أين يتجه التصعيد الأميركي الإيراني؟ إجابات من ثلاثة خبراء

طهران: رفعنا تخصيب اليورانيوم بنسبة 4.5% والزيادة خيار وارد
قرار إيران رفع نسبة تخصيب اليورانيوم جعل ترامب يهددها بعقوبات إضافية (الجزيرة)
ساعات قليلة فصلت بين بيان أميركي إلى مجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية جاء فيه استعداد واشنطن للتفاوض وصولا لإمكانية تطبيع كامل للعلاقات مع طهران، وبين تغريدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب يؤكد فيها أن إيران تخصب اليورانيوم سرا، ويتعهد بفرض عقوبات إضافية ضخمة.

وتترك مثل تلك التطورات المتلاحقة الخبراء مرتبكين في محاولات فهم تحركات واشنطن وطهران. ومع وقوع هجمات على ناقلات نفط في الخليج خلال الأسابيع الماضية وما تبعه من إسقاط طهران لطائرة مسيرة أميركية، تحاول مراكز بحثية استقراء المستقبل بوضع سيناريوهات متعددة. لكن سلوك ترامب وأسلوبه غير التقليدي يطيحان بكل هذه السيناريوهات مع ما يظهره أحيانا من تشدد، وما يبديه أحيانا أخرى من مرونة غير متوقعة.

الجزيرة نت حاورت خبراء لاستبيان اتجاهات التفكير السياسي والعسكري في العاصمة الأميركية تجاه التوتر في الخليج. وجاءت آراؤهم على النحو التالي:

الخبير العسكري ديفد دي روش المحارب السابق والأستاذ المساعد في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني الأميركية

يعتقد روش أن استمرار إيران في زيادة نسبة اليورانيوم المخصب يهدف للضغط على الأوروبيين ليضغطوا بدورهم على واشنطن حتى تتخلى عن تشددها.

وبيّن أن وجهة نظر الإيرانيين تتلخص في اضطرار طهران للذهاب في هذا الطريق بسبب "المجنون" ترامب. وهدف الإيرانيين على المدى الطويل هو ألا يعاد انتخاب ترامب لفترة ثانية بهدف تقليص سياسة الضغط الشديد التي يتبناها من ثماني سنوات إلى سنتين فقط.

ويعتقد روش أن الحرس الثوري الإيراني يستغل العقوبات لبسط سيطرته على كل نواحي الحياة الاقتصادية بدلا من محاولته تخفيف آثار العقوبات على شعب إيران.

ويرى أن دور الحرس الثوري سيتضخم مع استمرار العقوبات وتشديدها. ويقول في تقييمه لتأثير العقوبات "هناك معضلة في تطبيق عقوبات واسعة على النظم المستبدة والفاسدة مثل إيران. نعم يمكنك الضغط اقتصاديا وأن تسبب آلاما كبيرة، لكن على المدى القصير لا تتأثر النخبة الفاسدة من رجال الدين والحرس الثوري ومن يسيطرون على مراكز القوة".

ويضيف "علينا ملاحظة أن واشنطن اختارت عدم الرد على إسقاط الطائرة المسيرة، وهي أخطر مراحل التصعيد من إيران حتى الآن. ولم ترد إيران بأي عمل إيجابي على هذه الخطوة الأميركية".

وانتقد روش طهران، معتبرا أنها عوضا عن ذلك قامت "بالتصعيد عن طريق وكلائها الحوثيين في اليمن بهجمات متكررة على جنوب المملكة السعودية". وعن إمكانية جلوس الطرفين للتفاوض، يشكك العسكري القديم ويقول "إن إدارة ترامب أعربت عن رغبتها في الحوار مع إيران، لكن طهران تشترط رفع العقوبات أولا، وهو أمر لن يحدث".  

‪إيران خفضت التزامها بالاتفاق النووي‬ (الجزيرة)
‪إيران خفضت التزامها بالاتفاق النووي‬ (الجزيرة)

أليكس فاتنكا الباحث المتخصص في الشأن الإيراني بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن

يعتقد فاتنكا أن إيران "ستستمر في رفع معدلات اليورانيوم المخصب كما أعلنت، وهي تستخدم هذا الأسلوب كوسيلة ضغط من أجل الحصول على مقابل كبير من أجل أن تعود لمعدلات التخصيب التي نص عليها الاتفاق النووي الموقع عام 2015".

ويضيف الخبير ذو الأصول الإيرانية أنه "ليس لإيران ما تخسره اليوم من نتاج هذه السياسة حيث إن معظم العقوبات قد أعيد فرضها منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي العام الماضي".

ويؤمن فاتنكا أن "تشدد إدارة ترامب وفرض المزيد والمزيد من العقوبات أدى إلى أن تتشدد طهران من ناحيتها وتقاوم بكل الطرق الممكنة"، إلا أنه يرى أن "هناك رغبة من الطرفين للجلوس للتفاوض لكن يجب أن يحدث ذلك وهم مرفوعو الرأس ومن منطلق قوة وليس ضعف".

ويرى الخبير بمعهد الشرق الأوسط أنه يمكن وجود مساحة مشتركة تسمح "لإيران أن تستمر في انتهاك التزاماتها تجاه الاتفاق النووي من ناحية أن تجلس للتفاوض طبقا لنسق تلك المفاوضات التي أدت للتوصل للاتفاق النووي، ومن ناحية أخرى يمكن لواشنطن أن تجمد بعض العقوبات لفترات محددة مثل السماح ببيع النفط الإيراني أثناء انعقاد المفاوضات".

جودت بهجت أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الدفاع الوطني بواشنطن

بدأ البروفسور بهجت بالقول إن "قادة إيران يدركون أن سياسة الضغط الشديد التي تتبعها إدارة الرئيس دونالد ترامب تضعف ببطء النظام الإيراني. ورغم المعارضة الواسعة من أوروبا وروسيا والصين على العقوبات الأميركية الجديدة، كان لتلك العقوبات تأثير كبير في إضعاف الاقتصاد الإيراني وتقلص فرص تحسنه في أي وقت قريب".

ويرى بهجت أن "محاولات القادة الإيرانيين تصعيد الموقف كي يصل الضرر لأطراف أخرى حتى يتغير الموقف الأميركي لم يؤد للنتائج المرجوة بعد".

ولا يعتقد بهجت أن سياسة الصبر الإستراتيجي التي تتبعها إيران قد فشلت مع انسحاب ترامب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات.

ويعتقد أن حكام طهران يدخلون الانتخابات الرئاسية الأميركية 2020 في حساباتهم، ويقول إن "البعض يتصور إمكانية أن تستوعب طهران الضغوط الأميركية في الفترة المتبقية من حكم الرئيس ترامب، لكن قد يعاد انتخاب ترامب، وفي هذه الحالة سيكون من الصعب النجاة اقتصاديا مع استمرار فرض وتشديد العقوبات. ولا يمكن تصور أن بإمكان النظام الإيراني استيعاب تأثير الاستمرار في العقوبات لخمس سنوات قادمة".

ويضيف أن "ارتفاع نسبة البطالة وارتفاع نسب التضخم سيؤدي لغضب وإحباط في الشارع الإيراني وهذا ما لا يريده حكام طهران".

ويخلص بهجت إلى القول إنه من المستحيل على إيران قبول المطالب الـ 12 التي طرحها وزير الخارجية بومبيو في مايو/أيار 2018، ومن ناحية أخرى فتصميم طهران على عودة واشنطن للاتفاق النووي صعبة التحقيق إن لم تكن مستحيلة، ورغم ذلك فالباب غير مغلق تماما.

وفي الوقت الذي يريد ترامب فيه ضمانات أن طهران لن تسعى لامتلاك سلاح نووي، تبقى بقية الخلافات بين الطرفين قابلة للحل كما يرى بهجت.

المصدر : الجزيرة