

ودعا محادين إلى إيجاد وصفة اجتماعية متكاملة، تبدأ بدراسة السمات النفسية والاجتماعية الأولية للأفراد، عبر مؤسسات مجتمع مدني تفرد جزءا من تمويلها لبرامج التوعية الوقائية، وإعادة تأهيل أصحاب الأسبقيات وإعادة دمجهم في المجتمع، في ظل ارتفاع نسبة العودة لارتكاب الجرائم بعد الخروج من السجون ومراكز الإصلاح والتأهيل التي بلغت 39.8% وفقا لدراسة أعدتها المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي بالتنسيق مع وزارة العدل.

ورغم أن بيانات التقرير الجنائي تثبت ارتفاعا في معدل الجريمة، فإن الناطق الإعلامي في مديرية الأمن العام عامر سرطاوي يرى "أن طريقة تعاطي وسائل الإعلام مع أخبار الجرائم هي من تظهرها أنها مرتفعة"، وفق قوله للجزيرة نت.

وأشار إلى أن ربط الجريمة بالفقر اجتهاد غير دقيق بقوله "إن الفقراء أقل فئة ترتكب جرائم والأكثر التزاما، مشيرا إلى أن المجرمين من مدمني المخدرات وممن يسعون للحصول على المال دون عمل أو بذل أي جهد"، وفقا لتعبيره.

المصدر : الجزيرة