لماذا غيبت إسرائيل الصراع مع الفلسطينيين عن أجندة الانتخابات؟

نتنياهو يراهن على الحلفاء التقليديين من الحريديم واليمين المتطرف لولاية خامسة.
نتنياهو يراهن على الحلفاء التقليديين من الحريديم واليمين المتطرف لولاية خامسة (الجزيرة)

محمد محسن وتد-القدس المحتلة

تعمدت الأحزاب الإسرائيلية تغييب الصراع مع الفلسطينيين عن أجندتها وبرامجها، في وقت يواصل فيه اليوم الجمهور الإسرائيلي الاقتراع بانتخابات ممثليه بدورة الكنيست الـ 22.

وشكل التزام الصمت حيال الملفات الحارقة والمتعلقة بحل الدولتين -أو حتى السلام والمفاوضات مع السلطة الفلسطينية- بوصلة قادة الأحزاب، ليبقى مشهد الضبابية والتضليل سيد الموقف لحين حسم الصندوق.

وبمعزل عن نتائج حسم الصندوق وما ستفرزه من أحزاب وتحالفات بين معسكرات اليمين والمركز في ظل تراجع معسكر اليسار الصهيوني، اعتبر محللون إسرائيليون أن الخاسرين الكبار بانتخابات 2019 هم ملفات السلام مع الفلسطينيين والعالم العربي، وتراجع الثقة بالمؤسسات التشريعية والحكومية، والتعايش بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية والتحرر من الدين.

ويسعى معسكر اليمين -الذي يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ويعتمد على أحزاب اليمين المتطرف وأحزاب الحريديم- إلى ضم الضفة الغربية المحتلة أو الكتل الاستيطانية إلى السيادة الإسرائيلية.

‪أحزاب الحريديم تستعين بالحاخامات وكبار علماء اليهودية لاستمالة الناخبين‬  (الجزيرة)
‪أحزاب الحريديم تستعين بالحاخامات وكبار علماء اليهودية لاستمالة الناخبين‬  (الجزيرة)

وقد شرع الكنيست المنتهية ولايته ما لا يقل عن ستين مشروع قانون يمهد للضم، حيث تم المصادقة على ثمانية قوانين دخلت حيز التنفيذ، في وقت تم تجهيز عمليات الضم القانونية وتحديد سلطة ونشاط إسرائيل بالضفة.

وأظهرت قاعدة بيانات جديدة جمعتها منظمة "ييش دين" أنه كلما يتم التأكيد على تكريس الضم وفرض السيادة الإسرائيلية يتزايد الانطباع بأن إسرائيل تتحول إلى نظام "أبرتهايد" ودولة عنصرية يعيش تحت حكمها وسيادتها نوعان من الناس: مواطنون إسرائيليين يتمتعون بكامل الامتيازات والحقوق، وسكان فلسطينيون محرومون من الحقوق السياسية وغيرها من الحقوق الأساسية.

إمكانيات المناورة
ووسط تعقيدات المشهد السياسي -وفقا لمحللين- سيجد رئيس الوزراء المقبل، أيا كان، نفسه مكبلا وملتزما بحقيقة اجتماعية وجيوسياسية قد تشل قدرته على إحداث تغيير، إذ ستتقلص إمكانيات المناورة لرئيس الوزراء وستكون رهينة لقيود التحالفات المختلفة مع تيار الحريديم وتيار الصهيونية الدينية المتجددة.

‪إلدار: اليهود الإسرائيليون لا يريدون‬  (الجزيرة)
‪إلدار: اليهود الإسرائيليون لا يريدون‬  (الجزيرة)

وعن الأجندة الوطنية بالحملة الانتخابية، وتركيبة القوائم الصهيونية، واستطلاعات الرأي العام، وخطاب الأحزاب السياسية، يقول المحلل السياسي عكيفا إلدار إنه من الأسهل زرع بذور الكراهية بدلا من اقتلاعها، مع وجود عبء هائل من الخوف والكراهية بعد تراكمها خلال حكم نتنياهو الممتدة على أربع ولايات.

ويضيف للجزيرة نت أنه سيكون من الصعب والمستحيل لأي تحالف حكومي مستقبلي التفاوض للتسوية مع الفلسطينيين وحتى العالم العربي على أساس واقعي، وفقا للقرارات الدولية، بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل أي على أساس حدود عام 1967، والتسويات الحدودية المتفق عليها وإخلاء المستوطنات والاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين.

حل الدولتين
وليس لأحزاب معسكر المركز واليسار الصهيوني أي فرصة لتشكيل وتجنيد "أغلبية يهودية" بالكنيست للمضي في حل الدولتين. ويبقى هذا الافتراض الأكثر إشكالية.

وحسب إلدار، فإن أي زعيم يهودي لن يوقع على اتفاق دائم يتضمن انسحابا من معظم مناطق الضفة يستند إلى "أغلبية غير يهودية" بالبرلمان أو ما يسمى الكتلة المانعة، على غرار ما حظيت به حكومة إسحق رابين التي وقعت اتفاق أوسلو مع السلطة الفلسطينية منتصف تسعينيات القرن الماضي.

‪
‪"عوتسما يهوديت" تحالف أحزاب الفاشيين من اليمين والمتدينين‬ (الجزيرة)

وحسب مراقبين، لا تريد الغالبية المطلقة من اليهود الإسرائيليين دفع ثمن السلام. وهناك أقلية صغيرة تقدر بأقل من 15% مستعدة لدفع الثمن والتنازل عن الأرض وهي تؤيد "العمل، ميرتس" وهما الحزبان الوحيدان اللذان دافعا عن حل الدولتين.

في المقابل، فإن حزب "كاحول لافان" برئاسة بيني غانتس -الذي تتقدمه قيادات محسوبة على معسكر اليمين، مثل وزير الدفاع السابق موشيه يعالون، يوعاز هندل، تسفي هاوزر- يرى أن عبارة "الدولة الفلسطينية" مصطلح فظ ومشين.

وإذا لم تحصل مفاجآت مذهلة -حسب إلدار- فإن "طرح دولتين لشعبين أو دولة ثنائية القومية سيستمر في التلاشي، كما ستواصل الديمقراطية الإسرائيلية ومؤسساتها في حالة الضعف والهوان وفقدان ثقة الجمهور".

‪كوفمان: نتنياهو يستعين بالحريديم‬ (الجزيرة)
‪كوفمان: نتنياهو يستعين بالحريديم‬ (الجزيرة)

صراعات داخلية
وعن المعاني والدلالات لتعزيز قوة أحزاب الحريديم بالمشهد السياسي، يرى الحاخام إلياهو كوفمان المحسوب على تيار الحريديم أن الأحزاب والتيارات الحريدية تنشط وتسعى لتحقيق أهدافها ومصالح مؤيديها فقط، بحيث ما زالت منغلقة على ذاتها ولديها صراعات داخلية حالت دون تحالفها تحت مظلة واحدة للحريديم الذين لا يؤمنون بالحل السلمي وينتظرون قدوم "المسيح المنتظر" لحكم البلاد.

وعن تعزيز نفوذ تيارات الحريديم بالمشهد السياسي ممثلة بـ حركة شاس، يهدوت هتوراة، ديغيل هتوراة" يقول كوفمان للجزيرة نت "نتنياهو عزز ثقافة الارتهان إليهم والاعتماد عليهم، حتى باتوا الشركاء التقليديين لنتنياهو الذي يستعين بهم للبقاء بالحكم، مقابل الاستجابة لكافة مطالبهم حتى وإن كانت ذات طابع ابتزازي أحيانا.

واستبعد الحاخام أن تبقى تيارات الحريديم صاحبة القول الفصل في تشكيل الحكومات، وعزا ذلك إلى وجود صراعات داخلية تصل لحد الانشقاقات في بعض التيارات، لافتا إلى أن المشهد السياسي ما عاد ليحتمل ابتزاز الحريديم الذين لا يؤمنون بالصهيونية.

واعتبر أنهم يؤكدون على حكم البلاد وفقا لتعاليم الشريعة اليهودية، ويصطدمون بذلك مع تيارات سياسية واسعة خاصة الصهيونية الدينية المتجددة التي تدمج مع الصهيونية والتوراة، وهو الصراع الذي سيتأجج بين الإسرائيليين أنفسهم حول العلمانية والديانة اليهودية.

المصدر : الجزيرة