العائدون من المافيا.. موتى يمشون على الأرض

A person is escorted by local police after they confiscated a villa built illegally by an alleged Mafia family in Rome, Italy, November 20, 2018. REUTERS/Yara Nardi
الشرطة الإيطالية تقتاد شخصا عقب مصادرة فيلا شيدت بطريقة غير قانونية من لدن عائلة تعمل مع المافيا (رويترز-أرشيف)

كان لويجي بونافينتورا (47 عاما) في فترة من فترات حياته زعيما لمافيا قوية تسمى "ندرانغيتا" تنشط في مدينة كروتوني جنوبي إيطاليا، غير أنه قرر عام 2006 التخلي عن عالم الجريمة، ليصبح أحد أبرز المتعاونين مع القضاء الإيطالي من أجل محاربة المافيا، ويطلق عليه في اللغة الإيطالية الشعبية اسم "بنتيتو" (تائب).

ويوجد من أمثال بونافينتورا 1100 شخص في إيطاليا، وهم رجال وبضع نسوة أبرموا اتفاقيات مع السلطات للإدلاء بالشهادة مقابل تقليص العقوبة المقررة بحقهم، فضلا عن تعويض شهري بقيمة 1500 يورو، مع توفير حماية لهم من لدن أفراد الشرطة، وإعطائهم هويات مزيفة وشققا.

ورغم كل ذلك فهؤلاء التائبون يطلق عليهم "الموتى الذين يمشون في الأرض"، فهم يعيشون تحت تهديد الانتقام من العصابات الإجرامية التي كانوا ينتمون إليها.

ويقول بونافينتورا إن لديه أشياء عديدة يدلي بها عن أنشطة المافيا داخل إيطاليا وخارجها، فهو القائد السابق لعصابة كانت تسمى "العشيرة المخيفة" التي راكمت ثروتها من تهريب الكوكايين. ويضيف "بفضل شهادتنا فقط يمكن للسلطات الإيطالية هزيمة المافيا التي تسللت إلى مستويات عليا داخل السلطة السياسية، وعالم الاقتصاد في البلاد".

وبلغة فيها الكثير من التحدي، يقول زعيم العصابة التائب "أفضّل أن أموت من أجل المجتمع المدني ومن أجل أطفالي، على أن أموت ضمن منظمة إجرامية تقوم على عقيدة الأوامر".

‪شرطي إيطالي أثناء مداهمة بيت لإحدى عصابات المافيا في روما‬ (الأوروبية)
‪شرطي إيطالي أثناء مداهمة بيت لإحدى عصابات المافيا في روما‬ (الأوروبية)

ظروف صعبة
من جانب آخر، يندد بونافينتورا بالوضع المحفوف بالمخاطر الذي يعيشه التائبون من عمل عصابات المافيا، إذ يشير إلى أنهم يعاملون بطريقة سيئة، فهم لا يمنحون شروط إعادة بناء حياتهم في أمان، فلا وثائق هوية حقيقية ولا مساعدات للعودة إلى سوق الشغل، ويقول إن السلطات لا تأخذ بعين الاعتبار المخاطر المترتبة عن شهاداتهم.

فعلى مدار 12 عاما مضت، تعاون بونافينتورا مع السلطات لتنفيذ أكثر من خمسمئة عملية اعتقال لعناصر في المافيا سواء في إيطاليا أو ألمانيا. ويضيف أن المعلومات التي قدمها سمحت بإسقاط العديد من قيادات المافيا في الجنوب الإيطالي، وبإضعاف إمبراطورية "ندرانغيتا".

فخلال 200 جلسة استماع مع بونافينتورا، تمكنت السلطات من فك رموز الطريقة التي تستعملها المافيا لتوظيف خبراء في غسيل الأموال بمساعدة رجال أعمال ومسؤولين حكوميين محليين.

حماية ضعيفة
اضطرت أسرة بونافينتورا لتغيير مقر سكنها تسع مرات في السنوات الـ12 الماضية نتيجة التهديدات بالقتل، وفي هذه السنوات كان لويجي يذهب مرات عديدة إلى إحدى المحاكم تحت حراسة للإدلاء بشهادته، وغالبا ما يكون ذلك من وراء شاشة أو في أحد أقبية جهاز المخابرات. وفي صيف العام الماضي ألغي برنامج حماية بونافينتورا نتيجة لما توفر له من حرية للتعبير على منصات التواصل الاجتماعي.

غير أنه في أعياد الميلاد للعام 2018، وقعت جريمة ذكّرت إيطاليا بهشاشة أوضاع التائبين وذويهم، الذين يستفيد 5000 منهم من برامج الحماية الأمنية، إذ قتل في مدينة بيزارو شخص يدعى مارسيلو بإطلاق النار عليه وسط الشارع، وكان القتيل شقيق أحد التائبين من عمل المافيا.

وعلى مدار ثلاثين عاما، أصبح نظام التوبة حجر الأساس في معركة إيطاليا ضد المافيا، ويقوم على جلسات استماع لعناصر سابقة بهذه العصابات الإجرامية، وعلى التحقيقات الميدانية، فضلا عن استنطاق المسجونين من هذه العصابات.

خطورة المافيا
يقول وكيل وزارة الداخلية الإيطالية لويجي غيتي الذي يقود هذا الشق من إستراتيجية محاربة المافيا، إن الجريمة تغيرت ومعها طبيعة التهديدات. ويضيف "نحن الآن أمام مافيا غنية تشتري الذمم، وتسعى قبل كل شيء للضغط على الشهود وشراء صمتهم أو تعديل شهاداتهم".

وتقول زوجة أحد التائبين "إذا كان التعاون مع السلطات يعني العيش في الخوف ودون مال أو حياة اجتماعية، فإن الخطر يكمن في أن عددا أقل من الناس سيوافقون على المشاركة في برامج التعاون، وفي ذلك انتصار للمافيا". فبمجرد أن تنتهي مهمة التائبين في الإدلاء بكل المعلومات المتوافرة لديهم، يتم إنهاء برامج الحماية الأمنية المخصصة لهم.

وتقول الزوجة المذكورة -التي تترأس شبكة لدعم أسر التائبين والتي لجأت إلى ألمانيا رفقة أطفالها- إن ثلاثين من المتعاونين السابقين مع العدالة الإيطالية يعيشون اليوم في خطر شديد.

المصدر : لوموند