ما بين التهديد والغزل.. رسائل المجلس العسكري بالسودان للمعتصمين

رئيس اللجنة السياسية بالمجلس العسكري الفريق عمر زين العابدين في مؤتمر صحفي اليوم الجمعة ـ صورة من وزارة الدفاع
الفريق أول عمر زين العابدين في مؤتمر صحفي اليوم الجمعة (الجزيرة نت)

أحمد فضل-الخرطوم

لأول مرة يحظى المحتجون بالسودان بعد 114 يوما من الاحتجاجات بسلطة تقر بهم كجهة تستحق التفاوض، لكن شكوكا متعاظمة تدفعهم لعدم مغادرة اعتصامهم أمام مقر قيادة الجيش خاصة بعد ما عدوه تهديدات مبطنة بفضه.

وبعد الظهور الثاني للمجلس العسكري الذي عزل الرئيس عمر البشير وتسلم السلطة لفترة انتقالية تمتد لعامين، تبدو هوة الثقة بين القادمين الجدد والمعتصمين منذ أسبوع أكثر اتساعا.

وقبل تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير (الداعم للاحتجاجات المطالبة بتنحي البشير منذ الأول من يناير/كانون الثاني الماضي) دعوة رئيس اللجنة السياسية بالمجلس العسكري الفريق أول عمر زين العابدين للجلوس مع المحتجين على "الأرض أو النجيل" للاستماع إلى آرائهم.

لكن التحالف المعارض -الذي يضم تجمع المهنيين- لا يخفي استياءه مما دار في المؤتمر الصحفي الذي عقدته اللجنة السياسية اليوم الجمعة "لكونه مضى في ذات اتجاه البيان الأول الذي تلاه رئيس المجلس الفريق أول عوض بن عوف".

‪بن عوف تلا أمس بيانا أعلن فيه عزل البشير وتسلم مجلس عسكري السلطة برئاسته لمدة عامين‬  (الأوروبية)
‪بن عوف تلا أمس بيانا أعلن فيه عزل البشير وتسلم مجلس عسكري السلطة برئاسته لمدة عامين‬ (الأوروبية)

اتصالات مسبقة
ويكشف الطيب العباسي القيادي بالتجمع الاتحادي المعارض المنضوي تحت تحالف قوى الحرية والتغيير أن المعارضة لديها قنوات اتصال مع رموز المجلس العسكري.

وربما ما أدلى به العباسي للجزيرة نت يشرح ما أفاد به رئيس اللجنة السياسية بالمجلس العسكري بشأن تواصل اللجنة الأمنية التي شكلت أواخر أيام البشير مع قوى المعارضة "لكنها اصطدمت بأفق مسدود لأنهم تمسكوا بسقوط النظام".

وتتكون اللجنة الأمنية -التي رأسها البشير قبيل تنحيته- من وزير الدفاع بن عوف، وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" ومدير جهاز الأمن والمخابرات الفريق أول صلاح عبد الله "قوش" ومدير عام قوات الشرطة الفريق أول الطيب بابكر.

وأبلغ الجزيرة نت مصدرٌ حزبي -كان ضمن إحدى المبادرات التي تشكلت لمعالجة الأزمة أثناء الاحتجاجات- أن وزير الدفاع التقى رموز المعارضة المعتقلين مثل عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي صديق يوسف.

انقلاب أم استجابة؟
وانتظر دعاة الاعتصام المؤتمر الصحفي للمجلس العسكري عله يجيب عن أسئلة عالقة منذ تلاوة البيان الأول، لكن بدلا من ذلك يبدو أن مضمون المؤتمر عزز شكوكهم بأن "ما جرى مجرد تسليم وتسلم".

ولئن كان مسؤول اللجنة السياسية بالمجلس وصف ما جرى بأنه ليس انقلابا وإنما استجابة لرغبات السودانيين وفق تراتبية الجيش، يرى العباسي أن تحرك قادة المؤسسات العسكرية والأمنية استجابة لتوجيهات البشير الذي أتى بهم، بل وصفهم بجسر لتحقيق أهداف الدولة العميقة.

ويقول "لا يعقل أن يكون ضمن المجلس العسكري من تلطخت أياديهم بدماء الشهداء الذين سقطوا في الاحتجاجات وتورطوا في نعت المتظاهرين بشذاذ الآفاق، نحن نريد مجلسا عسكريا أياديه بيضاء وغير ملطخة بمساندة البشير".

وعدّ رئيس اللجنة السياسية بالمجلس العسكري مدير جهاز الأمن ومدير الشرطة وقائد قوات الدعم السريع بأنهم كانوا حلقات قوية في إنجاز ما اسماه "التغيير".

ويتهم المحتجون الأمن والشرطة بالتورط في انتهاكات جسيمة بحق المحتجين طوال أكثر من ثلاثة أشهر، شملت القتل والتعذيب والاعتقال المتطاول.

‪العباسي: لا مانع من الحوار مع المجلس العسكري وسنبلغهم بمطالبنا‬ (الجزيرة نت)
‪العباسي: لا مانع من الحوار مع المجلس العسكري وسنبلغهم بمطالبنا‬ (الجزيرة نت)

مضمون محبط
وبشأن استعداد المجلس العسكري على لسان الفريق زين العابدين للجلوس مع المحتجين، يقول العباسي "إذا نزل المجلس إلى الميدان أهلا وسهلا به.. ليس هناك ما يمنع الحوار معه لكننا سنبلغه بكل مطلوبات الحراك".

ويشير إلى أن كل ما ورد الخميس في البيان الأول أو حتى المؤتمر الصحفي الجمعة "محبط وقلل من المد الجماهيري عن قصد".

ويتهم قيادات حزب المؤتمر الوطني بالمشاركة في هذه "المسرحية" مدللا أن كل هيئة أركان الجيش يتم تعيينهم سياسيا، وأن قادة المجلس العسكري "لا يستطيعون الآن نعت البشير بالرئيس المخلوع أو تقديمه لمحاكمة".

وخلال المؤتمر الصحفي كان المعتصمون في محيط القيادة العامة للجيش يصيحون برفض المضامين التي حواها حديث زين العابدين.

وقال خالد فتحي عضو سكرتارية شبكة الصحفيين السودانيين (أحد أذرع تجمع المهنيين) -للجزيرة نت- إن ما يصدر عن قيادة الجيش لا يعبر حتى الآن عن آمال وتطلعات المعتصمين الذي اختاروا الصمود في اعتصامهم حتى اقتلاع النظام من جذوره.

تهديد مبطن
وحوى حديث رئيس اللجنة السياسية بالمجلس العسكري ما عده العباسي تهديدا مبطنا تجاه المعتصمين عندما سئل عن موقف الجيش حال تمسك المحتجين بالاعتصام.

وبالرغم من أنه قال إن المجلس سيستمع لحلول المشاكل من المعتصمين "لكنه أردف بأنهم لن يسمح بأي عبث أو فوضى في بقعة أو أي مكان" وزاد "لن نقبل بإغلاق الكباري. في هذا سنكون حاسمين جدا".

يُذكر أن الاعتصام على شارع القيادة تسبب شل الحركة بالعاصمة بسبب إغلاق جسري النيل الأزرق والقوات المسلحة الرابطين بين الخرطوم والخرطوم بحري.

وشدد -بلهجة حاسمة- أن المجلس لن يسلم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، لكن يمكن أن يحاسب أمام القضاء بالداخل مؤكدا أنه تم التحفظ عليه في مكان آمن.

كما أكد عدم حل قوات الدفاع الشعبي (أحد أذرع النظام السابق العسكرية) "لأن لديها قانون وأصبحت قوات نظامية بعد أن تم استيعابها" وقال إنه لن يتم إقصاء حزب المؤتمر الوطني وتقديم كل من تورط في جرائم قتل المحتجين أو الفساد لمحاكمة عادلة.

المصدر : الجزيرة