جمهورية المستريحين.. أرباح هائلة وتدهور اقتصادي وراء أشهر حالات النصب بمصر

صمت المصريين على الظروف الاقتصادية يثير علامات استفهام- الجزيرة نت
المكسب السريع والأرباح الخيالية مع التدهور الاقتصادي بالشارع المصري أهم الأسباب وراء انتشار ظاهرة المستريح (الجزيرة)

محمود صديق-القاهرة

توقع خبراء الأمن في مصر أن يكون سقوط أحمد المستريح -الذي استولى على أموال عدد من المواطنين تقدر بملايين الجنيهات بحجة توظيفها لهم- بمثابة جرس إنذار لمن يقعون ضحايا لعمليات نصب مشابهة لكن على نطاق ضيق، فأتت الرياح بكل ما لا تشتهيه السفن.

وكأن القبض على المستريح منتصف عام 2015 ثم الحكم عليه بالسجن 15 عاما أشعل خيالات هواة خداع المواطنين بالمكاسب السريعة الكبيرة، وأعطاهم دفعة كبيرة نحو تقليد المستريح، فبين فترة وأخرى تنشر الصحف المصرية أخبارا عن "مستريح" جديد، كان آخرها منذ أيام حين أعلنت وزارة الداخلية القبض على 4 أشخاص نصبوا على المواطنين بنفس الطريقة.

انتشار الظاهرة دفع وسائل الإعلام لإطلاق لقب "مستريح" على كل من يقوم بالنصب على المواطنين بحجة استثمار أموالهم وتشغيلها مقابل أرباح شهرية كبيرة، بعد أن أطلق على المستريح نفسه لقب "ريان الصعيد" نسبة لأحمد الريان صاحب ظاهرة توظيف الأموال في ثمانينيات القرن الماضي.

أرباح خيالية
وشهدت جمهورية المستريحين نشاطا واسعا، وجمعت أموالا كبيرة وصلت إلى أن جمع أحدهم -حسب التحقيقات وأقوال الضحايا- ما يقارب المليار جنيه (الدولار أقل من 17 جنيها)، حيث اتخذ المستريحون نفس الحجة (التوظيف) بنفس المفردات، وكان التغيير فقط في نوعية النشاط الذي يزعمون استثمار أموال المخدوعين به.

ففي مدينة المحلة الكبرى شمال غرب القاهرة استولى "م. ف. أ" (48 عاما) -حسب بلاغ مواطنين- على 40 مليون جنيه بزعم توظيفها في تجارة المستلزمات والأجهزة الطبية مقابل أرباح شهرية تبلغ 30-40%، ثم اختفى فجأة حتى تم القبض عليه في مايو/أيار الماضي.

بينما نجح "علي. م" وابنه وابنته وزوجها في جمع 70 مليون جنيه من أهالي مركز الخانكة التابع لمحافظة الدقهلية شمال القاهرة بدعوى استثمارها في تجارة البلاستيك وبناء مصنع لمنتجاته، ولم يفوا بوعودهم بصرف أرباح شهرية حتى قبضت عليهم الشرطة بمساعدة ضحاياهم.

مقار كالبنوك
وفي الدقهلية أيضا لكن بمنطقة المرج كون نصاب وشريكه شركة داخل مقر يشبه مقار البنوك من صالات مكيفة ومنافذ وأرقام انتظار لسحب الأرباح وأخرى للإيداع، وعقود وأوراق وخدمة عملاء، حتى نجح في جمع عشرات الملايين من الجنيهات.

وكانت الشركة تتلقى -حسب التحقيقات- ما يزيد على مليون جنيه يوميا من 1800 مواطن سال لعابهم على نسبة الأرباح الشهرية التي تقترب من نسبة الفوائد السنوية بالبنوك.

وتقدم مواطنون من نفس المحافظة يتهمون "ط. ر. أ" مقيم في منطقة حدائق الأهرام التابعة لمحافظة الجيزة ببلاغات يتهمونه بجمع 200 مليون جنيه لتوظيفها في مجال الأدوية والعقاقير الطبية مقابل أرباح شهرية تزيد على 40%.

أرقام قياسية
حجم انتشار الظاهرة تكشف عنه الأرقام الضخمة التي جمعها هؤلاء، ففي محافظة البحيرة سقط مستريح جديد حصل من مواطنين على ما يقارب نصف مليار جنيه بعد أن أوهمهم بتوظيفها في استيراد معدات لشركات الكهرباء الكبرى، وقال أحد ضحاياه للصحف إن المتهم جمع أموالا من يتامى، فضلا عن أموال زكاة.

أما مستريح طنطا في محافظة الغربية شمال القاهرة فقد استطاع الاستيلاء على 600 مليون جنيه بزعمه توظيفها في العقارات والسيارات مطلع العام الحالي.

أما المستريح صاحب الرقم القياسي في الأموال التي جمعها من ضحاياه "عمرو. ع" فقد أطلق عليه لقبا "الكنغ"، و"مستريح الموظفين"، بعد أن نجح في جمع ما يقارب مليار جنيه من زملائه الموظفين وأقاربهم بزعم توظيفها في شركة للاستثمار العقاري، وأخرى للاستيراد والتصدير بمدينة نصر أنشأهما لتسهيل إقناع زبائنه.

مستريحات أيضا

الطريف أن الأمر لم يقتصر على الرجال فقط، بل وصل إلى ظهور سيدات قمن بجمع ملايين الجنيهات بنفس الطريق أطلق عليهن لقب "المستريحة"، منهن سيدة بمدينة بلقاس بالدقهلية "منال. ح. م" استولت على 20 مليون جنيه، و"إيمان. ن" -وهي تاجرة فاكهة من محافظة الفيوم- استولت على مليون وخمسمئة ألف جنيه من خمس سيدات بحجة تشغيلها في تجارة الموالح، بالإضافة إلى أخرى من محافظة المنيا في صعيد مصر.

وتتشابه أقوال المواطنين الذين تعرضوا للنصب من قبل المستريحين، بدءا من إغرائهم في الشهور الأولى بصرف الأرباح العالية، فيطمعون أكثر ويدخلون بمبالغ مالية أكبر، ومنهم من يبيع عقارا أو مشغولات ذهبية.

ومع مرور الوقت يجلب المواطن أقاربه وأصدقاءه لتوظيف أموالهم، وما هي إلا شهور حتى ينكشف المستور، ويتأكد الجميع أنهم وقعوا ضحية عملية نصب واسعة النطاق جمع فيها المستريح ملايين الجنيهات واختفى.

ثقافة استسهال المكسب
الخبير الأمني اللواء سيد حمدين أكد أنه منذ ظهور أول مستريح بمحافظة الأقصر لا يمر أسبوع دون الإعلان عن مستريحين جدد في جميع مناطق الجمهورية، وقد استولوا على أرقام كبيرة بالملايين من ضحايا يسقطون في شباكهم بإغراءات الربح السريع عند توظيف أموالهم.

الغريب في الأمر -حسب كلام حمدين للجزيرة نت- أن نجد متعلمين وحملة شهادات جامعية بل وأحيانا أساتذة جامعة يقعون فريسة لهؤلاء النصابين رغم كل ما ينشر عنهم بشكل شبه يومي في الصحف والمحطات الفضائية ورغم التشابه الكبير في أساليب وطرق النصب.

وأضاف حمدين أن ما سماها ثقافة الطمع واستسهال المكسب السريع والحصول على ربح شهري كبير دون تعب هي المسؤولة عن ازدهار ظاهرة المستريح في مصر، مضيفا "يكفي أن نعرف أن السلطات الأمنية قبضت على 22 نصابا بنفس الطريقة خلال ثلاثة أشهر فقط".

لماذا يسقط الضحايا؟
ويرجع خبير إدارة المخاطر الأمنية إيهاب يوسف تكرار جرائم النصب بهذه الطريقة إلى انعدام وجود رؤية لدى الضحايا لاستثمار أموالهم بمشاريع خاصة وخوفهم من خسارة أموالهم حال الفشل، فيذهبون إلى النصابين الذين يوهمونهم بأرباح كبيرة يصرفونها لهم في الشهور الأولى فيكونون بمثابة دعاية نشطة ويجلبون له العشرات من أقاربهم ومعارفهم.

وإذا أضفنا -حسب الخبير الأمني- بند ارتفاع سعر الأرباح المزعومة بنسب تصل 40% شهريا من أصل رأس المال وربما أكثر في بعض الحالات يمكن تخيل كيف يداعب النصابون خيال البسطاء الحالمين بزيادة دخولهم في مواجهة زيادات الأسعار المتوالية وانخفاض القيمة الشرائية للجنيه.

وطالب يوسف في تصريحات صحفية وسائل الإعلام بالاستمرار في عرض نماذج وقصص للمجني عليهم كي يتنبه المواطنون قبل أن يقعوا ضحايا لتلك الأساليب.

وفي الثمانينيات انتشرت شركات توظيف الأموال، لكن الحكومة المصرية أغلقتها بتهمة إهدار أموال المودعين، وتحفظت عليها وردت الأموال إلى المواطنين خلال سنوات طويلة، سواء نقدا أو بضائع بأسعار مبالغ فيها، مما تسبب في خسائر كبيرة للمودعين.

وكان من أشهر تلك الشركات الريان والسعد والهدى، وقال أصحاب هذه الشركات إن الحكومة تدخلت ضدهم لحماية البنوك التي اشتكت من انسحاب العملاء منها لصالح شركات التوظيف التي كانت تقدم أرباحا أكبر.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي