أوامر الطوارئ في السودان.. تحدٍ مثير بين البشير والمحتجين

البشير ببذته العسكرية مع الولاة العسكريين بعد أداء مراسم القسم اليوم الأحد ـ المصدر اعلام القصر الجمهوري
صورة نشرتها الرئاسة السودانية للبشير ببذته العسكرية مع الولاة العسكريين بعد أدائهم القسم

أحمد فضل-الخرطوم

إمعانا في تطبيق حالة الطوارئ على الأرض، عمد الرئيس السوداني عمر البشير اليوم الثلاثاء إلى أن تكون مراسم أداء القسم لأحد الولاة العسكريين في القيادة العامة للجيش وكلاهما يرتدي الزي العسكري.

صورة دفعت البعض إلى اعتبار "موكب التنحي" الذي دعا إليه تجمع المهنيين السودانيين الخميس المقبل بمثابة تحدٍ لأوامر الطوارئ التي حظرت التظاهر، رغم أن السلطات رفعت حظر فيسبوك وواتساب بعد شهرين من تعطيلهما.

ويتحدى دعاة الاحتجاجات أوامر الطوارئ بقولهم إن الخميس المقبل سيكون يوما فاصلا بينهم وبين سلطات إنفاذ القانون.

وأصدر الرئيس عمر البشير أوامر طوارئ تطبق في أرجاء السودان، تقضي بحظر التجمهر والتجمع والمواكب والإضراب وتعطيل المرافق العامة.

‪المظاهرات المطالبة برحيل النظام في السودان مستمرة منذ أكثر من شهرين‬  (رويترز)
‪المظاهرات المطالبة برحيل النظام في السودان مستمرة منذ أكثر من شهرين‬  (رويترز)

حالة قديمة
ويُظهر الناشط المؤيد لحراك الاحتجاجات عز الدين جعفر عدم مبالاته بإعلان حالة الطوارئ. ويقول إن الطوارئ كقانون كانت مطبقة أصلا في نحو 13 ولاية، ولم يمنع هذا المحتجين من التظاهر والمطالبة بإسقاط النظام.

وتسري حالة الطوارئ في ولايات دارفور الخمس وولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، إلى جانب ولايتي شمال كردفان وكسلا. وبعد اندلاع مظاهرات الخبز في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي فرضت الطوارئ في ولايات نهر النيل والشمالية والنيل الأبيض والقضارف وسنار.

ويشير جعفر للجزيرة نت إلى أن "كل الممارسات والانتهاكات بحق القانون والانتهاكات الشخصية والعامة وإفلات القوات النظامية من العقاب موجود من قبل انطلاق الثورة".

ويرى في فرض الطوارئ "شرعنة للقتل والعنف والتعذيب وانتهاك حرمات البيوت واستمرار مسلسل انتهاك حقوق الإنسان، وهي تشبه محاولات الأنظمة الدكتاتورية في العالم، وأظنها الأخيرة التي سيعقبها السقوط".

أمر واقع
والأحد الماضي، في أول موكب مطالب بتنحي الرئيس بعد إعلانه حالة الطوارئ الجمعة، كان من اللافت -بحسب ناشطين- رتل ضخم من السيارات يحاصر حي بري القريب من وسط الخرطوم، ومن ثم تبدأ حالات اقتحام وتفتيش المنازل.

وفي اليوم نفسه، اقتحمت عناصر أمنية جامعة العلوم الطبية، وهو ما تسبب في ردود فعل غاضبة على نطاق واسع في مواقع التواصل.

هذه الأحداث فسرها مراقبون بأنها تطبيق عملي لإعلان حالة الطوارئ قبل إصدار الأوامر الخاصة بها، رغم أن مسؤولين أفادوا بأن مصوغات فرضها اقتصادية لحسم الفساد، لكن الأوامر جاءت لتؤكد أن للاحتجاجات نصيب الأسد.

وتسمح أوامر الطوارئ للشرطة بتفتيش أي مبنى وتقييد حركة الأشخاص ووسائل النقل العامة، وتوقيف كل من يشتبه في ارتكابه الجرائم المنصوص عليها في قانون الطوارئ، والتحفظ على الأموال والممتلكات خلال فترة التحقيق.

‪البشير عيّن وزير الدفاع في منصب النائب الأول له‬ (رويترز)
‪البشير عيّن وزير الدفاع في منصب النائب الأول له‬ (رويترز)

تحدي المحتجين
ولا يرى المتحدث السابق باسم تجمع المهنيين السودانيين بالخارج الصحفي محمد الأسباط أن أوامر الطوارئ ستحد من حركة الاحتجاجات، لأنها ليست أمرا جديدا، فالبلاد تعيشها منذ انفصال جنوب السودان في يوليو/تموز 2011.

ويؤكد للجزيرة نت أنه قبل إعلان الرئيس الطوارئ كانت دائما تتصدى السلطة للاحتجاجات في الشارع بالقمع والاعتقالات والمحاكمات، وبالتالي فهي ليست إلا "محاولة لإرهاب المواطنين وقمعهم وإخافتهم من الخروج للشارع، لكن الواضح أن السودانيين مصممون بما لديهم من بسالة على إحداث التغيير".

وبحسب الأسباط، فإن الطوارئ المعلنة لا تخلو من جديد، وهو ما يتمثل في إدخال البشير مواقع التواصل ضمن قوانينه.

وحظرت أوامر الطوارئ إعداد أو نشر أو تداول الأخبار التي تضر الدولة أو المواطنين، أو تدعو إلى تقويض النظام الدستوري القائم أو بث روح الكراهية أو العنصرية أو التفرقة بأي وسيلة من وسائل النشر.

ومنذ صدور هذه الأوامر، بث عدد من مشرفي مجموعات موقع التواصل الفوري (واتساب) تحذيرات لأعضاء مجموعاتهم من مغبة التحريض على التظاهر تحاشيا للملاحقات الأمنية.

ويرجع الأسباط هذا التوجه إلى أن اعتماد حراك الشارع على الإعلام البديل حقق انتصارا ساحقا على الإعلام التقليدي الذي بدا فقيرا وبائسا وضعيفا وغير قادر على المواجهة، فتكشفت الأكاذيب والأساليب الدعائية للإعلام الحكومي وشبه الحكومي.

وفي المحصلة بيّن أن أوامر الطوارئ لن تؤثر على الاحتجاجات والمد الجماهيري لأن الحال في السودان وصلت مرحلة يصعب العودة منها إلى أي نقطة في الخلف.

‪المعز حضرة: الطعن لدى المحكمة الدستورية سيلغي حالة الطوارئ‬  (الجزيرة)
‪المعز حضرة: الطعن لدى المحكمة الدستورية سيلغي حالة الطوارئ‬ (الجزيرة)

رؤية قانونية
القانوني المعز حضرة لا يرى أي مقتضيات قانونية تخول لرئيس الجمهورية فرض حالة الطوارئ التي تفرض في حالة وجود تهديد أو انهيار داخلي أو كوارث بيئية.

ويذهب حضرة في حديثه للجزيرة نت إلى أنه في حال الطعن لدى المحكمة الدستورية ضد قرار الرئيس القاضي بإعلان الطوارئ، فإن حجة قانونية قوية ستتوفر لإلغائها.

وينبه حضرة إلى أن إعلان الطوارئ مقيد بقيود؛ أهمها عدم الإخلال بالتزامات السودان بالعهد العالمي لحقوق الإنسان، وهو ما يمنع انتهاك الحريات العامة ويكفل حق المقاضاة العادلة.

ولا يرى في أوامر الطوارئ التي حظرت التجمع والتظاهر والإضراب حائلا أمام استمرار الاحتجاجات، لأن هذه الأنشطة لا تعترف الدولة أصلا بها رغم كفالتها بالدستور، بيد أنه في الوقت ذاته يشير إلى تشديد العقوبات في أوامر الطوارئ.

وبحسب أوامر الطوارئ، فإن كل شخص يخالف أوامر الطوارئ سيكون عرضة لعقوبة سجن تصل إلى عشرن سنوات.

وسيلة مجربة
وعرف السودانيون سريان حالة الطوارئ في عدة عهود، حيث فرضها الرئيس البشير ثلاث مرات، وكانت المرة الأولى لأكثر من عام لدى وصوله إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في الثلاثين من يونيو/حزيران 1989.

ثم عاد وفرضها في ديسمبر/كانون الأول 1999، إثر ما يعرف بالمفاصلة التي أطاحت بحليفه المفكر الإسلامي الراحل حسن الترابي.

ويجد ناشطون متفائلون في إعلان البشير حالة الطوارئ لثالث مرة وجه شبه مع ما اتخذه أسلافه من العسكر بفرض الطوارئ للمحافظة على عروشهم، لكنها لم تحل بينهم وابين لشارع.

ورغم إعلان الفريق إبراهيم عبود الطوارئ قبيل ثورة 21 أكتوبر/تشرين الأول 1964 فإنه سقط، كما حدث مع المشير جعفر نميري إثر انتفاضة أبريل/نيسان 1985.

المصدر : الجزيرة