بعد حادثة "قرطبة".. أي موقع للإسلام السياسي بالسودان؟

علي الحاج واديس سليمان في مؤتمر صحفي حول أحداث قرطية (الجزيرة نت)
إدريس سليمان (يمين) وعلي الحاج في مؤتمر صحفي بعد حادثة قرطبة (الجزيرة)

مزدلفة محمد عثمان-الخرطوم

فجّر الهجوم الذي تعرضت له قيادات وكوادر حزب "المؤتمر الشعبي" في السودان أثناء اجتماع في الخرطوم يوم السبت الماضي من مواطنين غاضبين ردود أفعال مختلفة.

وصبت الردود في مجملها في خانة تجريم التصرف، لكنها أعطت مؤشرا على حالة رفض بدأت تتشكل في الساحة السودانية حيال كل ما له صلة بالإسلام السياسي.

وخلّف الهجوم المباغت الذي نفذه العشرات من أهالي حي "الصحافة" شرق العاصمة السودانية على قاعة "قرطبة" الخاصة والمستأجرة من المؤتمر الشعبي لاستضافة اجتماع مجلس شوراه، أكثر من ستين مصابا بعضهم في حالة خطرة.

وفي نظر كثير من السياسيين وكذلك الرأي العام الغالب في السودان، فإن المؤتمر الشعبي الذي أسسه الزعيم الإسلامي الراحل حسن الترابي مسؤول عن وصول الرئيس عمر البشير للحكم، باعتباره (الترابي) المخطط للانقلاب الذي مهد لصعود البشير عام 1989.

ومع رحيل البشير ونظامه في 11 أبريل/نيسان الجاري، إثر انقلاب عسكري مهدت له ثورة شبابية عارمة امتدت أربعة أشهر تقريبا، باتت الأعين تترصد بريبة كل ما له صلة بحركة الإسلام السياسي، وظهرت على نحو بيّن حالة العداء القديمة بين التيارات السياسية المخالفة للحركة الإسلامية.

ولأن حكومة البشير خلفت تركة ثقيلة من انتهاكات وتباينات غزت المجتمع السوداني كانت تنفّذ في غالبها باسم الدين، فإن الغضبة على كل هذا الموروث كانت قوية وتبدت في الحشد العنيف ضد قادة المؤتمر الشعبي.

‪صديق حسن الترابي: ما حدث كان فيه
‪صديق حسن الترابي: ما حدث كان فيه "كثير من العشوائية واللاعقل"‬  (الجزيرة)

عشوائية وغوغائية
ويعتقد القيادي في المؤتمر الشعبي ونجل مؤسس الحركة الإسلامية صديق حسن الترابي أن الحادث لا يمكن اعتباره رفضا سودانيا للإسلام السياسي؛ لأن السودانيين تعودوا أن الإسلام لا يمكن تقسيمه إلى سياسي وآخر شخصي.

وقال صديق للجزيرة نت إن ما حدث كان فيه "كثير من العشوائية واللاعقل والغوغائية في الاعتداء". واتهم جهات منظمة كانت وراء الأحداث، معتبرا أنها "جبلت منذ عشرات السنين في ثقافتها على ممارسة العنف الثوري والتخويف للقوى السياسية المناوئة".

وأشار صديق إلى أن هذه الجهات -التي لم يشأ أن يسميها- كذبت على من حشدتهم وقالت لهم إن اجتماع المؤتمر الشعبي كان لقاء لكتائب الظل وللداعية الإسلامي الشيخ عبد الحي يوسف.

وأضاف أن "ذلك ليس رفضا للإسلام لكنه استفزاز بسيط قد يوقظ الإسلاميين إلى واقع أكثر مرارة مما كانوا يظنون.. لأننا كنا نظن أن المسألة سياسية وأن أيام الاحتقان ولت مع طريقة الحكومة السابقة في معاملة المعارضين، لكن يبدو أن هذه الثقافات متجذرة".

في دائرة الاتهام
وأكدت مصادر في المؤتمر الشعبي للجزيرة نت أن الحادث دبر من قِبَل الحزب الشيوعي وحزب الأمة القومي وأن كوادر هذين الحزبين كانوا معروفين وسط المجموعة المهاجمة، وهي التي حرضت المواطنين وغررت بهم، باعتبار أن الاجتماع محاولة لوأد الثورة التي أطاحت بحكم البشير.

‪العربة التي جابت أحياء الصحافة للتحريض ضد اجتماع المؤتمر الشعبي‬ (مواقع تواصل) 
‪العربة التي جابت أحياء الصحافة للتحريض ضد اجتماع المؤتمر الشعبي‬ (مواقع تواصل) 

كما لفت مسؤول رفيع في الحزب تحدث للجزيرة نت إلى أن إحدى كريمات زعيم حزب الأمة ظلت على مدى أكثر من أسبوع تدون منشورات تحريضية ضد المؤتمر الشعبي وأمينه العام.

من جهته، أكد مسؤول في الحزب الشيوعي للجزيرة نت أن حزبه لا يتبنى أي خط عنف تجاه أي حزب في الساحة السودانية، واعتبر الاتهامات غير العلنية لحزبه غير واقعية بأي حال.

يذكر أن حزبي الأمة والشيوعي كانا من بين القوى التي دانت الهجوم، حيث أصدر تحالف قوى "إعلان الحرية والتغيير" بيانا ليل السبت شجب الاعتداء وأكد الإيمان بالحق في التجمع والتعبير للجميع وأن الوطن الذي يعمل الثوار للنهوض به "لا مكان فيه للإقصاء أو لأخذ الحقوق بالعنف".

وفي البيان ذاته، أرسلت قوى المعارضة صوت إدانة للمؤتمر الشعبي حين أشارت إلى أن رموزه تتحمل وزرا كبيرا فيما حدث للبلاد في الثلاثين عاما الماضية.

دعاية سوداء
ويصف الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي إدريس سليمان موقف قوى المعارضة بالغامض وأن البيانات الصادرة بشأن الحادثة حملت قدرا كبيرا من النقد لحزبه رغم إدانتها للاعتداء.

‪إدريس سليمان: الحادثة مدبرة بقصد إحداث فوضى في البلاد‬ (الجزيرة)
‪إدريس سليمان: الحادثة مدبرة بقصد إحداث فوضى في البلاد‬ (الجزيرة)

وأضاف أن "المبادئ لا تتجزأ، هم ذموا الشعبي بينما كان عليهم التعبيرعن موقفهم بشكل أكثر وضوحا وبما يتوافق مع شعارات الثورة".

ويرى سليمان في حديثه للجزيرة نت أن الاعتداء على اجتماع حزبه كان محاولة من أحزاب "قليلة ضعيفة الشعبية" وتتخوف من الديمقراطية ولا يمكن البناء على هذه المواقف واعتبار أن السودانيين رافضون لكل ما هو إسلامي.

وأضاف "هما حزبان لديهما عناصر معروفة عملت على بث دعاية سوداء مخادعة وجاؤوا بالمهاجمين من خارج المنطقة على متن سيارات تم رصدها".

حادثة مدبرة
وأكد أن الحادثة مدبرة بقصد إحداث فوضى في البلاد وأن حزبه نجح في تفويت الفرصة على الساعين لإحداث فتنة حين سيطر على كوادره، ومنعهم من مواجهة العنف بالعنف الذي كان مأمولا لإظهار أن المؤتمر الشعبي ضد الثورة ويسعى لوأدها.

واعترف القيادي أن تجربة المؤتمر الوطني ونظام البشير المرتبطة بالحركة الإسلامية "كانت سيئة وبعيدة عن مُثُل الدين الإسلامي وحكت واقعا شموليا غاية في الجبروت بحكم الفرد".

وشدد سليمان على أن المعركة الآن ليست بين الإسلام السياسي والاتجاه الآخر خاصة وأن المؤتمر الشعبي يريد وضعا ديمقراطيا يحتكم فيه للشعب، بينما تخشى واجهات أخرى هذه المعادلة لإدراكهم عدم التأثير الذي يكفل ميل الكفة لصالحهم.

المصدر : الجزيرة