تقرير الخارجية الأميركية: انتهاكات الحلفاء العرب أكبر من أن تُغطى

An activist dressed as Saudi Crown Prince Mohammad bin Salman holds a prop bonesaw during a demonstration calling for sanctions against Saudi Arabia and to protest the disappearance of Saudi journalist Jamal Khashoggi, outside the White House in Washington, U.S., October 19, 2018. REUTERS/Leah Millis
مظاهرة تندد بمحمد بن سلمان أمام البيت الأبيض (رويترز-أرشيف)

وفي تصريحات للصحفيين، رفض رئيس مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان في الخارجية الأميركية مايكل كوزاك التعليق على عدم الإشارة إلى مسؤولية ولي العهد عن الجريمة، كما رفض الإجابة عما إذا كان معدو التقرير اعتمدوا على تقارير "سي آي أي" الخاصة بقتل خاشقجي، مكتفيًا بالقول إن فريقه "يطلع باستمرار على المعلومات الاستخباراتية كجزء من عمله اليومي".

كما استبق وزير الخارجية مايك بومبيو أسئلة الصحفيين بالقول في مقدمة التقرير إن "سياسة هذه الإدارة هي التعامل مع الحكومات الأخرى، بغض النظر عن سجلهم الحقوقي، ما دام كان ذلك في مصلحة الولايات المتحدة".

التصريح رأته منظمات حقوقية موجها لولي العهد السعودي بالتحديد، فقال فيليب ناصف -أحد مديري منظمة العفو الدولية بالولايات المتحدة- لصحيفة واشنطن بوست إن تعليق بومبيو رسالة لقادة العالم، مثل محمد بن سلمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بأن الولايات المتحدة لا تكترث بالانتهاكات الحقوقية في بلادكم، وأن أي انتهاكات سيتم التغاضي عنها مهما كانت فظاعتها.

الانتهاكات الفظيعة لم يتجاهلها التقرير، فقد عرض حالات لقتل المدنيين وتدمير البنية التحتية في الحرب التي تقودها الرياض ضد الحوثيين في اليمن. واعتمد التقرير على مصادر الأمم المتحدة التي قدرت أعداد القتلى من المدنيين في اليمن بين مارس/آذار 2015 وأغسطس/آب 2018 بـ6592 قتيلًا مدنيًا، بينهم ما لا يقل عن 1200 طفل.

كما عرض التقرير وضع القضاء السعودي، واتسامه بغياب الاستقلالية، وانعقاد محاكمات تغيب فيها المعايير الدولية للمحاكمات العادلة، واعتماد القضاة على اعترافات المتهمين التي غالبًا يتم انتزاعها تحت التعذيب، كما أن المتهمين عادة يحاكمون في جلسات سرية، ولا يتم إعلامهم بسير المحاكمة ولا بوضعهم القانوني.

انتهاكات ولي العهد السعودي ضد رجال الأعمال وبعض الأمراء لم تغب عن التقرير أيضًا؛ فرصد التقرير تعرض رجال أعمال وأمراء ومسؤولين سابقين للإساءة البدنية أثناء احتجازهم في فندق ريتز كارلتون في الرياض في سياق حملة ضد الفساد.

وضمن الانتهاكات السعودية، ذكر التقرير حالة الاختفاء القسري للمواطن القطري-السعودي نواف الرشيد، الذي قالت السلطات الكويتية إنه رُحّل إلى السعودية في مايو/أيار الماضي. كما عرض التقرير التهم التي وُجهت لرجال دين كبار سعوديين مثل سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري، ومنها "علاقاتهم" المزعومة بدولة قطر.

أما بخصوص الانتهاكات ضد النشطاء في السعودية، فذكر التقرير أنه في الكثير من الحالات "كان من المستحيل العثور على أرضية قانونية للاحتجاز." وتحدث عن وجود ما لا يقل عن 120 ناشطا وناشطة قيد الاحتجاز بسبب نشاطهم السياسي والاجتماعي أو نقدهم للحكومة، مثل محمد البجادي ومحمد القحطاني وإيمان النفجان وهتون الفاسي، بالإضافة إلى رجال دين مرموقين مثل سفر الحوالي وناصر العمر.

وتناول التقرير استخدام قوانين مكافحة الإرهاب ضد النشطاء، والتضييق على حرية المعلومات، وتعرض الصحفيين والمدونين للسجن. وذكر حالة الناشطة نهى البلوي التي حوكمت بعد أن انتقدت سياسة التطبيع مع إسرائيل، وصدر ضدها حكم بالسجن خمس سنوات وبغرامة ثلاثة ملايين ريال قبل أن يُفرج عنها لاحقًا.

وانتقد التقرير تعامل السلطات السعودية مع العمال الأجانب واللاجئين، خاصة اليمنيين والسوريين، حيث رحلت أكثر من 17 ألف يمني بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار من العام الماضي. إضافة إلى انتقادات أخرى وجهتها الخارجية الأميركية لأوضاع النساء في السعودية، والتمييز الذي يتعرضن له سواء عبر القوانين أو العادات الاجتماعية أو حتى في القضاء.

مصر.. الصورة قاتمة
وجاء التقرير عن مصر حادًا، حيث تعاني تحت حكم السيسي من انتهاكات جسيمة، إذ تحدث التقرير عن انتهاك الحق في الحياة الذي ترتكبه السلطات المصرية عبر عمليات القتل خارج نطاق القانون.

وعرض التقرير حالات قامت فيها قوات الشرطة أو الجيش بعمليات قتل، مثل قتل المواطن محمد عبد الحكيم محمود، الشهير بعفروتو، داخل قسم شرطة المقطم بالقاهرة، ومقتل الصياد الفلسطيني مصطفى أبو عودة قرب الحدود البحرية المصرية الفلسطينية برصاص الجيش المصري، وهو ما ينفيه الجيش.

وانتقد التقرير في 55 صفحة غياب المحاسبة في أحداث العنف التي جرت عقب الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش عام 2013، بما في ذلك مقتل مئات المدنيين على يد قوات الشرطة والجيش في ميدان رابعة.

وتناول التقرير حالات الاختفاء القسري الذي قامت بها السلطات المصرية ضد معارضيها، وتحدث عن توثيق منظمات حقوقية كبرى أكثر من 1700 حالة اختفاء قسري بين 2015 و2017، حيث تستخدم السلطات سجونا بمناطق عسكرية لإخفائهم. وتناول التقرير حالة المواطن المصري الأميركي خالد حسن الذي اختفى لأشهر قبل أن يظهر في أحد سجون القاهرة ويتحدث عن تعرضه للتعذيب، بما في ذلك الاغتصاب مرتين.

وذكر التقرير كيف تُطوّع السلطات المصرية القوانين لخدمة القمع، من خلال استخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين، وكذلك المحاكمات الجماعية، كما رصد تحول الحبس الاحتياطي إلى عقوبة بحد ذاته.

وتناولت التقارير حالات عدة لمعتقلي رأي ومعتقلين سياسيين من اتجاهات مختلفة، مثل المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح، والحقوقية النسائية أمل فتحي، ومراسل الجزيرة محمود حسين، والمصور الصحفي محمد شوكان، والسيدة علا القرضاوي وزوجها حسام خلف.

وانتقد التقرير حملة الحكومة المصرية ضد منظمات المجتمع المدني، والتمييز المبني على الجنس أو الدين، والانتهاكات ضد ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال داخل أماكن الاحتجاز.

وفي ما يخص الوضع في سيناء، تناول التقرير عمليات القتل خارج نطاق القانون، والاختطاف، وعجز السلطات عن توفير المواد الغذائية ومياه الشرب للمواطنين، وانتهاكات أخرى مثل التهجير القسري وتدمير المنازل.

وتحدث التقرير بشكل إيجابي عن تمثيل المرأة والأقباط في البرلمان الحالي والحكومة التي عينها السيسي، وكذلك عن بعض إجراءات مكافحة الفساد داخل جهاز الدولة.

‪التقرير تعرض لاعتقال الزميل محمود حسين في مصر‬ (الجزيرة)
‪التقرير تعرض لاعتقال الزميل محمود حسين في مصر‬ (الجزيرة)

الإمارات.. تعذيب وإهانة
تتصدر الإمارات مؤشرات السعادة في العالم العربي، ومع ذلك أتى تقرير الخارجية الأميركية بصورة مغايرة عن دولة تمارس التعذيب والاعتقال التعسفي واختراق الخصوصية والحد من حريات الرأي والتعبير وحجب مواقع الإنترنت وانعدام قدرة المواطنين على المشاركة في العمل السياسي، وغيرها من الانتهاكات.

لكن أذى الإمارات -مثل السعودية تحت قيادة محمد بن سلمان- فاق الحدود؛ فقد رصد التقرير المشاركة العسكرية الإماراتية في الحرب السعودية على اليمن، التي تسببت في مقتل مدنيين، وتدمير البنية التحتية، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية، والانتهاكات الجنسية وتعذيب يمنيين قيد الاعتقال.

واعتمد التقرير في أربعين صفحة على توثيق منظمات الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية للانتهاكات في الإمارات؛ فرغم حظر الدستور التعذيب والمعاملة المهينة، رصد التقرير حالات تعذيب لمعتقلين شملت الضرب والحرمان من الجلوس والنوم والصعق بالكهرباء والتهديد بالاغتصاب والقتل.

الدستور الإماراتي يحظر أيضًا السجن والاعتقال التعسفي، لكن القانون يسمح بالاحتجاز لفترات غير محددة، وبحسب التقرير فإن السلطات تحتجز عادة سجناء لفترات طويلة دون توجيه تهم أو دون عرض المتهمين على قضاة.

وتناول التقرير أيضًا أوضاع السجناء الجنائيين في الإمارات، من حيث التكدس وغياب المرافق الأساسية، وعدم سيطرة السلطات على السجن إلى حد اندلاع شجارات بين مسجونين أدت إلى إصابات وأحيانًا إلى وفيات.

أما القضاء الإماراتي، فعلى الرغم من استقلاليته الافتراضية بحسب الدستور، فإن التقرير رصد مرور قرارات القضاة عادة عبر القيادة السياسية، التي تكون لها الكلمة النهائية. وأورد حالة أسامة النجار، وهو مواطن إماراتي تتهمه السلطات بالانتماء لحركة الإصلاح التي صنفتها الإمارات حركة إرهابية، كان قد حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، ودفع غرامة قيمتها خمسمئة ألف درهم إماراتي (136 ألف دولار)، وكان يفترض الإفراج عنه في مارس/آذار 2017، إلا أن المحكمة العليا أصدرت قرارًا بعدم الإفراج عنه بحجة احتياجه للمزيد من التوجيه.

كما استشهد التقرير بحالة الطالب البريطاني ماثيو هيدجز الذي أصدر رئيس الدولة خليفة بن زايد عفوًا عنه بعد أيام من قرار المحكمة بسجنه مدى الحياة بتهمة التجسس.

وانتقدت الخارجية الأميركية في تقريرها القيود التي فرضتها السلطات على حرية الرأي والتعبير، ومحاكمة المواطنين بسبب منشوراتهم على حساباتهم على مواقع التواصل، بما في ذلك فرض عقوبات تصل للسجن 15 سنة على إظهار التعاطف مع دولة قطر أو معارضة موقف الحكومة الإماراتية من القيادة القطرية.

‪الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز تعرض للسجن قبل العفو عنه‬ (رويترز)
‪الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز تعرض للسجن قبل العفو عنه‬ (رويترز)

البحرين.. قيود على الأفراد والمنظمات
لم تغب انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين عن تقرير الخارجية الأميركية، فلم يختلف الوضع كثيرًا في المنامة عن الوضع في أبو ظبي، فعلى الرغم من عدم تسجيل أي حالات قتل خارج نطاق القانون، فإن التقرير رصد استخدام السلطات البحرينية التعذيب، والاعتقال التعسفي، وسجن المخالفين في الرأي، وفرض قيود على حرية التعبير والصحافة والإنترنت، والتجسس على المواطنين داخل وخارج البلاد.

ورصد التقرير أيضا فرض السلطات قيودا على حرية الحركة ضد المعارضين، بما في ذلك المنع من السفر، والتجريد من الجنسية، وكذلك فرض قيود على المشاركة السياسية، بما في ذلك منع أفراد مثل أعضاء حركة الوفاق من الترشح للانتخابات البرلمانية.

ورصد التقرير تعرض أطفال أصغر من 15 عامًا لأنواع مختلفة من سوء المعاملة مثل الضرب والصفع والركل والإهانات اللفظية. كما قامت السلطات بتهديد أهالي المعتقلين في حال لم يتعاون المعتقلون معهم بتوقيع بيانات الاعتراف أو أثناء التحقيق.

كما ذكر التقرير قيام السلطات بفرض قيود على حرية المعلومات وحجب مواقع الإنترنت، ومن بينها موقع الجزيرة نت، ومنع منظمات المجتمع المدني من العمل بحرية في البلاد.

المصدر : الجزيرة