إحكام للسيطرة أم تخفيض للقيود.. قانون العمل الأهلي يثير الجدل بمصر

صورة مجلس النواب المصري
مجلس النواب أقر تعديلات الحكومة على قانون الجمعيات الأهلية (الجزيرة)

أسدل مجلس النواب المصري (البرلمان) الأحد الماضي الستار على مشروع القانون المقدم من قبل الحكومة، والخاص بتنظيم ممارسة العمل الأهلي (الجمعيات الأهلية)، وتمت الموافقة عليه -كما كان متوقعا- من البرلمان، الذي يهيمن عليه أتباع السلطة ومؤيدوها.

وبينما أحيل القانون إلى مجلس الدولة لمراجعته تمهيدا لاستكمال إجراءات استصداره؛ يرى معارضو القانون الجديد أنه يتعارض مع مواد الدستور والتزامات مصر الدولية، ويقوض العمل المجتمعي، في حين يبدي آخرون ارتياحا كبيرا له، خاصة بعد إلغاء العقوبات السالبة للحريات واستبدالها بغرامات مالية.

وهذه المرة الثانية التي يتم فيها إدخال تعديلات على قانون الجمعيات الأهلية في مصر، بعد إقراره في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، والذي قوبل -آنذاك- باعتراض كبير من العاملين في العمل المجتمعي، وهو ما تجاهله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وصدّق عليه في مايو/أيار 2017، ليكون بديلا عن القانون رقم 84 لسنة 2002.

ولكن بعد الانتقادات التي تعرض لها القانون، خاصة خلال منتدى شباب العالم الذي عقد في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بمدينة شرم الشيخ (شمال شرق)، قرر السيسي تعديل القانون وكلّف الحكومة بتشكيل لجنة لتعديل القانون.

وكانت إحدى المشاركات في منتدى الشباب العالمي طالبت السيسي باستخدام صلاحياته الدستورية لتعديل قانون منظمات المجتمع المدني للبرلمان، مؤكدة أن القانون يمثل عائقًا كبيرًا أمام الجمعيات الأهلية في مساعدة الناس، وهو ما رد عليه بأنه متفق معها.

وضمت اللجنة المشكلة من قبل الحكومة وزيرة التضامن (رئيسا)، وعضوية ممثلين عن وزارات العدل والداخلية والخارجية وشؤون مجلس النواب والجهات النقابية.

وفي منتصف مايو/أيار الماضي، انتهت اللجنة من تعديل القانون وأرسلته لمجلس النواب، مشيرة إلى أنها استعانت بـ18 قانونا من 18 دولة، للاطلاع على التجارب الدولية في تنظيم العمل الأهلي، وأجرت حوارا مجتمعيا شاركت فيه أكثر من ألف جمعية أهلية، وسبعين منظمة دولية مرخصا لها بالعمل في مصر، حسب ما أعلنته وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي.

تأميم العمل الأهلي
ولم يلب القانون الجديد طموحات عدد كبير من العاملين في المجتمع المدني، لأنه لا توجد في مصر إرادة سياسية أو تشريعية لتحرير العمل الأهلي، وفق ما أوضحه عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) ناصر أمين.

وفي تدوينه له على موقع فيسبوك قال أمين "هناك المزيد من التحايل على الصياغة في نصوص القانون مع الإبقاء على تبعية وسيطرة جهة الإدارة على مقدرات العمل الأهلي ونشاطه".

ويوجد في مصر نحو خمسين ألفا و572 جمعية ومؤسسة، النشط منها نحو ثلاثين ألفا و402 جمعية، وغير النشطة نحو 1106، بينما التي تم حلها 5594، في حين حظرت 414، أما الذي أوقفت نشاطها فيبلغ نحو 81 جمعية، وفق تقديرات رسمية صادرة عن وزارة التضامن الاجتماعي في يناير/كانون الثاني الماضي.

وفي المقابل، أوضحت مديرة المركز المصري للدراسات الديمقراطية العليا داليا زيادة أن القانون الجديد خضع للتعديل نحو خمس مرات في خمس سنوات، مما يؤكد أن الدولة لديها قابلية للمجتمع المدني وتوفير مناخ قوي للعمل به.

ووفقا لمدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي فقد تحايل القانون بصيغته الجديدة على المادة 75 من الدستور التي تشترط تأسيس الجمعية بمجرد الإخطار، حيث وضع جملة من المعوقات أثناء تأسيس الجمعيات أهمها رفض التأسيس بسبب عبارات فضفاضة مثل الأمن القومي ومراعاة الصالح العام.

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن القانون الجديد يشترط لاكتساب الشخصية القانونية للجمعية عدم اعتراض الجهة الإدارية، كما أنه أبقى القانون على استثناء الجمعيات بالمناطق الحدودية من شرط الإخطار لتأسيس الجمعية، وجعلها بالترخيص المسبق بعد استطلاع رأي المحافظ.

ومضى قائلاً "إذا استطاعت مؤسسة الحصول على الترخيص، فهناك رقابة من السلطة التنفيذية تتمثل في لجنة نص عليها القانون تتحكم في كل تفاصيل العمل الأهلي ولها كل الصلاحيات لوقف العمل".

قيود للترهيب 
ورغم أن القانون الجديد استبدل العقوبات السالبة للحرية بغرامات مالية باهظة، فإن مدير منظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان علاء عبد المنصف يرى أنها تضيف مزيدا من التضييق على منظمات المجتمع الأهلي.

واستبدل القانون الجديد عقوبة الحبس بغرامة لا تقل عن نصف مليون جنيه ولا تزيد على مليون جنيه، لتلقي أو إرسال أموال من جهة أجنبية أو محلية أو جمع التبرعات بالمخالفات لأحكام القانون، أو مباشرة نشاط من أنشطة الجمعية، أو المؤسسة الأهلية رغم صدور قرار بوقف نشاطها أو بحلها، وكذلك الاستمرار في ممارسة العمل الأهلي دون اتخاذ شكل من الأشكال القانونية الخاضعة لهذا القانون رغم إخطاره بتوفيق أوضاعه وفوات المهلة المحددة في هذا الإخطار.

واعترض عبد المنصف -في حديثه للجزيرة نت- على اعتبار أموال الجمعيات في حكم الأموال العامة، وإخضاعها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات ولقانون العقوبات، موضحا أن الجمعيات ليست من مؤسسات الدولة، وليست أموالا عامة، مطالبا بأن تكون الرقابة متناسبة مع طبيعة العمل المجتمعي وليس مقيدة.

علاوة على ذلك، احتفظ القانون الجديد بباب خلفي لتقييد نشاط الجمعيات عن طريق الموافقة المسبقة على التمويل والمنح الدولية، وألغى حصول صندوق دعم الجمعيات الأهلية على نسبة 1% من كل تمويل لأي جمعية أهلية، والتي كانت مثار اعتراض عدد من الجهات المانحة، وفق ما أوضحته عشر منظمات حقوقية مصرية.

وقالت المنظمات -في بيان رفضت فيه مشروع قانون العمل الأهلي- إنه "من الممكن للدولة منع نشاط معين عن طريق رفض المنحة المقدمة له، كما أن القانون لم يشترط على الدولة إبداء أسباب الرفض".

وفي المقابل، يرى رئيس المنتدى العربي–الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان بجنيف أيمن نصري أن قانون الجمعيات الأهلية الجديد قانون مرن يتناسب بشكل كبير مع الآليات والضوابط الدولية التي تنظم عمل المنظمات غير الحكومية، والتي تضمن بشكل كبير استقلالية عملها.

وأوضح -في بيان له- أن القانون الجديد سيساعد المنظمات والهيئات غير الحكومية في تنفيذ رؤية مصر 2030، من خلال التعاون مع مؤسسات الدولة لمحاربة الفقر والبطالة وتحسين البنية التحتية والتعليم في الأماكن الأكثر فقرا والأكثر احتياجا.

المصدر : الجزيرة