لوبوان: كيف أدار بوتفليقة دولاب الحكم؟

A file picture dated 21 February 2011 shows Algerian President Abdelaziz Bouteflika
أريفي: بوتفليقة بدأ رئاسته في بلد كان يعاني من حالة صدمة (الأوروبية)

قال الكاتب بمجلة لوبوان الفرنسية أرمين أريفي -في تقرير له عن كيفية إدارة الرئيس الجزائري المستقيل عبد العزيز بوتفليقة دولاب الحكم- إنه وعلى الرغم من تركه بصمة في تاريخ بلاده فإن حصيلة حكمه تُظهر تباينا واضحا.

 

واستهل تقريره بالقول إنه وعلى إثر حرب أهلية دامت لأكثر من عشرة أعوام وخلفت مئتي ألف قتيل، وجد بوتفليقة نفسه، مع وصوله إلى الرئاسة عام 1999، أمام بلد يعاني من حالة صدمة. وتمثلت مهمته آنذاك في المصالحة بين الأمة.
 
ورغم أن الفضل في تهدئة الأوضاع يعود لسلفه اليمين زروال فإن بوتفليقة اتخذ إجراءين مهمين لطيّ صفحة "العشرية السوداء" نهائيا.

إجراءان مهمان
ففي سبتمبر/أيلول 1999، أُخضع للاستفتاء مشروع قانون "الوئام المدني" ينص على عفو جزئي عن الناشطين الإسلاميين الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء شريطة أن يتخلوا عن الكفاح المسلح، ونال القانون تأييدا شعبيا بنسبة 90% وألقى أكثر من ستة آلاف رجل أسلحتهم تدريجيا، ثم وضع بوتفليقة قانون العفو وهو "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية" في سبتمبر/أيلول 2005 الذي ينص على تعويض أسر المختفين وتقديم مساعدات لعائلات "الإرهابيين".

‪العام الماضي صُنفت الجزائر بالمرتبة 105 من جملة 180 دولة في مجال الفساد‬ (الجزيرة)
‪العام الماضي صُنفت الجزائر بالمرتبة 105 من جملة 180 دولة في مجال الفساد‬ (الجزيرة)

ويضمن هذا الميثاق تبرئة جميع قوات الأمن بغض النظر عن الانتهاكات المرتكبة. وعلى الرغم من أن هذه التدابير خدمت شعبية الرئيس فإنها لم تسمح بتحديد المسؤولين عن المذابح المتعددة، في ظل غياب التحقيق، كما أبقت على قضية عشرات الآلاف من المفقودين -التي ما تزال تثقل كاهل الجزائريين- مفتوحة.

وأوضح الكاتب أنه بعد هذا النجاح السياسي الواضح، أجرى بوتفليقة ثاني أبرز إصلاحاته، حيث لم يتردد في إبعاد الجنرالات الرئيسيين عن السلطة، وهم ذات الجنرالات الذين أوصلوه إلى الرئاسة عام 1999 لكنهم أصبحوا يعرقلون حكمه المطلق، وكرّر السيناريو نفسه قبل بضعة أشهر من الانتخابات الرئاسية لعام 2014، بتغيير رؤساء أجهزة المخابرات النافذة والتابعة لإدارة الاستعلام والأمن الذين استفادوا من الحرب على الإرهاب للتسلل إلى مؤسسات البلاد.

فاعل لا غنى عنه
وقال الكاتب إنه ومن خلال الانتصار العسكري على "الإسلاميين الجزائريين" والدعم المسلح لجبهة البوليساريو في الصحراء الغربية بمواجهة المنافس المغربي، والتعاون مع الغرب بالحرب ضد الإرهاب، والإدارة المستقلة لعملية احتجاز الرهائن بموقع عين أميناس لاستخراج الغاز، أكدت جزائر بوتفليقة -خلال العقد الماضي- أنها قوة إقليمية لا غنى عنها، خاصة مسألة رفضها لأي تدخل أجنبي على أراضيها.

ووفق تقرير صادر عن المعهد الدولي لأبحاث السلام، العام الماضي، تحتل الجزائر المرتبة السابعة من بين أكبر مستوردي الأسلحة التقليدية بالعالم. والتي تُستخدم أحيانا في القمع الداخلي. فبين أبريل/نيسان 2001 وعام 2002، قمع الجيش دمويا "أعمال الشغب" التي اندلعت في منطقة القبائل والمعروفة باسم "الربيع الأسود".

‪استنفار عسكري في عين أميناس مطلع 2013‬ (الأوروبية)
‪استنفار عسكري في عين أميناس مطلع 2013‬ (الأوروبية)

حالة الطوارئ
وأشار الكاتب إلى أن حالة الطوارئ التي اُعتُمدت عام 1992، تحظر أي تجمع وتأذن بالاعتقالات التعسفية، باسم مجابهة الإسلاميين. وعلى الرغم من رفعها رسميا في فبراير/شباط 2011، فإنها ظلت سارية واقعيا، الأمر الذي أعاق حرية التظاهر والحق في الإضراب. وفي مجال حرية الصحافة، عبّر بوتفليقة منذ أول ولاية له عن تصميمه على احترام حرية التعبير. لكن، ومثلما ذكرت منظمة "مراسلون بلا حدود" ظلت حرية المعلومات تواجه تهديدا هاما منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2014.

الاقتصاد: نفط وفساد
وذكر المقال أن ثروة الجزائر لم تكن لها فائدة للبلاد إن لم تكن وبالا عليها. فالجزائر ثالث أكبر منتج للنفط الخام بأفريقيا وتاسع منتج للغاز عالميا، وتمثل الهيدروكربونات أكثر من 95% من الإيرادات الخارجية وتساهم بنسبة 60% في ميزانية الدولة. ومع ارتفاع أسعار النفط الخام بين 2004 و2014، شرع بوتفليقة بتنفيذ مشاريع أشغال عامة واسعة على غرار مترو الجزائر والطريق السريع بين الشرق والغرب، وسد بني هارون، كما نجح بتقليل الديون، في حين راهن على فتح الأبواب أمام الشركات الأجنبية.

في المقابل، برزت مشكلة استحواذ الحكومة على معظم العقود الكبرى، مما ترتب عنه سمعة سيئة للسجل الرئاسي بسبب عدة فضائح فساد على نطاق واسع. وعلى سبيل المثال، سلط التستّر على اختلاس بنك الخليفة الخاص، والكشف عن دفع مليارات الدولارات من الرشاوى في إطار عقود مع شركة "سوناطراك" الضوء على تورط حاشية الرئيس والفساد المتفشي بأعلى هرم الدولة. يٌذكر أن منظمة "الشفافية الدولية" صنّفت الجزائر العام الماضي بالمرتبة 105 من أصل 180 دولة من حيث الفساد.

الربيع المُجهض
لم تسلم الجزائر من الربيع العربي، حيث إنها منذ بداية 2011، سار الجزائريون على خطى جيرانهم التونسيين ونزلوا للشوارع أيضا للمطالبة بالعدالة الاجتماعية. ورداّ على ذلك، ضخ بوتفليقة نحو 24 مليار دولار لتعويضٍ أفضل للموظفين المدنيين ومساعدة الشباب، علما بأن الرئيس طالما استفاد من الصدمة التي ما تزال حية بالأذهان إزاء "العشرية السوداء".

المصدر : الصحافة الفرنسية