"المنجل" مصطلح ولد في حراك الجزائر.. من يمسك مقبضه؟

A police officer gestures with his baton during confrontation with students at an anti-government protest in Algiers, Algeria May 19, 2019. REUTERS/Ramzi Boudina
يحاولون منع الطلبة الغاضبين من الوصول إلى مقر البرلمان (رويترز)

حمزة عتبي-الجزائر

"المنجل" مصطلح تزوّد به القاموس الجزائري في خضم الحراك الشعبي، وشاع تداوله بشكل واسع على شبكات التواصل الاجتماعي ثم انتقل إلى الواقع بصفة تدريجية.

يوظَف للدلالة على سلسلة الإقالات التي طالت بعض المسؤولين المحسوبين على الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، وما تبعها من ملاحقات قضائية ضد من يسمون "العصابة".

رافق ولادة المصطلح بروز شائعات جرى تداولها على الفضاء الافتراضي على نطاق واسع تفيد بأن مجموعة من ضباط شباب من الجيش شرعوا في اقتلاع رموز الفساد المتجذرة في مناصب سامية.

في حين ذهبت معالجات إعلامية إلى أن هذه العملية يقف وراءها رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح بغرض تطهير مؤسسات الدولة من أتباع القوى غير الدستورية.

وبُعيد تنحي بوتفليقة، أخذ المصطلح في التداول بشكل غير مسبوق، بالتوازي مع إطلاق حملة التحقيقات التي باشرها القضاء مع رجال أعمال وعسكريين متقاعدين وسياسيين.

المعنى ودلالاته
ومن منظور علم اجتماع اللغة، قال أستاذ علم الاجتماع مصطفى راجعي إن الكلمات المتداولة لديها استخدامات اجتماعية حسب السياقات، ويتم حدوث انزياح دلالي من حقل دلالي أصلي إلى حقل دلالي جديد.

وأوضح -في حديثه للجزيرة نت- أن المنجل لها دلالة باعتبارها أداة في الحقل الزراعي، انتقل استخدامها وتغيّر معناها في استعمال جديد في سياق جديد هو سياق الحراك الشعبي المطالب بالتغيير السياسي.

ومبرره في ذلك، أن الحراك يحتاج لغة وشعارات ورموزا وصورا تلخص وتركز على المعاني بطريقة اقتصادية بغرض إيصال عدة أفكار بأقل عدد من الصور أو الكلمات.

تتابع المحكمةُ قضايا فساد مختلفة (رويترز)
تتابع المحكمةُ قضايا فساد مختلفة (رويترز)

ولعلّ مصطلح "المنجل" الذي ظهر بالصفحات الاجتماعية كان مرتبطا بالعملية السياسية والقضائية الجارية بهدف تنحية رموز النظام السابق، على حد قول راجعي.

وترمز هذه الاستعارة -وفق الباحث- إلى عملية حصاد السنابل التي ثقلت بالحبوب في دلالة مناسبة لوصف حملة تطهير واقتلاع المسؤولين السابقين من مناصبهم، بإسقاط الزمن السياسي على موسم الحصاد الزراعي.

منتج مخابر
لكن من الناحية السياسية، يبدو أن المصطلح -من وجهة نظر أستاذ العلوم السياسية بشير بودلال- ليس عفويا، بل هو نتاج مخابر تتكامل في عملها مع هيئات متعددة تمهد لعودة الجيش لدوره التاريخي.

ذلك أن المؤسسة العسكرية في النظام السياسي الجزائري -وفقا لبودلال – بمثابة العمود الفقري للدولة على اعتبار أن الجيش قلب تفاعلات النظام ومصدر الشرعية وصاحب السلطة السياسية والسيادية.

على هذا الأساس، يعمل الجيش على استرجاع آليات السلطة تدريجيا بعدما فقدها في فترة حكم بوتفليقة الذي سعى إلى إضعاف دور المؤسسة العسكرية وخلق مراكز قوى جديدة، بحسب تصور بودلال.

ويرى بودلال في حديثه للجزيرة نت أن الجيش يحظى في الفترة الأخيرة بدعم شعبي للاستمرار فيما يسمى "التمنجيل" بسبب حجم الفساد والتجاوزات الرهيبة التي حدثت في فترة حكم بوتفليقة.

وخلص إلى أن عملية "التمنجيل الاستعراضي" تحمست لها فئة من عامة الجزائريين، كونها نوعا من التنفيس والتغطية على قضايا جوهرية أهم.

دخول أحد المتهمين في قضايا الفساد محكمة سيدي امحمد بالعاصمة (رويترز)
دخول أحد المتهمين في قضايا الفساد محكمة سيدي امحمد بالعاصمة (رويترز)

الجيش والمنجل
من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية سمير رزيق أن قائد أركان الجيش هو من يمسك مقبض المنجل بتوافق وانسجام مع عناصر من داخل مؤسسة الجيش.

وقال رزيق للجزيرة نت إن إطارات الجيش كانوا على علم تام بمخططات "أعداء الوطن" بوضع الشعب بين خيار الولاية الخامسة لبوتفليقة أو خيار الفوضى وتدويل القضية أو استدعاء قوى خارجية للتدخل.

من هذا المنطلق -يضيف رزيق- وجد الجيش نفسه في مهمة دستورية لحماية السيادة الوطنية، وتعهد بعدم المساس بأمن المواطن وحماية الشعب ومرافقته لغاية تحقيق كل مطالبه.

وأشار إلى أن قائد الأركان قد تحدث بإحدى رسائله السابقة عن ما أسماه التوقيت المناسب لتدخل الجيش، وهو ما يفسر أن الأخير كان على علم بتحركات القوى السياسية غير الدستورية واستل منجله لحصد رؤوس الفساد.

المصدر : الجزيرة