بوتفليقة يتراجع.. هل بدأت الثورة الجزائرية؟

Protest against candidacy of President Abdelaziz Bouteflika for a fifth term in Algeria- - ALGIERS, ALGERIA - MARCH 08: Security forces intervene to demonstrators with tear gas during a protest march against candidacy of President Abdelaziz Bouteflika for a fifth term in Algiers, Algeria on March 08, 2019. 81-year-old Abdelaziz Bouteflika, serving as the president since 1999, has announced on 19 February he will be running for a fifth term in presidential elections.
ليبيراسيون: الاحتجاجات غيّرت تغييرا جذريا مزاج الجزائريين الذين بدوا قبلها محبطين بسبب شعورهم بحتمية استمرار نظام بوتفليقة (الأناضول)

هل انتصر الجزائريون في يوم الاثنين الموافق 11 مارس/آذار الجاري عندما تخلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن ترشحه لولاية خامسة، وأعلن تأجيل الانتخابات الرئاسية؟

من هذا التساؤل انطلقت صحيفة ليبيراسيون الفرنسية لتقوّم نتائج المظاهرات التي انطلقت يوم 22 فبراير/شباط الماضي، موضحة أنها غيّرت تغييرا جذريا مزاج الجزائريين الذين بدوا قبلها محبطين بسبب شعورهم بحتمية استمرار نظام بوتفليقة.

وتساءلت الصحيفة مرة أخرى: هل يمكن لمثابرة الجزائريين وتصميمهم أن يؤدي إلى تغيير عميق للنظام، خاصة وأن المراقبين أجمعوا على سلمية حراكهم؟

الفرح النادر للجزائريين
ووصف كاتب المقال نجيب سيدي موسى من جامعة باريس 1، لحظات الفرح العارم النادرة التي خرج فيها الشعب الجزائري متحدا، وقال إن أهمها خرجته في نوفمبر/تشرين الثاني 2009 عندما تأهل الفريق الجزائري لكرة القدم لكأس العالم التي أقيمت في جنوب أفريقيا العام الموالي، حيث خرج الرجال والنساء والأطفال بشكل جماعي للاحتفال بالنصر، خروجا لم يشهد له مثيل منذ يوليو/تموز 1962.

ولم يصف أحد -حسب الكاتب- هذا الشعور الجماعي بالابتهاج الذي شهدته الجزائر مثل ما وصفه الكاتب والصحافي كامل داود في عمود له بصحيفة "يومية وهران" قائلا "يكفيك الشعور بأنها دولة أخرى تحملها بين ذراعيك لا على ظهرك. ولا يعش أبناء الاستقلال شعورا بالفرح أكبر مما رأينا على وجوه نسائنا أخيرا بعد أن تحررن".

واعتبر الكاتب أن البعد الرياضي لخرجة 2009 لا يتناقض مع قراءة سياسية بحتة للأحداث الحالية، واختار مظاهرات 22 فبراير/شباط 2019 ومظاهرات 11 ديسمبر/كانون الأول 1960 ضد الاستعمار الفرنسي، ومظاهرات 5 أكتوبر/تشرين الأول 1988 ضد الدكتاتورية العسكرية.

وأوضح أن الخروج بفرح عارم في نوفمبر/تشرين الثاني 2009 تحت شعار "واحد، اثنان، ثلاثة.. تعيش الجزائر"، كان له معنى أعمق بكثير من نتيجة بسيطة لكرة القدم، لأنه في الواقع كان احتفالا ذا طابع وطني وتعبيرا عن فرح غامر يتوج نهاية الحرب الأهلية واستعادة تملك ولو مؤقت للفضاء العام، كما يقول الكاتب.

وأكد أن احتفالات 2009 وضعت حدا للقوس الدموي الذي فتح بسبب توقيف العملية الانتخابية في يناير/كانون الثاني 1992 وبسبب حالة الطوارئ التي أعلن رفعها في فبراير/شباط 2011، دون أن تحترم الحريات الديمقراطية الأساسية، مثل التظاهر في العاصمة.

الجزائر ليست سوريا
ولتفسير استقرار النظام رغم "الربيع العربي" في عام 2011، لا بد من الإشارة -حسب الكاتب- إلى الفزاعة التي يروج لها النظام لشل محاولات الاحتجاج ببث الخوف بين الناس من خلال التلويح بعودة "المأساة الوطنية" في التسعينيات.

وأشار الكاتب إلى أن هذه الفزاعة هي نفسها التي انبرى المتحدثون باسم الرئيس المنتهية ولايته يروجون لها بعد المظاهرات غير المسبوقة يوم 22 فبراير/شباط الماضي، وضرب مثلا على ذلك بالوزير السابق عمارة بن يونس الذي سأل الحاضرين في اجتماع بالشلف "هل تعرفون ما عشناه في التسعينيات؟ من يريد العودة إلى تلك الفترة؟".

نجيب سيدي موسى: أحد عوامل استقرار النظام خلال
نجيب سيدي موسى: أحد عوامل استقرار النظام خلال "الربيع العربي" في 2011 هو تخويف النظام للشعب بالتلويح بعودة "المأساة الوطنية" في التسعينيات (رويترز)

وأضاف أن رئيس الوزراء أحمد أويحيى أيضا قال للنواب في اليوم التالي "لقد عرض المواطنون الورود على رجال الشرطة. إنه جميل، لكنني أتذكر أنه في سوريا بدأ الأمر بالورود أيضا". ولكن الخوف –حسب الكاتب- غير موقعه منذ 22 فبراير/شباط، إذ رد المتظاهرون على هذه الفزاعة بشعار "الجزائر ليست سوريا".

ومع ذلك، خلال هذه الفترة -التي دأب عليها دائما مؤيدو الوضع الراهن الذي تسبب في مقتل وإصابة عشرات الآلاف والنازحين- اقتصر الجزائريون على دور الضحايا السلبيين، الذين وقعوا بين قمع الدولة وفظائع الجماعات الإسلامية.

وأشار الكاتب إلى دعوات لإعادة قراءة هذا "العقد الأسود" بعيدا عن الروايات الأيديولوجية لتحسين التعامل مع حساسية الأفراد.

ثورة وأي ثورة؟
وقال الكاتب إنه أصبح من البديهي أن تاريخ الجزائر اليوم أصبح فيه ما قبل 22 فبراير/شباط وما بعده، وترى الأمينة العامة لحزب العمال لويزا حنون أن الجزائر الآن في "مرحلة ما قبل الثورة"، مع أن دعوتها للانضمام إلى الحركة لم تمنع الناس من نقد موقفها الذي رأوا فيه تواطؤا مع السلطات في السنوات الأخيرة.

وأكد الكاتب أن المظاهرات التي جرت في الأول من مارس/آذار الجاري كانت الأكثر حشدا وشمولا، ورأى أنها لا تدل فقط على رفض المتظاهرين للولاية الخامسة، بل على رفضهم أيضا للنظام السياسي وموظفيه ومنظماته، بدءا من جبهة التحرير الوطني.

وتساءل نجيب سيدي موسى "هل وصل الربيع الذي كنا نأمله في مايو/أيار 2012؟ أم إنه من باب الاحتياط ليلا نرفع كثيرا سقف التفاؤل؟ ليحق لنا طرح السؤال "هل بدأت الثورة الجزائرية؟".

مانع التغيير المنشود
وذكر الكاتب أنه توصل في عام 2014 إلى أنه "من الخطأ الاعتقاد بأن ثورات الدول المجاورة لن يكون لها تأثير" على الجزائر، ولكن الخوف من الحرب الأهلية مع "غياب" بديل جذري "منع التغيير المنشود من قبل معارضة أضعفها قمع الدولة تارة وتواطؤها مع النظام تارة أخرى".

وفي مقاله، رأى الكاتب أن الحركة القوية التي بدأت يوم 22 فبراير/شباط 2019 تدخل في سياق الحركات الإقليمية والوطنية، ولكن على افتراض أنها يمكن أن توصف بـ"ثورة" يجب أن نكون قادرين على تحديد طابعها، خاصة وأن الشعارات المرفوعة كلها تتماهى مع أجندة الليبرالية الجديدة.

ونبه الكاتب إلى انضمام بعض الأثرياء إلى الاحتجاج للتنديد بالعقبات الإدارية التي تعترض أنشطة مجموعة سيفيتال، كما لمح إلى بروز توترات في منتدى قادة الأعمال، وهي نقابة أصحاب العمل التي تقدم دعما غير مشروط للرئيس المنتهية ولايته.

المسألة الاجتماعية أقل إلحاحا للشعب
ومن ناحية أخرى، أشار الكاتب إلى أن المسألة الاجتماعية لا تكاد تظهر بشكل صريح في مطالب المتظاهرين، ومع ذلك فقد وعد عبد العزيز بوتفليقة في إعلانه للترشح "بالتنفيذ السريع للسياسات العامة التي تضمن إعادة توزيع أكثر عدالة وإنصافا للثروة الوطنية".

وتساءل نجيب سيدي موسى إن كان ذلك مناورة جديدة تهدف إلى نزع فتيل الدعوات إلى الإضراب العام والتنظيم الذاتي كما صاغها حزب العمال الاشتراكي في بيان بتاريخ 26 فبراير/شباط الماضي، إذ يؤيد هذا الحزب اليساري عقد جمعية تأسيسية ذات سيادة "تمثل التطلعات الديمقراطية والاجتماعية للعمال والجماهير".

وهكذا -يقول الكاتب- يبرز من وراء الإجماع الذي شكله رفض ولاية خامسة، تعارض وجهات النظر، علاوة على الإسلاميين الذين لم يتخلوا عن الدفاع عن مشروع اجتماعي متوافق مع الرأسمالية الليبرالية الجديدة.

وختم الكاتب بأن حركة 22 فبراير/شباط 2019 دشنت حلقة جديدة من النضالات الشعبية التي لم تتوقف أبدا رغم إغراءات وعود الحكومة، إلا أنه يبقى أن نعرف أي قطاعات من الشعب تريد التغيير الجذري، لتأخذ زمام المبادرة.

المصدر : ليبراسيون