إندونيسيا.. ما الذي يقلق 192 مليون ناخب؟

An official prepares ballot boxes before their distribution to polling stations in a warehouse in Jakarta, Indonesia, April 15, 2019. REUTERS/Willy Kurniawan
192 مليون ناخب يصوتون في أكبر عملية اقتراع في يوم واحد في العالم (رويترز)
 صهيب جاسم وأحمد ترمذي-جاكرتا
 
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في إندونيسيا -والتي يدعى فيها أكثر من 192 مليون ناخب للإدلاء بأصواتهم- انشغل الساسة وعامة الناس بكثير من الأخبار والتفاصيل المثيرة للقلق والجدل بشأن إجراء الانتخابات، وما يحيط بها من ترتيبات الاقتراع الورقية أو الإلكترونية. 

بدأ الجدل منذ عدة أشهر عندما قدم تحالف أحزاب المعارضة -التي ترشح العسكري المتقاعد برابوو سوبيانتو- دراسة بشأن ما قال فريقها التحقيقي إنها أخطاء وإشكالات في سجل الناخبين، مثل تركز تواريخ ميلاد 17 مليون مواطن في ثلاثة تواريخ من أيام السنة، إضافة إلى عدد آخر يضم ملايين الأشخاص الذين تنطوي سجلاتهم على إشكالات في بياناتها مثل أخطاء في الرقم الوطني ورقم المحافظة، أو كون مئات الأشخاص مسجلين في بطاقة عائلية واحدة، وغير ذلك من الإشكالات حسب فريق المعارضة.

وفي آخر رد رسمي من مفوضية الانتخابات على شكاوى المعارضة في مؤتمر صحفي مساء الاثنين وقبل يومين من الاقتراع، قال فريان عزيز أحد الأعضاء المفوضين في المفوضية إنه لا يمكن حذف بيانات 17 مليون ناخب ممن تقول المعارضة إن بياناتهم غير صحيحة، مفندا حديث المعارضة عن مكامن الخطأ في تواريخ الميلاد وغيرها.

وقال فريان إن المفوضية قامت بتحقيقها في البيانات التي تقدمت بها المعارضة على عدة مراحل مع وزارة الداخلية وخبراء السكان والإحصاء، كما قامت بتدقيق ميداني لـ 1604 عينات أو حالات في مختلف القرى وتبين أن 98.7% من المعلومات صحيحة بين ما هو مدون في السجلات وما أدلى به المواطنون الذين تمت مقابلتهم.

المعارضة انتقدت حفظ أوراق الاقتراع في صناديق كرتونية أتلفتها الأمطار في عدة مدن (رويترز)انتقدت
المعارضة انتقدت حفظ أوراق الاقتراع في صناديق كرتونية أتلفتها الأمطار في عدة مدن (رويترز)انتقدت
كلفة باهظة وصناديق ورقية
وفي تطور آخر وقبل أيام من الاقتراع، تعرضت صناديق الاقتراع الورقية للتلف بسبب المطر في أكثر من منطقة، وكانت مفوضية الانتخابات قد لاقت انتقادات بسبب اختيارها صناديق ورقية "كرتونية" في حين كانت البلاستيكية أو المصنعة من الألمونيوم هي الخيار في المرات السابقة. 

وتقول د.حُسنُ المرئية مارليم أستاذة القانون والعلوم السياسية في جامعة إندونيسيا إن كل من ينتقد مفوضية الانتخابات يُتهم بأنه معارض، وأنه يسعى للتشكيك في مصداقية المفوضية، لكن في نظرها "المفوضية قد أنفقت نحو 26 تريليون روبية (1.8 مليار دولار أميركي) من الموازنة العامة للدولة، ولهذا من الضروري أن تتعرض للنقد، وحتى الآن مفوضية الانتخابات لم تبذل جهدها بصورة إيجابية من أجل تحسين وتنظيف قوائم الناخبين من البيانات غير الصحيحة". 

وتضيف حسن المرئية -في حديثها للجزيرة نت- أن النظام الإلكتروني السابق الذي عمل به في انتخابات عام 2004 كان قادرا على تجميع النتائج الأولية من 458 ألف مركز اقتراع في البلديات، مقارنة بنحو 1700 مركز كانت تعتمد على نتائجها مراكز الاستطلاع الخاصة أو التجارية، مما جعل مفوضية الانتخابات في تلك الفترة تتفوق على كل مراكز الاستطلاع الخاصة أو غير الحكومية، ولا يعرف إن كانت مفوضية الانتخابات ستقدر على إصدار نتائج أولية بشكل سريع أم أن مراكز استطلاع ومؤسسات إعلامية ستتفوق عليها.

عناصر من الجيش والشرطة يشرفون على توصيل صناديق الاقتراع إلى مناطق نائية عبر طرق وعرة (رويترز)
عناصر من الجيش والشرطة يشرفون على توصيل صناديق الاقتراع إلى مناطق نائية عبر طرق وعرة (رويترز)
زوار الفجر
وتقول حسن المرئية -في إطار الحديث عن القوى المؤثرة بالانتخابات- إن لإندونيسيا "ساسة أثرياء يحكمون تفاصيل الحياة. وحسب الإحصاءات فإن 1% من سكان الجمهورية يسيطرون على 49% من ثروات البلاد، و10% فقط يسيطرون على 75% من ثروات بلادنا، و72% من أراضي الدولة ملك 1% من السكان، وهناك أربعة أشخاص يمتلكون من الثروة ما يمتلكه مئة مليون". وتضيف أن "(هذه) الأقلية الثرية تمول وتشارك في تمويل الحياة السياسية، وهذه هي إشكالية العمل السياسي اليوم".

ويُعد المال السياسي للأثرياء من السياسيين والممولين للمرشحين والأحزاب من الأمور التي يتحدث عنها ناشطون كثر في مجال مكافحة الفساد، وقد كشفت وحدة مكافحة المال السياسي في هيئة مراقبة الإنتخابات عن 25 حالة مال سياسي في 13 إقليما إندونيسيا خلال الأيام الماضية، وقد بدأت إجراءات التحقيق والتعامل القانوني مع المرشحين المتهمين بذلك.

 
ومما جذب انتباه الإندونيسيين الأيام الأخيرة كشف هيئة مكافحة الفساد عن شحنة من الأموال قدرت بثمانية مليارات روبية (571 ألف دولار) لدى برلماني من حزب غولكار (أحد أحزاب التحالف الحاكم) وقد وضعت المبالغ في أربعمئة ألف ظرف صغير لتوزع على الناخبين، حسب اعتراف السياسي الذي ألقي القبض عليه، واعترف بأن سياسيين آخرين من حزبه طلبوا منه القيام بذلك، مما يعني إمكانية وجود أموال أخرى جهزت من قبل سياسيين لاستخدامها عشية يوم الاقتراع.

يأتي هذا في الوقت الذي قالت فيه لجنة مراقبة الفساد قبل أيام من الاقتراع إن وزراء حكومة الرئيس جوكوي لم يعلنوا عن ثرواتهم أو ممتلكاتهم لهيئة مكافحة الفساد هذا العام، وهو ما يطالبون به قانونا، باستثناء وزير واحد أعلن عن ممتلكاته قبل عامين.

التصويت المبكر في السفارة بماليزيا شابته انتقادات كثيرة (الأناضول)
التصويت المبكر في السفارة بماليزيا شابته انتقادات كثيرة (الأناضول)
إشكالات التصويت المبكر للمغتربين
على صعيد آخر، شابت عملية الاقتراع بالخارج التي أجريت قبل أيام من الاقتراع الداخلي العديد من الإشكالات، أولها الكشف عن عشرات الآلاف من أوراق الاقتراع التي تم التأشير عليها لصالح الرئيس جوكوي ومرشحين من متحالف معه هو الحزب القومي الديمقراطي (ناسديم). وكانت تلك الأوراق معدة لتصويت الجالية في ماليزيا، لكن مفوضية الانتخابات اكتفت بالقول إنها ستعتبر كل تلك الأوراق المؤشر عليها في حكم الملغاة ولن تستخدم في الاقتراع، ولم تنه تحقيقها بعد في هوية المدبر لما قيل إنها محاولة تزوير.
 
لكن هيئة مراقبة الانتخابات الإندونيسية كان لها موقف آخر، فقد طالبت مفوضية الانتخابات بإعادة عملية الاقتراع  المبكر للجالية الإندونيسية في مدينة سيدني بأستراليا، بسبب وجود إشكالات في عملية الاقتراع المبكر من حيث عدم كفاية الوقت لتصويت جميع الناخبين.
 
كما طالبت هيئة مراقبة الانتخابات في مؤتمر صحفي عشية توجه الناخبين في إندونيسيا للتصويت صباح غد بإعادة الاقتراع جزئيا لنحو 320 ألف ناخب إندونيسي مقيم في ماليزيا ممن أدلوا بأصواتهم بريديا، إثر الكشف عن أعمال تزوير لآلاف من أوراق الاقتراع لصالح الرئيس الحالي جوكوي ومرشح من حزب متحالف معه.

وفي بلدان أخرى عربية وآسيوية وأوروبية، حدثت إشكالات عديدة مثل عدم كفاية الوقت المخصص للاقتراع في ظل إقبال كبير من الجاليات الإندونيسية على التصويت، كما سجل شهود عيان بعدسات هواتفهم حدوث جدال ونقاشات ساخنة بين الناخبين والمسؤولين في تفاصيل عديدة.

وتحدث خبراء في وسائل إعلام إندونيسية عديدة عن حالة الإرباك التي شهدتها مراكز الاقتراع بالخارج في ظل تزامن الانتخابات التشريعية والرئاسية في يوم واحد، وإمكانية تكرار الإشكاليات الإجرائية واللوجستية في كثير من المناطق لاسيما النائية.

وما يزيد الأمر تعقيدا أن على الناخب أن يؤشر على أربع أو خمس بطاقات اقتراع، فعليه أن يختار الرئيس ونائبه، ومرشحا للبرلمان المركزي، ولمجلس الشيوخ، والمجلسين التشريعيين للإقليم والمحافظة أو للإقليم والمدينة، وهو ما يستغرق وقتا، ويطرح تساؤلا عن كفاية الساعات المسموح خلالها بالاقتراع، حيث يبدأ الاقتراع السابعة صباحا وحتى الواحدة ظهرا، ولا تستمر إلى المساء كما في دول أخرى.

المصدر : الجزيرة