أوريان 21: قطر.. مقاومة دول الحصار آتت أكلها

كليب حصار قطر من نشرتكم
قطر استطاعت أن تتغلب على تداعيات الحصار (الجزيرة)
قال موقع أوريان 21 الفرنسي إن تحليل العمل الدبلوماسي القطري الموثق جيدا يسمح الآن بدراسة عوامل صعود هذا البلد في محافل الأمم وفهم تطوراته، خاصة أن وضعه "كدولة صغيرة" وموقعه الإستراتيجي وبيئته الإقليمية غير المواتية، تتطلب من صناع القرار القطريين تبني سياسة خارجية "متعددة الأبعاد والاتجاهات".
 
وأوضح الموقع أن قطر في السنوات الأخيرة اجتهدت في تطوير إستراتيجية للتنويع، مستفيدة من الصندوق السيادي لهيئة الاستثمار القطرية الذي يستخدم عددا من الفروع القطاعية والجغرافية التي تمده بشبكة استثمارية مربحة.
 
وبعكس السعودية التي "تفضل السندات في الدول الأعلى تصنيفا، والمغرمة بصناديق المعاشات التقاعدية لأميركا الشمالية"، يستهدف الصندوق بشكل رئيسي الاستثمار في أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، في قطاعات مثل العقارات والصناعة والتكنولوجيا والصحة والرياضة، وقد بلغت محفظة أصوله اليوم ما يناهز 300 مليار دولار، مقابل 130 مليارا عام 2013، وفقا لأوريان 21.

وبالتزامن مع هذا النشاط الاقتصادي، تقوم قطر -بحسب الموقع- بحراك دبلوماسي نشط لرفع مكانتها على الساحة الدولية، معتمدة على النشاط المكثف في مجال الوساطة، حتى إنها جعلت من "توطيد السلم والأمن الدوليين عن طريق تشجيع فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية…" مبدأ في المادة 7 من دستور 2003.

 
وقد عززت قطر شبكة سفاراتها التقليدية وضاعفت من دعواتها لرؤساء الدول بهدف تعزيز العلاقات الثنائية، بسلسلة من إجراءات الوساطة في خدمة السلام والتضامن، كإرسال 300 جندي في عملية لحفظ السلام في لبنان عام 2006، والاجتماع مع وفد من القادة الحوثيين عام 2007، والمشاركة بطلب من الجامعة العربية في عملية وساطة في لبنان ودارفور عام 2008.

وفي هذا السياق، منحت قطر أيضا 100 مليون دولار لضحايا إعصار كاترينا في الولايات المتحدة، وأنفقت 150 مليون دولار لإعادة بناء المساكن في جنوب لبنان عام 2006 في أعقاب الحرب مع إسرائيل، مما خلق صورة دولة صغيرة بحجمها ولكنها تسعى للحوار والتوافق لتكتسب وزنا في محافل الأمم.

منعطف 2011

وفي سياق هذه الدبلوماسية النشطة، قال الموقع إن انخراط قطر في المشهد الرياضي العالمي المعروف خلق صورة الدولة القادرة على تنظيم العديد من السباقات والبطولات، مدعوما بشرائها ناديا في باريس واستثمارها في قناة "بي إن سبورت" الرياضية وتخصيصها يوما في السنة لممارسة الرياضة.

وبسبب ما تمثله الرياضة من إمكانية في بلورة التمثلات والرموز الجماعية لجذب الجمهور وإبهاره، فقد حققت قطر في نهاية عام 2010 نجاحا هائلا بحصولها على حق تنظيم كأس العالم لكرة القدم عام 2022، وهو ما يعني أن العلامة التجارية لقطر صارت في أعلى مستوياتها، بحسب الموقع.

ومع ذلك، فإن عام 2011 شكل نقطة تحول رئيسية في تطور الدبلوماسية القطرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تغلي بتحركات تطالب بالديمقراطية عرفت باسم "الربيع العربي"، حيث تبنت قطر -بحسب الموقع- مسارا جديدا تجاوز دورها التقليدي كوسيط، خاصة في مصر وتونس وليبيا، إلا أنها سرعان ما عادت إلى اعتماد سياسة خارجية أكثر توافقية.

تقارب مع تركيا وإيران
وعندما ضربت أزمة يونيو/حزيران 2017 التوازن الهش في الخليج، بعد أن قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر العلاقات الدبلوماسية مع قطر وأغلقت حدودها البرية والبحرية والجوية من جانب واحد، توجهت قطر إلى الجهات الفاعلة المحلية مثل تركيا وإيران، ولم تتجه نحو الغرب الذي تذبذب بين الصمت ودعم دول الحصار في بداية الأزمة، خاصة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وقد أظهر التردد الأميركي لقطر -وربما لغيرها، كما يقول الموقع- أن الإستراتيجية الإقليمية للدرع العسكري الغربي لم تعد مأمونة، ورأت في القرب الجغرافي من تركيا وإيران ضمانا للتعامل المباشر مع الأزمات التي قد تؤثر على المنطقة، وبالتالي قدرة استجابة أسرع.

ومن ناحية أخرى، أظهرت الأزمة الخليجية أن قطر ليست وحيدة في عدم الثقة بجيرانها، حيث حاولت الكويت وعمان نزع فتيل الأزمة ورفضتا الرضوخ للقيادة السعودية الإماراتية، خاصة أن ما يؤخذ على قطر من تعاملها مع الإخوان المسلمين، أوضح في الكويت والبحرين اللتين لديهما أحزاب إخوانية علنا ورسميا في البرلمان، بحسب الموقع.

إصلاحات ضرورية

وقال أوريان 21 إن قطر خففت تشريعها الخاص بالكفالة وأعلنت أنها ستنهي تصريح الخروج لمعظم العمال الأجانب، وقررت فتح المجال أمام الإقامة الدائمة التي تسمح للأجانب بحيازة شركات بنسبة 100%.

وبتسارع الإصلاحات، تجبر قطر الدول الأخرى في النهاية على أن تحذو حذوها من أجل الإبقاء على التنافسية الدولية.

وبخصوص تأثير الحصار على الاقتصاد القطري، قال الموقع إنه أثر بشكل رئيسي على السياحة، حيث انخفض عدد السياح بنسبة 19% في عام 2018 عن العام الذي قبله، إذ لم يتجاوز عددهم 1.8 مليون سائح، كما انخفضت أسعار العقارات بنسبة 10%، واضطرت الخطوط لجوبة القطرية لمراجعة ممراتها الجوية بالكامل.

وخلص الموقع إلى أن استقرار قطر على المدى الطويل يعتمد على المصالحة داخل دول مجلس التعاون الخليجي المفكك، وإن كان يبدو من مشاركة الجنود القطريين في المناورات العسكرية على الأراضي السعودية، ومشاركة السعودية والإمارات والبحرين هذا العام في كأس الخليج بعد مقاطعتها؛ ما ينبئ ببداية "الاسترخاء" في العلاقات بين الدوحة وجيرانها.

المصدر : أوريان 21